الدكتور مازن سليم خضور:
قيل إنه في يوم من الأيام جاء أحد الأشخاص إلى الفيلسوف اليوناني سقراط ليقول له: هل تعلم ماذا سمعت عن أحد طلابك؟.. ليقاطعه سقراط طالباً منه اختبارا يدعى “المصفاة الثلاثية” قبل أن ينقل له ما سمعه عن أحد طلابه والمصفاة الأولى كانت الصدق، قال سقراط هل أنت متأكد أن ما ستخبرني به صحيح؟
رد الرجل “لا”، قال سقراط لنجرب إذا المصفاة الثانية وهي الطيبة، هل ما ستخبرني به عن طالبي شيء طيب؟
رد الرجل أيضاً لا بل على العكس تماما.
تابع سقراط أن هناك مصفاة ثالثة، الفائدة، هل ما ستخبرني به عن طالبي يفيدني؟.
-“في الواقع لا كان رد الرجل!.. ليقول سقراط “إذا كنت ستخبرني شيئاً ليس صحيحاً ولا طيباً ولا فائدة منه، فلماذا تخبرني به من البداية؟”.
هكذا جوبهت الشائعات منذ القدم!.
هذا يقودنا إلى موضوع بالغ الأهمية قديم قدم الأزل وهو الإشاعة التي تعرف ” بأنها خبر أو مجموعة أخبار زائفة تنتشر في المجتمع بشكل سريع و تُتداول بين العامة ظناً منهم أنها صحيحة و تفتقر هذه الإشاعات عادةً إلى المصدر الموثوق الذي يحمل أدلة على صحة الأخبار، ودائماً ما تكون هذه الأخبار شيقة و مثيرة لفضول المجتمع والباحثين وبالتالي هي خبر أو قصة متداولة حقيقتها غير مؤكدة أو مشكوك فيها وقد يكون فيها جزء من الحقيقة حتى يتم تصديقها حتى أنها كانت ولازالت عاملا مهما من عوامل الحرب الإعلامية والنفسية حتى أن جنكيز خان في القرن الرابع عشر الميلادي كان يرسل ناقلي الإشاعات إلى خطوط العدو الخلفية ليبث إشاعات عن ضخامة جيشه وعتاده و بأن أعداد جيوشه كبيرة كالجراد لا يمكن إحصاؤها في الوقت الذي كانت جيوشه فعلياً دائماً أقل بكثير من جيوش أعدائه، لكن كانت هذه الإشاعات تؤتي ثمارها بما يضعف ثقة العدو بنفسه، وفي الحرب السورية تم اعتمادها من قبل التنظيمات الإرهابية في المناطق التي يدخلونها لنشر إشاعات أن الجيش العربي السوري سيدخل تلك المناطق ويرتكب المجازر مما يدفع البعض لهجر تلك المناطق، وفي تلك الأثناء تقوم التنظيمات الإرهابية بعمليات القتل والسلب والنهب واتهام الجيش العربي السوري بذلك.
العوامل النفسية والاجتماعية تساهم في نشر الإشاعة ونقلها و بحسب علم الاجتماع جميع الأفراد أو أغلبهم يمتلكون نزعة نقل الأخبار السلبية أكثر من الإيجابية، وفي دراسة أجراها عالم النفس الأسترالي ستيفان لاندوفسكي عن سبب تفشي المعلومات الكاذبة وانتشارها في غضون ثوانٍ حول العالم، استنتج أن دماغنا يستهلك طاقة أقل للتصديق عندما يكون البيان كاذباً .
هناك مجموعة من العوامل التي تساعد في انتشار الشائعة منها نوع المعلومة -الشائعة- والشريحة التي ستتعاطى مع هذه المعلومة المتداولة “فالشائعة” التي تخص الشأن المعيشي للمواطن غالبا ما تنتشر بسرعة أكبر من باقي الشائعات كونها تعنى بأمور الحياة اليومية وهذا ما نلاحظه في حياتنا اليومية كسوريين خلال فترة الحرب والأمثلة كثيرة.
كذلك نوع “الشائعة” لذلك الشخصيات العامة والمشاهير من أكثر الأشخاص التي تتناولها “الشائعات” مثال أخبار الفنانين الخاصة الزواج والطلاق وحتى الموت، “لقد كان خبر وفاتي مبالغاً فيه إلى حدٍّ كبير” هكذا علّق الكاتب الأمريكي الساخر مارك توين (1835-1910) على إشاعة موته.
كذلك الأمور المرافقة “للشائعة” مثل الصورة أو الفيديو عوامل إضافية مساعدة في انتشار “الشائعة” بالإضافة الى ثقافة المجتمع و الفترة الزمنية مثل الأزمات والحروب وذلك بسبب غياب الرقابة وعدم وجود مصادر موثوقة أو معتمدة.
كذلك الدور الكبير لوسائل التواصل الاجتماعي في نشر الشائعات بسبب انتشارها وسهولة التعاطي معها و تلقيها، وسرعة انتشار ما يتم نشره على هذه الوسائل كونه مفتوحا للجميع ولا يحكمه قانون حقوق النشر أو أي رادع قانوني لناحية نقل المعلومة قبل التأكد منها وعدم ارتباطها بأي ضابط قد يعيق وسيلة إعلامية تقليدية لناحية انتظار مصدر أو بينة متعارف عليها بالإضافة إلى الأدبيات الصحفية التي تضبط وسائل الإعلام على عكس وسائل التواصل الاجتماعي.
