| لقمان عبد الله
تزوّدت مدينة عدن، خلال الأسابيع الماضية، بالوقود التجاري من مدينة المخا الساحلية غرب اليمن، فيما استوردت محطات الكهرباء وقوداً من مدينة المكلا، عاصمة حضرموت. ويعيد هذا الواقع تسليط الضوء على الأضرار التي تعانيها المدينة نتيجة تعطيل مينائها، وهو أحد أهم الموانئ في العالم، بإرادة إماراتية، جراء تخوّف أبو ظبي من منافسته ميناء جبل علي
في ظاهر الأمر، يأتي انحسار الدور الملاحي لميناء عدن، نتيجة قرار الحكومة المعترف بها دولياً، رفع قيمة الدولار الجمركي بداية العام الحالي، ورفضها التراجع عن القرار، على رغم تحذيرات الاقتصاديين والتجار من الانعكاسات السلبية لذلك على حركة التجارة في الميناء، وارتفاع الأسعار في مناطق ما تسمى «الشرعية»، وخاصة بعد منع حكومة الإنقاذ في صنعاء دخول الشاحنات القادمة من عدن إلى مناطق سيطرتها. لكن تجدر الإشارة هنا إلى أنه في السنوات الأولى للحرب على اليمن، تعرّض ميناء عدن للتعطيل المتعمّد من قبل قوى الأمر الواقع القريبة من الإمارات، حتى إن معدّاته تعرّضت للصدأ والتلف بسبب الإهمال والترك من دون صيانة. وفي إطار مساعيها لاستعادة زمام المبادرة في جنوب اليمن، وتحت ضغط أغلب القوى المشكّلة لما تسمى «الشرعية»، عمدت السعودية إلى تقليص الطموح الإماراتي بتعطيل ميناء عدن، إذ زوّدت الميناء المذكور بالعديد من الرافعات، فضلاً عن صيانة المعدّات الأخرى، حيث سجّل الميناء عام 2019 حركة هي الأكبر في تاريخه على الإطلاق، وذلك قبل أن ينحدر إلى أدنى المستويات في العام الحالي.
وطوال السنوات الماضية، أُلزم المستوردون من التجار بإدخال بضائعهم عبر المنافذ الخاضعة لسيطرة “التحالف” والحكومة التابعة له، واضطرّوا إلى دفع كل الجبايات والأموال التي تطلبها تلك الحكومة وفصائلها المسلحة. وما إن تم فتح ميناء الحديدة العام الماضي، حتى اتّجه التجار إلى الاستيراد عبره، بسبب التسهيلات التي منحتهم إياها حكومة صنعاء وعدم وجود عصابات وميليشيات مسلحة كما في الجنوب تتبع أطرافاً متعدّدة، كل منها يفرض الجبايات على التجار وعلى ناقلات بضائعهم.
الرياض سلكت في الآونة الأخيرة مساراً مشابهاً لمسار أبو ظبي ونجحت في وضع موطئ قدم على بحر العرب
ومنذ عام 2018، باشرت الإمارات إعادة توجيه استراتيجيتها من خلال تغليب مصالحها على مصالح حلفائها. وتمثّلت أهدافها الرئيسيّة في السيطرة على سواحل اليمن وممرّات الشحن، وتطبيق استراتيجية «سلسلة الموانئ»، لكن هذه الخطوات أوقدت جذوة الخصومة بين الرياض وأبو ظبي لأنها أماطت اللثام عن تباين مصالحهما في اليمن. فقد أحكمت الإمارات قبضتها على موانئ جنوبية أساسية والمناطق المحيطة بها. وفعلت ذلك في محافظات عدن وحضرموت وشبوة وتعز (ميناء المخا)، إضافة إلى أرخبيل سقطرى وجزيرة ميون (المعروفة أيضاً باسم جزيرة بريم) في مضيق باب المندب. في المقابل، نجحت ما تسمى «الشرعية» في توجيه العديد من الضربات إلى الاستراتيجية الإماراتية، إذ ألغت حكومة عبد ربه منصور هادي السابقة المشروع المشترك لإدارة ميناء عدن بعد إطاحة الرئيس السابق علي عبد الله صالح عام 2012. كما ألغت حكومة جيبوتي الاتفاقية التي خوّلت بموجبها الإمارات السيطرة على محطة حاويات دوراليه. ووفق ذلك، توقفت شركة «موانئ دبي العالمية» عن العمل في الميناء المذكور في عام 2018. وتعتبر الإمارات أن ميناء جبل علي في دبي هو المركز اللوجستي والتجاري الأساسي الذي يربط بين أفريقيا وآسيا. لذا، وفي وجه المنافسة الصينية والسعودية المتزايدة على موانئ القرن الأفريقي، اختارت أبو ظبي التركيز أكثر على اليمن، حيث كانت المنافسة الدولية أقل. أما الاستراتيجية البحرية السعودية، فتركّز بشكل أساسي على ساحل البحر الأحمر. ويُعدّ تأمين هذا الممر البحري ضرورياً كي تتمكّن السعودية من تحقيق طموحها الأوسع المتمثّل في ترسيخ مكانتها كمركز عالمي للسياحة والخدمات اللوجستية في البحر الأحمر. غير أن الرياض سلكت في الآونة الأخيرة مساراً مشابهاً لمسار أبو ظبي، وبدأت تنتهج استراتيجية خارج البحر الأحمر، ونجحت في وضع موطئ قدم على بحر العرب من خلال إحكام سيطرتها على ميناء نشطون في محافظة المهرة الواقعة على الحدود مع عُمان، وخصوصاً مشروعها السياحي الضخم في مدينة ميون الذي يندرج ضمن إطار «رؤية 2030». وفي هذا السياق، جاءت زيارة رئيس «المجلس الرئاسي»، رشاد العليمي، الموالي للرياض، إلى المهرة قبل أيام، وذلك في إطار تعزيز السيطرة السعودية على الموانئ المطلّة على بحر العرب، حيث تعمل المملكة على مدّ أنبوب لتصدير النفط، يمكّنها من تجاوز مضيق هرمز.
سيرياهوم نيوز3 – الأخبار