وسام كنعان
في الوقت الذي يخسر فيه معركة الرأي العام، يمعن العدوّ في التنكيل بالصحافيين سواءً عبر الاستهداف المباشر أو محاولات الترهيب. أحدث فصول هذا المسلسل الرديء تمثّلت في الاعتداء على مراسلة «الميادين» في القدس المحتلّة
ad
في حربها الدائرة على قطاع غزّة، تستنفر إسرائيل على الجبهات كافة، خصوصاً على المستوى الإعلامي وتشكيل الرأي العام. إنّها المرّة الأولى التي يواجه فيها العدوّ مقاومة بهذا الحجم، ليس فقط على الأرض بل على صعيد الميديا، تزامناً مع تظاهرات حاشدة حول العالم مندّدةً بمجازره بحقّ المدنيين ومطالبةً بمناصرة الفلسطينيين ومساندتهم. الجهود الحثيثة واللافتة المبذولة على مواقع التواصل الاجتماعي، ماضية في تعرية السرديات الإسرائيلية الكاذبة (كلّنا يذكر مثلاً القصّة المزعومة عن قطع رؤوس الأطفال على يد المقاومين الفلسطينيين) ومحاولات الإعلام الغربي المتواطئ معها المستمرّة من أجل تلميع جرائمها وصورتها الدموية وتضليل الجمهور العالمي.
هذا ما يفسّر استماتة الصهاينة لإسكات الإعلاميين والناشطين البارزين على السوشال ميديا، وهذا ما يتجسّد في إمعانهم في استهداف الصحافيين في غزّة الذين وصل عدد الشهداء في صفوفهم حتى كتابة هذه السطور إلى 49.
وأخيراً، قرّر صحافيون من الكيان الغاصب تصيّد الصحافيين الفلسطينيين العاملين لحساب قنوات تدعم خطّ المقاومة. الهدف هذه المرّة كان مراسلة تلفزيون «الميادين»، هناء محاميد، التي فصّلت ما واجهته في شهادة مصوّرة انتشرت على نطاق واسع. وفي حديث مقتضب معنا، أكّدت أنّها تعرّضت لهجوم من صحافيين إسرائيليين، «شعرت أثناءه بخطر حقيقي على سلامتي وحياتي». جرى ذلك بعد خداعها عبر اتصال تلقته من شخص ادّعى أنه يعمل في البريد، وأنّ هناك مظروفاً بريدياً لم يتمكّن من إيصاله إلى عنوانها بسبب الظروف، وأنّ عليها استلامه في فرع تابع للبريد في كفر سابا. وعندما ذهبت الصحافية المشهود لها بمهنيتها وجرأتها من أجل استلام المظروف، طوّقتها مجموعة أشخاص من بينهم أربعة يحملون كاميرات، وبدأوا بإزعاجها ومحاولة إرغامها على اتهام «حماس» وقول ما يخالف قناعاتها ومهنيتها، بعد مضايقات تعرّضت لها من صحافيّ قال إنّه يعمل لحساب القناة 12 الإسرائيلية، واسمه حاييم إتغار. توجّه الأخير إلى ابنة أمّ الفحم باتهامات «بنشر الأكاذيب مع قناتها ودعم الإرهاب». وبعد فشل هؤلاء في الحصول على تفاعل أو إجابة، تبعوا محاميد نحو سيّارتها لينضمّ إليهم آخرون بدأوا بمهاجمتها لفظياً والتحريض العنصري عليها، رغم أنّها كانت تحاول قدر الإمكان الابتعاد عن المكان وتذكير مَن ادعوا أنّهم صحافيون بأنّها لا تُجري لقاء ومن حقها المغادرة وعدم الإجابة لكن من دون فائدة.
استمرّ الوضع على هذه الحال مدة طويلة بأسلوب يهدّد سلامة الصحافية الفلسطينية إلى أن قررت «الاتصال بخط الطوارئ التابع للشرطة»، والتعريف بهويتها وموقعها، و«الإبلاغ عن تعرّضي للتهديد من جانب مجموعة صحافيين في الشارع العام… وفتحت مكبّر الصوت أمام المعتدين».
هنا لم يكن أمام هؤلاء سوى التراجع لو خطوة قليلاً، خصوصاً أنّ محاميد كانت تصوّر بكاميرا هاتفها ما يحدث. وبمجرد محاولتها ركوب سيّارتها عادت المضايقات، إلى أن تمكّنت أخيراً من الابتعاد من دون أن يستطيع أحد من المعتدين العاملين في مؤسّسات «صحافة الجلّاد» انتزاع لو جملة واحدة تخالف قناعات هناء وميثاقها المهني. علماً أنّها سارعت إلى نشر تفاصيل ما حدث معها ليكون بمنزلة «شهادة حيّة عن خطورة ما نتعرّض له في حياتنا اليوم، لكوننا ببساطة نرفض غسل الأدمغة، ولأنّنا ننتمي إلى الشعب الفلسطيني». وكشفت محاميد أيضاً عن الفيديو الذي يوثّق ما حدث.
تجدر الإشارة إلى أنّها ليست المرّة الأولى التي تتعرّض لها هناء محاميد لاعتداء إسرائيلي. في عام 2015، أصيبت في وجهها جرّاء قنبلة صوتية أطلقها الاحتلال الصهيوني عليها أثناء تغطيتها اقتحام هذه البلدة المذكورة ومنزل الشهيد الشاب فادي علوان، الذي كان قدّ نفّذ يومها عملية طعن مستوطنين في القدس المحتلة قبل أن يستشهد بنيران العدو. يومها، عولجت هناء في المستشفى ولم تستسلم لأوجاعها، إذ قرّرت الخروج برسالة مباشرة وهي مضمدة الوجه، واضعةً هذا الاعتداء ضمن «الاستهداف المباشر للطواقم الإعلامية في القدس، وترهيب المقدسيين».
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية