تحقيق فادية مجد – لؤي كرم :
كلام .. وعود وعقود ومشروعات قائمة على أوراق محفوظة في مجلدات ضخمة ، أما الواقع فشيء آخر .
هذا واقع الحال في صافيتا ومعظم البلديات التابعة لمدينة صافيتا ، فالمدينة وريفها من المناطق السياحية بامتياز ، إلا أن الإهمال وانعدام الحس بالمسؤولية أفقدها بريقها …!!!
أرادت “الثورة” أن تكشف الحقيقة من خلال تسليطها الضوء على واقع الصرف الصحي في مدينة صافيتا وبعض البلديات والقرى ، القاسم المشترك بينهما كانت الاستغاثة من المخاطر المحدقة جراء تلوث طال كل شيء بسبب مياه الصرف الصحي …!!!
* قرية نسيها الزمن
أزقة ضيقة … حجارة ومخلفات الحيوانات ورائحة نتنة ، ومياه آسنة تنحدر عبر تلك الأزقة متمايلة بين البيوت في مجارير ظاهرة للعيان ، مؤذية إلى أبعد حد ممكن أن يتخيله أحدنا لعصور خلت من عصور غابرة قديمة وبائسة .. وكنا ننتقل بينها بقفزات يمنة ويسرى .. إلى أن وصلنا للشارع الذي شهد حادثتي دهس لطفلين صغيرين جراء سرعة السيارات وفقدان السيطرة عليها بسبب انزلاقها بمياه المجارير التي تصب في الشارع ، مخلفة تلوثاً وروائح كريهة ، ومنظراً مشيناً …
حجج المسؤولين بعدم تخديم قرية “ذوق بركات” بالصرف الصحي هو لعدم تخصيص أرض لتجميع مياه الصرف الصحي ومعالجتها قبل تحويلها لمياه نهر الأبرش الذي يمر في أسفل القرية ، والذي تلقى في مياهه مجارير الصرف الصحي من القرى المحيطة (سبة والعديدة) ، إضافة إلى المقاصف والمقاهي الموجودة على ضفتي النهر بحجة أن مديرية البيئة
تمنع ذلك ، وهو أمر غير صحيح .. وصورنا تؤكد ما نقوله ..
وخلال جولتنا التقينا ببعض أهالي قرية ذوق بركات ومنهم أبو غدير الذي قال : تعاني قريتنا من الإهمال الكبير ، ويبقى الأمل المتبقي لنا بإيصال صرختنا للمسؤولين لإنقاذنا والقرية من خطر المياه الملوثة ، وانتشار الأمراض والروائح النتنة ، ومعاناتنا كل صيف وشتاء يمر دون إيجاد حل جذري لموضوع الصرف الصحي في القرية ..
ويقول أبو علي : كانوا يقولون لنا لا يوجد مال مخصص لمشروع الصرف الصحي ، ثم عادوا ليقولوا لنا لا توجد أرض نقيم عليها نقطة تجميع المياه الآسنة ومعالجتها قبل تحويلها لتذهب مع مياه النهر ، وبين مديرية الزراعة والبيئة والبلدية غاب القرار .. ثم أخيراً وجدت قطعة الأرض وهي عبارة عن وقف لمديرية الأوقاف ، مع العلم أن ما يظنون أنها قبور ، لا أحد من أبناء القرية يدفن فيها ، ولا علم لنا إن كانت حقاً مقابر أم لا .. المهم أن الأرض وجدت ويبقى صدق النية بإتمام المشروع والمباشرة به لتتخلص القرية من مجاريها التي تسيل عبر أزقتها منحدرة إلى الشارع العام .
* على أرض الواقع
تجولنا في كل مشروع ادعوا أنه موجود ، أما على أرض الواقع فثبت أن معظمها غير منفذ أو موجود أصلاً ..
فمن مشروع قرية العديدة وما حولها لا يوجد محطة معالجة ، بل جور فنية مكلفة للمواطنين أثناء تفريغها وتضر بالبيئة المحيطة ، كما أنها تلوث المياه الجوفية إضافة إلى أن ما ادعوه عن وجود صرف صحي ينتهي حتما بنهر الأبرش وهذا ما وثقناه في صورنا ..
* شجرة تعيق اتمام المشروع ..!!
رئيس البلدية عبد العزيز مخيبر قال : هناك شجرة تعيق عمل الصرف الصحي في قرية حكر مخيبر وتوقف المشروع عندها .. (ياللعجب من هكذا سبب !) وكل خطوط الصرف الصحي في المنطقة تتلاقى في محطة معالجة في قرية بطارش ، وهذه المحطة أعطيت منذ عام 2010 للشركة العامة للسدود ولم تنفذها حتى الآن .
