*وائل علي
سُجِّل موقع عمريت أثرياً لأول مرة عام 1959، بقرار ضم المعبد القديم والملعب والمدافن ومنطقة الحفريات مع وجائب لمسافة عشرة أمتار، باستثناء موقع الحفريات الذي منع البناء في سائر المنطقة العقاريةز وأعيد تسجيل الموقع، عام 1988، بقرار ضم المعبد والملعب والتل والمدافن والمغازل ومدفناً أرضياً ومستودعاً للمقدسات ومدفناً ذا نصب مكعب وبرج البزاق وبيتاً صخرياً؛ وقد تم منع القيام بأي تعديلات أو زراعة أو غراس إلا بموافقة السلطات الأثرية. وفي العام 2003، أعيد النظر بحدود موقعي عمريت ومدافن عازار، حيث تم مسح وتعيين حدودهما وتسجيلهما منطقة أثرية بالكامل، عام 2005، بمساحة تصل إلى ستة كيلومترات مربعة، على شاطىء رملي ولا أروع!! مروان حسن، مدير دائرة آثار طرطوس، وصف عمريت بأنها الابنة المدللة لجزيرة أرواد، وقد شغلت الحيز الأكبر من تاريخ طرطوس لأنها من أبرز مدن الساحل الكنعاني الفينيقي، وهي المدينة الفينيقية الوحيدة التي لم تبن الحضارات اللاحقة على أنقاضها، وإنما إلى جوارها، وتقع جنوباً على بعد 7 كم تقريباً من مدينة طرطوس، يخترقها نهر صغير معروف باسم نهر عمريت، أو نهر مارتياس، ويجاورها تل أثري يقع شرقي المعبد بارتفاع نحو 17 متراً. وتعتبر عمريت عاصمة الساحل السوري الفينيقي التي كانت مزدهرة، نهاية الألف الثالث قبل الميلاد، كأكبر تجمع ثقافي حضاري على ساحل شرق المتوسط، حيث نرى فيها المظاهر الدينية ممثلة في المعبد ومجمع المقدسات ومدافن عازار الرائعة البناء، إلى جانب مظاهر الحضارة والترف ممثلة بالألعاب الرياضية على ملعبها الشهير الذي يعتبر أقدم ملعب في التاريخ. وشهدت عمريت على مدى عصور ازدهاراً كبيراً، ووصفت في عصر الاسكندر المقدوني بأنها مدينة مزدهرة جداً، ولعلها كانت أكبر مدن الشرق، وحملت اسم ماراتوس. ولعل كلمة ماراتون، التي تطلق اليوم على النشاطات الرياضية المهمة، جاءت من هذه التسمية، وفيها إشارة واضحة لأهمية ملعبها. ويقول حسن إن مساحة عمريت المسجلة أثرياً تزيد عن 6 كم2، تعود ملكية معظمها لوزارات السياحة والزراعة ومجلس مدينة طرطوس والمديرية العامة للآثار. والموقع فيه الكثيرمن الإشغالات التي تعود لأبنية تعليمية لوزارة الزراعة (معهد زراعي – مدرسة زراعية – مركز تدريب وتأهيل)، وشاليهات الكرنك، وغابات، ومستودعات لمؤسسة الكهرباء، ومشاتل زراعية، ومحطة بث عمريت، ومزارع الحرية، ومركز البحوث الزراعية، ومركز الأرصاد الجوية، ومخيم عمريت السياحي، ومجبل بيتوني عائد لمؤسسة “عمران”، وسكة حديد، وأتوتستراد، وإشغالات زراعية خاصة، ومحطة وقود.. إلخ, وتعمل المديرية العامة للآثار والمتاحف ودائرة آثار طرطوس على حماية الموقع ومعالجة مشكلاته، وقد أوقفت أعمال البناء والتجاوزات، ونظمت ندوة دولية خاصة بعمريت بالتعاون مع منظمة اليونسكو توصلت لضرورة إعداد مخطط إدارة للموقع وإجراء الدراسات المطلوبة، لكن لم يتم تفعيل اللجنة المشكلة لهذا الغرض حتى تاريخه! أما عن واقع الشرائح السياحية، فقد قامت “سياحة طرطوس” بتقسيم المساحات المستملكة من قبلها، في منطقة عمريت، إلى ستة شرائح لتسهيل استثمارها، وجميع هذه الشرائح تقع ضمن قرار التسجيل الخاص بموقع عمريت. ووفق نتائج أعمال التنقيب المنفذة في الشريحة الأولى، فقد سمح للجهات العامة بالبناء ضمن شروط محددة، فيما كشفت أسبار الشريحة الثانية عن بعض القبور الفردية والدلائل الأثرية الأخرى التي تم توثيقها، لكنها لا تزال بحاجة لاستكمال أعمال السبر. وضمت الشريحة الثالثة مدافن جماعية تسمى مدافن عازار، وهي مهمة جداً، وكشف عن عدد منها، وتم توثيقها وحمايتها بمظلات واقية، وقسم كبير منها لم يكتشف كون المنطقة تحوي كميات كبيرة من الأنقاض، وحدثت فيها أعمال تجريف قديمة، وهناك مكب قديم مغلق للقمامة لم يتم ترحيله، ومجبل للبيتون متوقف عن العمل! وكشفت أعمال تنقيب الشريحة الرابعة عن بعض المدافن الأثرية وهي مشغولة حالياً، أما الشريحة الخامسة الواقعة غربي معبد عمريت فقد أكدت مواسم التنقيب المنفذة وجود معالم أثرية مهمة تعود إلى ما يعرف بالفترة الكلاسيكية، ويوجد فيها مبانٍ سكنية زراعية وخزان للمياه وبعض البيوت البلاستيكية والأشجار؛ وهناك مساحات زراعية يتم استثمارها من قبل بعض المزارعين، وفيها مشروع القرية السياحية، فيما ضمت الشريحة السادسة مشتل الثورة الزراعي، وبعض الأشجار والاستثمارات الزراعية؛ وتم البدء بإجراء أسبار أثرية، خلال العام 2019، على نفقة وزارة السياحة، وسيتم استكمالها خلال هذا العام، حيث تم رصد عشرة ملايين ليرة للتحري والكشف عن المنطقة المتاخمة للشاطئ لبيان إمكانية السماح بالتصرف الجزئي وفق شروط السلطات الأثرية. ويؤكد مدير دائرة آثار طرطوس أن كافة الشرائح لا تزال بحاجة لا ستكمال التحريات الأثرية، ومؤخراً وجهت المديرية العامة للآثار والمتاحف بتعديل حدود موقع عمريت الأثري لحل مشكلات الجهات الشاغلة لمساحات ضمن قرار التسجيل، ووضع الشروط والضوابط الفنية التي تضمن الحفاظ على الموقع، وتأمين حرية التصرف للجهات العامة ضمن المساحات المشغولة بعد أن تم إجراء الأسبار اللازمة. وقد وضعت مجموعات مقترحات لإيجاد حل نهائي للشاغلين غير القانونيين، وترحيل مكب النفايات القديم والأنقاض من منطقة مدافن عازار، وتنفيذ تصوينة معدنية لحماية موقع عمريت، وإنارة محيط الموقع. وقد سبق وأعدت دراسة بهذا الخصوص من قبل دائرة آثار طرطوس لم يتم الموافقة عليها كون معظم مساحة الموقع تعود ملكيته لوزارة السياحة، وجرى رصد الاعتمادات لإجراء أعمال تنقيب دائمة وتأمين احتياجات الموقع، وإعداد دراسات تأهيله واستثماره وإجراء التنقيبات البحرية خاصة مقابل مرفأ عمريت الأثري، وتشغيل عدد من العمال سنوياً للاهتمام بالنظافة، وإعداد مخطط إدارة متكامل لإظهار الموقع بما يتناسب وأهميته التاريخية والحضارية. (سيرياهوم نيوز-البعث1-6-2021)