د. بسام الخالد
في العرف الطبي تُصنّفُ صرخة المولود الجديد دليل صحة لإعلان الحياة، وفي العرف العسكري ثمة صرختان: الأولى لإرهاب العدو وتحقيق عنصر المفاجأة، والثانية هي صرخة النصر، وفي كلتا الحالتين يبدو أن للصرخة ما يبررها من فعل حياتي مطلوب وسلوك اجتماعي عرفه البشر منذ تبلور نظرية العقد الاجتماعي.
إن صرخة القتال عند الجندي الروماني هي شكل من أشكال الحرب النفسية وهي تزيد من فرص النصر وتضعف الروح المعنوية للعدو، وإذا ترافقت الصرخة مع الرصاصة فإنهما معاً تؤديان إلى زيادة التأثير المادي على العدو وإضعاف إرادة المقاومة لديه.
الصرخة لها ما يبررها، بشكل إيجابي، عندما تنفجر في وجه إنسان يبطن عكس ما يظهر ويقول غير ما يفعل.. وهو ما نسمّيه بلغة العصر “الخفاش”.. أو ما يسميه العامة “حيّة التبن” ! هذه الحية تضيف إلى فعل الإيذاء، المتأصل فيها، فعلاً جديداً هو التخفّي لأنها تخشى المواجهة وبالتالي فهي تعضّ وتتخفى لتبحث عن فريسة أخرى.. وهكذا دواليك!
قد تتماسك الفريسة أحياناً وتتألم بصمت من دون أن تظهر ألمها، ولكن عندما تعاود الحية بث سُمها من جديد ظانّة أن الفريسة لم تتأثر، عندها يتغلب الألم على قدرة التحمّل وقد تصرخ الضحية وتبحث عن الأفعى لمواجهتها وقطع رأسها..!
في هذه الحالة يكون الصراخ فعلاً لا إرادياً أفرزته طبيعة النفس البشرية التي فُطرت على هذه الشاكلة، وإذا كان العكس صحيحاً يغدو الإنسان خارقاً، وهذا خارج عن التصنيف الطبيعي للبشر، وهنا نتساءل: هل يقبل الإنسان أن يتم تخديره ليُحقَنَ بعدها بالسم، ونقول إنه يداري الألم؟!
مما تقدم نستنتج أن الصرخة مطلوبة في وجه كل عدو.. في وجه كل مخاتل، فرداً كان أو جماعة، وما أكثر هؤلاء الذين يدّعون البراءة ولا يتفاعلون إلا في الظلام، فتراهم يمارسون أفعالهم المخرِّبة في الخفاء ويتحاشون المواجهة، هؤلاء يغدو الصراخ في وجوههم أمراً واجباً ومحتماً!
عندما تواجه عدوك.. تعرف إنه عدو.. فهو ظاهر يقف أمامك ويناصبك العداء، أما عندما تأتيك الطعنة ممّن تظن أنه صديق، فهنا الطامة الكبرى التي تفسر القول المأثور: “احذر عدوك مرة.. واحذر صديقك ألف مرة” !
هذه الحال تنطبق على واقعنا السياسي والاجتماعي وتندرج على علاقاتنا الفردية والمجتمعية، على السواء، في عالم بات يفور بالمتناقضات وانعدام القيَم !
لنتحدث في النور بحرية مسؤولة.. نعلن آراءنا ونوضح مواقفنا.. نقبل ونرفض.. ننتقد ونقوّم..نصلح ونبني.. نشير إلى مواطن الخلل بصراحة ونشير إلى الفاسدين والمفسدين، ونبقي أعمدة الوطن عامرة ومداميكه شامخة، فإن ضاع الوطن ضاعت البوصلة وعمّت الفوضى وصار الكل في مهب الريح.
دعونا ننسى الألم.. لكن يجب ألاّ ننسى صرختنا المجلجلة في وجوه كل خفافيش الظلام!
(خاص لموقع سيرياهوم نيوز)