م.حسان نديم حسن
الحرب بين إيران وإسرائيل رغم المسافات الشاسعة التي تفصل بين الجغرافيتين ورغم غياب أي تماس حدودي مباشر هي حرب لا تنبع من رغبة حقيقية في النصر بقدر ما تكشف عن عجز متبادل عن إنتاج نهاية.
إنها واحدة من أبرز تجليات “الصراع عن بعد” حيث لا تسقط القذائف على خط تماس بل تطلق عبر فراغ جغرافي يمتلئ بكثافة رمزية واستراتيجية هائلة.
كل ضربة تطلق في هذا الصراع لا تقاس بنتيجتها العسكرية المباشرة بل بما تحدثه من صدى سياسي ونفسي.
ليست فعلاً هجومياً خالصاً بقدر ما هي محاولة متكررة لإثبات الوجود والفاعلية في مشهد تآكلت فيه المعايير الكلاسيكية للقوة.
وكل رد لا يهدف إلى الدفاع عن الأرض بالمفهوم العسكري البحت بل إلى حماية صورة الدولة ومعناها أمام الذات والعدو والعالم.
تلك هي المفارقة المريرة في الحروب الحديثة : أن تتحول من أدوات لحسم النزاع إلى وسائل لتكريسه ومن ساحات مواجهة واقعية إلى مرايا عاكسة لهشاشة النظام الدولي لا لصلابته.
فعندما تصبح كل ضربة محسوبة بدقة وكل تصعيد مشروط بسقف سياسي وكل خسارة مقبولة ضمن هامش مقصود فإننا لا نعيش حرباً ناضجة بل نعاين إدارة ممنهجة لانحدار استراتيجي طويل الأمد.
وفي مثل هذا النمط من الصراعات لا تتآكل السيادة حين تخترق الحدود بل حين تفقد الدولة إرادتها لحماية القرار الحر من وهم الظهور القوي.
وتنهار الهيبة لا حين تهزم عسكرياً بل حين تجبر على إطلاق النار كي لا تبدو ضعيفة أو على الصمت كي لا تغرق نفسها في المجهول.
إن هذا الشكل من الحروب الذي يدار دون حدود مشتركة يعيد رسم مفهوم الأمن لا كوظيفة دفاعية بل كأداء سياسي ملزم بالتظاهر بالثبات وسط الفراغ.
في هذا السياق لا يمكن الحديث عن أمن ولا حتى عن توازن بل عن وضع يتقاطع فيه فائض القوة مع فراغ الرؤية والاستعراض مع غياب الإستراتيجية.
ولعل السؤال الأخطر لم يعد: “من يملك اليد العليا؟”
بل:
“كم من الوقت يمكن لتلك اليد أن تبقى مرفوعة قبل أن تسقط على رأس من يرفعها؟”
(اخبار سوريا الوطن 2-الكاتب)