| سارة سلامة
دعوة حقيقة يطلقها الفنان التشكيلي بديع جحجاح لاكتشاف أسرار الجمال والإبداع، وخلق مسارات من المعرفة بين جيل من الفنانين الرواد وجيل آخر من المعاصرين، وذلك من خلال معرض «سر الوردة» الذي يدفعنا للغوص أكثر في تفاصيل الفن السوري وكيف صاغه كل فنان بأسلوبه الخاص منهم فاتح المدرس ولؤي الكيالي ونذير نبعة وأسعد ذكاري ونعيم إسماعيل وآخرون ينتمون لمدارس فنية مختلفة من المعاصرين التشكيليين السوريين.
يحث جحجاح في معرضه هذا الذي أقامه بعد انقطاع سبعة أشهر على اكتشاف مكامن الإبداع في تاريخ الفن ومدارسه ويدعو الجيل الشاب إلى تقفي أثر هؤلاء المؤسسين ودراسة أسلوبهم وتقنياتهم ومدارسهم وأفكارهم.. والمعرض مكون من 30 لوحة و10 منحوتات من مقتنيات الصالة.
اكتشاف الجمال
وفي تصريح لـ الصحفيين بينت وزيرة الثقافة الدكتورة لبانة مشوح: «إن هذا معرض استعادي للفنان بديع جحجاح ولاشك أن فيه مقتنيات جميلة للغاية تعود لعدد من الرواد، وأجمل هذه الأسرار هو التنوع الكبير في الأساليب والمواضيع، حيث تجعلنا هذه المجموعة نخرج بفكرة واحدة وهي أن لكل لوحة سرها وجمالها وقد يرغب المتأمل في أن يبقى لساعات أمام كل لوحة يكتشف معالمها وأسرارها، ولكن ما أتمناه اليوم أن يرى شبابنا المهتمون بالفن التشكيلي والدارسون له أعمال الرواد لدراستها واكتشاف مدارسها والتبحر بالأساليب والتقنيات وأن يطوروا من أدواتهم».
وأضافت الدكتورة مشوح: إنه «لا يكفي أن نرسم من موهبتنا وحبنا للرسم وإنما يجب أن نطور فننا بالعلم والدراية وأدعو الناقدين التشكيليين إلى ممارسة دورهم في التبحر أيضاً بأسرار كل لوحة، لا أن يعطوا انطباعاتهم عنها، فالنقد الانطباعي ولّى، أن نحب هذه اللوحة أو تلك هذا لم يعد مجدياً، إنما تحميل العمل الفني سواء كان تشكيلياً أم تعبيرياً أو تمثيلياً وأدبياً مهم جداً للأجيال القادمة لتعرف أكثر وتطور من أدواتها».
السر هو الإحساس الكامل
وفي تصريح خاص لـ«الوطن» كشف الفنان التشكيلي بديع جحجاح مدير صالة ألف نون: إن «السر هو ما يقدمه الفن دائماً للمتلقي وما يتركه من أثر على الصعيد الجمالي والإنساني، هذه الأسرار اجتمعت من خلال كل فنان يعرض أو عرضت له ألف نون من الفنانين الرواد الذين هم عملياً من الأساتذة المؤسسين لحركة الفن التشكيلي السوري مع بعض أو باقة من الفنانين المعاصرين، حيث إن كلاً من هؤلاء الفنانين لديه حالة هي أقرب إلى السر الذي تجلى من خلال اللوحة».
وأضاف جحجاح: «إن مجموعة هذه الأسرار تختزل المشاعر والأحاسيس وتتلخص من خلال مجموعة أعمال فنية متفاوتة بالأحجام والمواضيع والتقنيات وتجاوب الوضع خلال هذه الفترة، حيث نجد أن بعض المعارض تقدم لوحات متشابهة على حين في معرضنا السر هو عملية الانتقالات التي تحمل إحساساً وذوقاً عالياً».