وتزدهر الإشاعة خلال الكوارث والحروب بسبب ازدياد قلق الأفراد من جهة وشح والمعلومات وتضاربها من جهة أخرى و في هذه الحالات تكون لوسائل الاتصالات ومواقع التواصل القدرة على النشر السريع لمعلومات وأخبار غير دقيقة ومضللة.
حاول العالم الألماني ويلهيلم ستيرن، تصميم اختبار يهدف إلى “تشريح” سيكولوجية الإشاعة عام 1902فوضع مجموعة من المتطوعين بشكل متتال وكان على كل متطوع أن يروي قصة للشخص التالي وهكذا حتى تصل إلى آخر شخص، فلاحظ ستيرن تغيير التفاصيل لاسيما كلما ابتعدنا عن المصدر الأول وكانت هذه التجربة مع بدايات القرن المنصرم فكيف أصبحت الآن مع التطور الكبير والخطير لوسائل الاتصال ووسائل التواصل الاجتماعي حيث تنشر المعلومة ويتم انتقالها عبر الملايين وذلك خلال لحظات فقط
كل هذا لا يعني أن الشخص لا يمكن له من التأكد من بعض الأخبار من خلال عملية بحث بسيطة سواء عن طريق المصادر الموثوقة أو عبر وضع الصور أو الفيديوهات في أي محرك بحث وتظهر النتيجة ويتم وضع معلومات هذه الصور سواء من حيث مكان النشر وتاريخ النشر، مثال العديد من الصور بثت على أنها من سورية خلال الحرب وبعملية بحث بسيطة تبين أنها في اليمن أو البحرين وبعضها عمرها عشرات السنين.
وهذه عينة للأخبار التي تم نفيها بشكل رسمي وعلى وسائل إعلامية مختلفة خلال مدة لا تتجاوز شهرا وكانت متداولة على صفحات التواصل الاجتماعي:
نفى مدير المدينة الجامعية في جامعة البعث “أسامة إبراهيم ” المعلومات المتداولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي حول وجود طالبة مختنقة أو منتحرة في غرفتها في السكن الجامعي.
نفى مدير مديرية الخزينة في مصرف سورية المركزي إياد بلال الشائعات المتداولة بخصوص إصدار ورقة نقدية جديدة من فئة 10000 ليرة.
صرح مدير المكتب المركزي للإحصاء د.عدنان حميدان بأن عدد سكان سورية وفقاً للإحصائية الأخيرة التي أجريت عام 2021 هو 22مليوناً و922 ألفاً و999 نسمة أي قرابة 23 مليون نسمة، وذلك بحسب آخر كتاب إحصائي سنوي صدر منذ حوالي الشهرين، وهي تشمل جميع السكان الموجودين في المحافظات السورية ونفى الأرقام المتداولة معتبراً أنها “مبالغ بها” والتي تحدثت عن 28 مليون نسمة.
نفى المحامي العام الأول في دمشق محمد أديب مهايني ما أثير على بعض صفحات التواصل الاجتماعي حول تبرئة زوج آيات الرفاعي، مؤكداً أن القضية مازالت قيد النظر في محكمة الجنايات الأولى ولم يصدر فيها أي حكم حتى الآن.
نفى مدير تربية السويداء بسام أبو محمود نفياً قاطعاً ما تناقلته بعض صفحات التواصل الاجتماعي عن تفتيش الفتيات قبل الدخول إلى امتحان مادة الرياضيات في مركز الشهيد نايف جربوع موضحاً أن الأمر يقتصر على التنبيه والتأكيد على عدم إدخال الجوالات إلى قاعة الامتحان .
للإعلام دور مهم في التصدي للمعلومات المغلوطة لكن بالبداية عليه أولا أن يمتلك مصداقية بالنسبة للمتابعة بحيث يصبح مصدرا موثوقا للمعلومة و من المهم ان يتضمن برامج مختصة تتابع مثل هكذا أخبار و تسعى لإظهار الحقيقة.
هناك قاعدة مهمة في علم الاجتماع تقول: تعديل السلوك أصعب بكثير من اكتسابه وبالتالي كلما تفاعل الإعلام بطرح مثل هكذا مواضيع كلما كان له دور في أن يكون مؤثرا ومؤثرا جدا في هذه المواضيع.
القانون له دور كبير جداً أيضا في وضع حد لهذه الظاهرة من خلال القوانين والتشريعات ودوره وقائي وعلاجي ، وقائي من خلال ردع المواطنين من تبادل مثل هكذا أخبار دون التأكد من مصادرها من جهة وعلاجي في التعامل القانوني مع مروجي تلك الأخبار.. وما كان قانون الجرائم الإلكترونية الذي صدر مؤخرا في جزء منه إلا لذلك وهدف القانون رقم 20 لعام 2022، إلى مكافحة الجريمة المعلوماتية بما يتوافق مع التطور التقني الحاصل وارتفاع نسبة انتشارها في المجتمع، وحماية للمصالح القانونية وتنظيم الحريات في العالم الافتراضي والحد من إساءة استعمال الوسائل التقنية.
سيرياهوم نيوز 6 – الثورة