الرئيسية » يومياً ... 100% » صديقي.. الذي كان!!

صديقي.. الذي كان!!

| د. بسام الخالد

التقيته بعد غياب.. كان ذلك قبل الأزمة السورية بسنة واحدة.. دعاني إلى مكتبه الفخم في العاصمة.. سألني عن أحوالي وأوضاع زملاء الجامعة الذين عشنا معهم فترة طويلة قبل سفره المفاجئ بذريعة إكمال الدراسة خارج القطر .
سألته عن أوضاعه وأحواله، التي لا شك أنها ممتازة، من خلال ما رأيت من مظاهر الثراء والبذخ وفخامة المكتب والفرش والديكور وأناقة موظفي شركته الكُثُر الذين لا يفتؤون يراجعون (الدكتور) بشؤون العمل الذي لم أفهم منه شيئاً، حين دخولي إلى المبنى الفخم، لكن ما إن انقضت نصف ساعة حتى فهمت طبيعة عمل زميلي القديم!!
رن جرس الموبايل.. كان المتحدث شخصاً من وراء البحار وسمعت زميلي يقول له: “يا أخي ما في مشكلة.. إشحن الباخرة وتصرف.. واقبض حصتنا من الأرباح”!
ثوانٍ ورده اتصال آخر.. كان الصوت مسموعاً.. تم تحويل الباخرة إلى وجهتها الجديدة وستصل بعد أيام.. وبعد أن أنهى حديثه شربنا قهوتنا على عجل واصطحبني في جولة إلى ضواحي العاصمة، معتذراً، لأنه لم يتمكن من الحديث معي بأريحيّة في جو المكتب وزحمة العمل.
في الطريق حدثني عن رحلة “كفاحه ونضاله” في أوروبا بعد أن أنهى دراسته، وكيف أسس شركة صغيرة مع أحد مسؤولي ذلك البلد، قبل الانهيار المعروف لدول المنظومة الاشتراكية، وكيف آلت الشركة إليه بعد مقتل شريكه في الأحداث التي دارت هناك، ولأنه يتسم( بالوفاء) فقد نقل أعمال الشركة إلى الوطن لتكون غطاء لصفقاته (الوطنية) المشبوهة وأبقى على الاسم وفاءً منه لشريكه!
تحدث لي عن الصفقات التي أجراها بعد ذلك.. وكيف أن الصفقة تجر الصفقة والمال يجر المال كما يجر “القمل الصئبان” !
وقبل أن أفيق من دهشتي قال: انظر إلى يمينك.. أترى وكالة السيارات الفخمة تلك.. انظر ما أضخمها.. أترى الثانية ؟.. وقبل أن أجيب.. قال: هذه الوكالة لي.. لم أعلّق.. بل لم يعطني فرصة للتعليق.. فقد أردف: انظر إلى هذه الأرض.. إنها تحتل واجهة ثلاثة كيلومترات على الطريق الدولية.. وستشاد عليها مجموعة من المصانع والمنشآت الحيوية.. انظر.. تلفت.. إلى اليمين.. أترى هذا المعمل ؟! ..إنظر إلى اليسار.. هل تشاهد هذه المنشأة الحديثة التي تراعي ظروف البيئة.. إلى الأسفل.. هل أعجبتك هذه الأراضي الزراعية؟.. كل ما شاهدته هو لي!
عندما كنا طلاباً كان زميلي هذا يستدين مني ثمن وجبة في مطعم المدينة الجامعية، وكان دائماً يستعير قميصاً من قمصاني ويعيده ممزقاً.. تماما كما تركني ممزقاً بعد هذا اللقاء بين ما أنا عليه، وبين أحلام الثراء، التي لا أجيد مفاتيحها كما يجيدها هذا الصديق.. الذي كان!
لقد كان بعد تخرجه المتعثّر يطرق أبواب المسؤولين وأصحاب الشأن بحثاً عن عمل، ودائماً كانت تغلق في وجهه الأبواب، واليوم تُفتح له ذات الأبواب على مصاريعها.. وبات أولئك الذين كان يطرق أبوابهم هم من ينتظرون في مكاتب سكرتيراته، وعلى الغالب ينتقي من سيسمح لهم بالدخول!
أفقت من شرودي وتساءلت في سري: هل يستطيع إنسان سوي، خلال هذه الأعوام القصيرة، أن يصبح مليارديراً ويمتلك كل هذه المنشآت والممتلكات والوكالات والأراضي والشركات؟!
بعد عودتنا من الجولة ودعني صديقي القديم نحو الباب الخارجي للشركة حيث كانت سيارة فارهة مع سائقها بانتظاري.. صافحني قائلاً: إلى لقاء قريب.
علمت فيما بعد أن معظم زملاء دراسته قد مروا بتجربتي، فقد دعاهم إلى إمبراطورتيه هذه ليشبع عقدة النقص القديمة لديه عندما كان طالباً فاشلاً، وبفضل مهاراته “المافياوية” استطاع الوصول إلى ما هو عليه.
بعد بدء الأزمة بقليل، تحركت قرون استشعاره، فباع ما تيسر له من أملاك وعقارات بصورة عاجلة، وبّدل بعضها بعقارات ثابتة في أماكن مرموقة وحوّل أرصدته إلى أوروبا وصار “مناضلا” يقرأ تاريخ “غيفارا” ويتغنى بـكفاح “مانديلا” ويستشهد بنظريات “ماركس”!
بعد سفره المفاجيء بفترة وجيزة دعاني مجدداً لزيارته، لكن هذه الدعوة افتراضية، فقد وردت عبر “الفيسبوك” وأرفق دعوته بكمّ كبير من صور “نضاله الثوري” في بلاد الاغتراب .. لا أخفيكم.. لقد فكرت بالهجرة إليه.. لكنني خشيتُ الغرق!!
(موقع سيرياهوم نيوز)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

قرارات الحكومة أوصلتنا للوضع الأصعب!!

    علي عبود   لن يفهم، ولن يستوعب ملايين السوريين، ماذا قصد رئيس الحكومة في خطابه أمام مجلس الشعب عن إنجازات الحكومة بقوله: لولا ...