وبين جحجاح: «إننا نجد في المعرض عملاً للؤي كيالي وفاتح المدرس وجورج ماهر وزياد ذكاري وغيرهم كثر، هي أوركسترا جميلة تجمع الفن السوري وتقودها باقة منتقاة من ألف نون لتعمل توازناً، لأن من ضمن المنظومات التي تؤكدها صالة ألف نون هي منظومة الجمال والأخلاق ومنظومة الفن الذي يبقى في الذاكرة ويخلق اهتزازاً جميلاً جداً له شعور يبقى أبداً، إذاً السر هو الإحساس الكامل وراء تجارب متعددة لفنانين أسسوا للفن التشكيلي السوري متمازجة مع فنانين معاصرين، أيضاً هي بوابة لأجيال جديدة لكي ترى هؤلاء الرواد أو المعاصرين».
وأفاد جحجاح: إننا «في ألف نون لم ننجز أي نشاط منذ سبعة شهور فبعد انقطاع اختتمنا الموسم الفني بـ(سر الوردة)، وهو عتبة اتصال بين أجيال سابقة وأجيال جديدة، أحياناً ترنو لأن تفتح نوافذ لأحلامها وطموحاتها، كما أن سر الوردة مكتبة فنية فيها مجموعة تجارب وصياغات وموسيقا. وجاءت مشاركتي من خلال عمل قديم يعود إلى أيام الجامعة بالأبيض والأسود عن حارات دمشق القديمة فيها طفل بعمق الحارة مع لمسة نور موجودة على كتفه، وهذا جزء من الأسرار التي نكشفها لجمهورنا، يعني الناس تعرف الدرويش معظم الوقت ولكن كيف كان سره عام 1994».
السر في ذات الفنان
ومن جهته قال الفنان التشكيلي والناقد عمار زينب حسن: «إن سر الوردة هو سر الفن وإذا كانت اللوحة هي ثمرة ناتجة عن تجارب طويلة يمكن تثبيت هذه التجارب بالزهرة، اللوحة هي الثمرة الناضجة كنتيجة لطور تشكلات الزهرة، كما أن الفن هو قيمة بصرية تلخص المعنى الأول لغاية الروح عبر مسار الفن، كيف أتعرف إلى ذاتي بالدرجة الأولى من أنا بشكل خاص عبر مراحل تشكل الثمرة النهائية التي هي اللوحة، وكل تجربة من تجارب هؤلاء الفنانين الرواد تشكل قيمة ومعنى خاصاً في ذاته، وبالتالي وجودهم في مكان واحد يعني أن هناك الكثير من الثمار والوردات التي ينبغي أن نتعرف إليها، ومعرفة السر هي دعوة لمعرفة القيمة والفن، السر في ذات الفنان المتجسدة في اللوحة وبالتالي عندما أتلقى ذات وروح الفنان عبر اللوحة فأنا أضيف لذاتي الكثير، بالتالي الزهرة هنا قيمة مشتركة بين الفنانين المشاركين وبين محاولاتنا لرؤية ومعرفة الأسرار».
وأضاف حسن: «إن كل المشاركين قدموا زوايا خصبة من أرواحهم وقيماً مختلفة إن كان على المستوى الفني أو على مستوى الوعي الذي راكموه كنتيجة لهذه التجربة، مثلاً نذير نبعة نشاهد رؤيته لدمشق من خلال المرأة الساحرة التي ترتدي الكثير من الحلي، فبهذا العمل لا يرسم فقط المرأة بل يرسم دمشق المدينة أو الأنثى التي أحبها من خلال دمشق، فعندما يرسم الرمان والجوري يرسم طفولته والبساتين التي كان يعيش فيها، وبالتالي عندما يرسم القواقع فهو يقدم حصيلة ذاكرته عبر هذا المنتج، وعندما نرى ليلى نصير تلك المرأة التي تحمل قيمة إن كانت فنياً أو إنسانياً لا يمكن إلا التوقف عندها ومعرفة سر تفتح هذه الوردة التي قادت لهذه اللوحة، أيضاً نعيم إسماعيل كذلك الأمر، وهناك فنانون معاصرون شكل وجودهم مع هذه النخبة العالية قيمة مضافة وجعلنا نراهم برؤية متجددة، ذلك معناه أن لدينا قيمة تشكلت من خلال انعقاد هذه الوردات لتشكل ثماراً بصرية تضمنت قيماً حسية وروحية وجمالية وفنية، إذاً نحن أمام دعوة جديدة لرؤية الفن من قيمة عليا تفتح نافذة على الحياة».
سيرياهوم نيوز3 – الوطن