* و”اليازدية” تشكو
وبمتابعة جولتنا كان واقع الحال في بلدية اليازدية ليس بأفضل ، فمجارير اليازدية تصب أيضاً في بحيرة الباسل والتيارات المائية تنقل المياه الآسنة للضفة الأخرى والتي بدورها أصبحت ملوثة ، وهنا تكمن المشكلة لأن الثروة السمكية التي تعيش في بيئة قاذورات ومخلفات المجاري يعتمد عليها الأهالي في قوتهم اليومي وتعد مصدراً لرزقهم ..
* وصافيتا العريقة لم تنج ايضاً
أما مدينة صافيتا العريقة بتاريخها وغناها بطبيعة ساحرة فقد أصابنا الذهول والأسى لواقع الصرف الصحي المزرى فيها ، ففي حارة “حوحو” هناك صرف صحي يملأ الشارع بالمنظر المقزز والروائح الكريهة ، ورغم مناشدات الأهالي لم يحرك أحد ساكناً في بلديتها ..
وكذلك الأمر بالقرب من المركز الثقافي وحي العقبة وجانب دوار الرئيس ، فالوضع لم يكن بأحسن حال ، فالمجرور يمر في أراض زراعية كالزيتون والحمضيات ما يؤثر بشكل كبير على تلك الأراضي وما يسببه من أمراض سرطانية جراء تناول تلك الثمار … وكما العادة لا حياة لمن تنادي ..؟!
* على كورنيش صافيتا
وفي كورنيش صافيتا الجنوبي روى لنا أحد سكان الحي حادثة جرت في عام 2009 مفادها أنه نتيجة لتسريبات الصرف الصحي من القساطل لأنها ضيقة وتدفق الأمطار فيها بغزارة أدى ذلك إلى انزلاق التربة وتصدع بناء سكني ليتم على إثرها إخلاؤه من قاطنيه ..
كذلك في شارع النمر بالحارة الغربية هناك بناء أقيم على حرم خطوط الصرف الصحي وتم جرف التربة ووضع خطوط الصرف للبناء بشكل عشوائي ما أدى لفيضان الريكارات في الشارع المذكور واشتداد المعاناة على الأهالي منذ أشهر الصيف الماضي ..
* من أعطاهم رخصة البناء
فمن أعطى رخص البناء لمتعهد البناء في هذا الموقع ؟ ألم تكن البلدية لتهدم أي منزل يشاد دون رخصة سابقة ( وهذا حقها قانوناً ولا اعتراض عليها ) ولكن كيف تمنح هذا المتعهد تراخيص البناء على خط الصرف الصحي ؟!
* مع المعنيين في مجلس المدينة
مدير الشؤون الفنية في مجلس مدينة صافيتا المهندس سعد شاليش ورداً على سؤالنا عن القرى والأحياء التابعة لمجلس مدينة صافيتا والمخدَّمة بالصرف الصحي قال : هي “الكرامة، ضهر البياطرة، حنجور، مرج دياب، عامودي السويدة، رويسة المندرة، المندرة، المنزلة، بيت عمران زينة، التلعة” ، لافتاً إلى أن قرية ذوق بركات التابعة لهم غير مخدمة فقط
وحول أعطال الصرف الصحي في مدينة صافيتا التي شاهدناها خلال جولتنا ، أوضح شاليش أنه بالنسبة لشارع الخدمات الفنية فالمجرور يخدم عدداً من الأبنية في طوق صافيتا الجنوبي ، وتم توجيه إنذار لمالكي العقارات من الدائرة الصحية لمعالجة هذا العطل وتحميلهم المسؤولية القانونية ..
أما المسيلات ومياه المجاري في الأراضي الزراعية فهي من ضمن مشروع تطوير وتوثيق شبكة مجاري صافيتا ، و هو بحاجة لصيانة و هناك أماكن لايمكن الوصول لها ..!
وبخصوص الانهدام فهو نتيجة هبوط في جسم الطريق بعد إصلاحه بنحو 30 سم فتجمعت مياه الأمطار فيها ..
* “ذوق بركات” غير مخدمة
وعن قرية ذوق بركات غير المخدمة بالصرف الصحي أفاد أن مديرية البيئة رفضت أن يمد خط المجارير إلى نهر القرية ، كما أن مديرية الزراعة رفضت تخصيص قطعة أرض للمشروع ، وحالياً الأوقاف وافقت على إعطاء البلدية أرض الخربة القريبة من النهر لتحويلها إلى نقطة تجميع ومعالجة وبمساحة 3 آلاف متر مربع ، وأرسلنا لهم كتاباً باستعدادنا لشراء قطعة الأرض منهم ، وبقي تحديد سعر المتر كما ترغب الأوقاف لتتم عملية الشراء ..
* مسؤول الاستملاكات بالأوقاف
وخلال لقائنا مع المهندس حافظ أحمد مسؤول الاستملاكات في مديرية الأوقاف بطرطوس أوضح أن بلدية صافيتا لم ترسل طلباً لشراء الأرض ، وهي بصدد شراء أرض أخرى في ضهر البياطرة لعوائدها المادية وبسعر زهيد أيضاً لا يتناسب مع واقع الأرض ..
* تخديم جزئي لبعض التجمعات
من جهته عضو المكتب التنفيذي المختص بقطاع البلديات المهندس جابر حسن وإجابة على سؤالنا عن البلدان والبلديات المستقلة بمواردها والمخدمة بالصرف الصحي ، أشار إلى أن أحياء صافيتا مخدمة بنسبة ٨٥ % (غير أن الواقع لا يظهر دقة في تحديد نسبة التخديم) ، لافتاً إلى وجود بعض التجمعات المخدمة جزئياً ، والباقي من دون تخديم مثل الأحياء المحدثة حديثاً وبعض القرى نذكر منها (نشير – متبت – سنديانة أوبين – عين الكبيرة – رويسة الحايك – بونياح – الأسقف – بيت شيحة) فهي غير مخدمة حتى تاريخه .
* أسباب التأخير ..
ويرى حسن أن من أسباب التأخير الكبير في وضع محطات المعالجة في الخدمة وانقاذ بيئتنا من التلوث الذي أصابها وأخطاره الفادحة هو عدم اتخاذ الإجراءات القانونية والفورية بحق المتعهدين المتأخرين في تنفيذ تلك المحطات ، وفتح جبهات عمل كثيرة في أكثر من ١٥ موقعاً دون إنهاء عمل تلك المواقع ، وكان من الأحرى تنفيذ كل موقع والانتهاء منه ليتم من بعد ذلك الانتقال إلى موقع آخر .
وعن الحوض”الصباب” لنهر الغمقة الذي فيه مصادر مياه الشرب مثل : (عين الكبيرة ، آبار صافيتا ، آبار مجدلون البحر ، آبار أوبين ، نبع الشماميس ، الحداديات) فلم تنفذ لها مجمعات صرف صحي ولا محطات معالجة ما يهدد مصادر مياه الشرب بالتلوث .
* مديرية البيئة والإجراءات المتخذة
مدير البيئة بطرطوس الدكتور علي داود وحول الإجراءات المتخذة من قبلهم في حال حدوث أي تعد على الأنهار بمياه الصرف الصحي قال : بشكل عام إزالة ومعالجة التعديات على حرم الأنهار من اختصاص مديرية الموارد المائية ، ولكن في حال ورود شكوى الى مديرية البيئة بطرطوس بحدوث تلوث بمياه الأنهار نقوم بالكشف وأخذ عينات وتحليلها وتطبيق المعايير البيئية الخاصة بذلك وفق المواصفات القياسية السورية ، ومن ثم تتم مخاطبة الوحدات الإدارية .
وتعليقاً لكل ما مر معنا نقول :
إن الأعمال المكتبية والأوراق الثبوتية الأهم في أي بلدية أو دائرة حكومية من النزول لأرض الواقع ومعاينة الحقائق فهي نادرة أو معدومة .. وأسئلتنا عن التعديات بمياه الصرف الصحي على الأنهار وطرق معالجتها الذي توجهنا به لوزارة الموارد المائية لم يصلنا أي رد عليها !
كما أن الآبار ومياه الشرب والطبيعة تتعرض كلها للتلوث مهما حاول بعض المعنيين تغطية هذه الحقيقة ، وتهديد الحياة في هذه القرى كبير جداً ما يجعل كل الناس يفكرون بنقل سكنهم إلى المدينة للهرب من هذا الواقع الذي يشكل خطراً على صحتهم ومعيشتهم وتثبيتهم في قراهم ومناطقهم .
وأما خطة المعالجة المكانية
أما بالنسبة للخطة الوطنية للمعالجة المكانية بين الوزارات المعنية (وزارة الموارد المائية ووزارة الإدارة المحلية ووزارة البيئة)، فقد أثبتت فشلها لأن تلك الوزارات لا تتعاون والتأخير في إقامة المشروعات قائم، وإن اتفقت يأخذ كل مشروع سنوات بمعاملات ورقية وبيروقراطية مفرطة، عدا عن العراقيل التي تظهر بعد وضع الدراسة، وهذا ما أصبح واضحاً لنا من خلال الاكتفاء بقرارات بعض اللجان التي تلبي مصلحتها أولاً ومصلحة المتعهدين ثانياً الذين يبغون المرابح الكبيرة من أي مشروع دون حساب مصلحة الناس والوطن.
ولو كانت أعمالهم قيمة لما كنا لنقوم بتحقيقنا هذا أو غيره ولما كانت هناك معاناة للناس أصلاً.
سيرياهوم نيوز 6 – الثورة