نبيه البرجي
لن يقف أحد مع المقاومة. لا المسلمون، ولم يبق هناك مسلمون (ومتى كان هناك مسلمون؟)، ولا العرب، ولم يبق هناك عرب (ومتى كان هناك عرب؟). سنكون في الخنادق أو في القبور بمفردنا. حتى أن هناك قوى سياسية تنتظر أن تكون الضربة الضربة القاضية. رئيس أحد الأحزاب توقع أن تكون “ضربة على الرأس”.
من موقع الضنين على المقاومة وعلى سيد المقاومة، وعلى كل نقطة دم تذهب هباء، نسأل “اسناد ماذا، وقد زالت غزة من الوجود، وبقيت الضفة غافية على كتف محمود عباس كمثال للتعفن السياسي والثوري، لولا بعض الأبطال الفرادى الذين يشيّعهم الآلاف، ثم يعود هؤلاء الآلاف الى بيوتهم لاحتساء الشاي على وقع أنغام محمد رمضان و”سعدنات” محمد رمضان.
أولئك القادة الذين لم يتركوا أثراً للقضية التي عادت الى الحياة، دولياً لا عربياً ولا اسلامياً، من تحت الركام. الايرانيون قالوا انهم ضد توسيع الحرب. ما معنى الحرب اذا بقيت في اطار قواعد الاشتباك. خراب مقابل الخراب ودون أفق ، لا بل علينا أن ننظر مليّاً الى اتفاق بكين بين الفصائل الأربعة عشر (ما شاء الله!). القضية كانت بحاجة الى رجل بمواصفات الفيتنامي هوشي منه العاري القدمين، لا الى ياسر عرفات الذي حين خرج من لبنان حمل معه 14 مليار دولار كانت مودعة في أحد المصارف، ربما لينتقل المال الى زوجته بالسهرات المخملية في فندق الريتز الباريسي الفاخر.
الكل ينتظر ما تقوله أميركا وما تفعله أميركا، التي بيدها مفاتيح الأزمة ومفاتيح التسوية (وفق الرؤية “الاسرائيلية”). وحدها المقاومة في لبنان التي جعلت جيفري فيلتمان يستغرب بشعور الصدمة، كيف تمكن أولئك الرجال من قهر القوة التي لا تقهر، وقد شاهدنا الميركافا وهي تبكي في وادي الحجير، ليصرخ أحد الضباط في بنت جبيل “لقد تركونا نقاتل الأشباح”.
أميركا هي المايسترو ـ بالمطرقة العسكرية أم بالمطرقة الديبلوماسية ـ للمسلمين الذين لا وجود لهم ولا دور لهم على خارطة العالم، ولا للعرب الذين تبهرهم في لبنان أرداف هيفاء وهبي وساقا مايا دياب، اضافة الى أصوات بعض صعاليك الغناء الذين يتراقصون على الخشبة، مثلما تتراقص القردة (أو السعادين) تحت الأضواء الكاسحة، دون أن يعني ذلك عدم وجود بعض القامات الرائعة.
أجل المقاومة وحدها، كل الخناجر موجهة الى ظهرها والى صدرها، ان من القريب أو من البعيد لكي تبقى الدولة القهرمانة لا دولة الدور، لا دولة الحياة.
كل ذلك العالم بالأوداج المنتفخة وبالقبعات العالية، لم يستطع ولا يستطيع أن يحد من الجنون “الاسرائيلي” الذي قد يصل يوماً ما الى الجنون النووي، اذا لم نجثو أمام قبر راحيل، واذا لم نضع نجمة داود على جباهنا، ليظهر “الحاخامات” بأنياب الكلاب المسعورة وبأفكار الكلاب المسعورة، في مدن العرب وفي قصور العرب.
كلنا ننتظر الضربة، لكأنها ضربة القضاء والقدر. حتى أن آموس هوكشتاين الذي وعدنا بالجنة (باعتبار أنه حتى أبواب الجنة باتت بيد الأمبراطور الأميركي) اذا عقدنا اتفاق الحدود كمدخل الى الحدود المفتوحة (هكذا يعتقد، وهكذا يراهن), نقل الينا الانذار بالضربة الآتية، ودون أن ننتظر من البطة العرجاء في البيت الأبيض أكثر من أن تطرب لعواء الذئاب.
العامل الأخلاقي والعامل القومي وحتى العامل الانساني وراء تفجير الخط الأزرق، علَّ المرؤة الاسلامية أو المرؤة العربية تنفض عن عباءاتها، الصدأ الذي تراكم عبر كل تلك القرون الميتة. لم يحدث شيء من ذلك. لا صوت ارتفع، ولا رصاصة أطلقت، كدليل على أن الغيبوبة أبدية لا آنية وفرضتها تقلبات الدهر.
لا شك اننا عشنا الصدمة الكبرى على مدى الأشهر العشرة المنصرمة. عزاؤنا كان في كسر رجال غزة الغطرسة “الاسرائيلية”، وقد بدونا كلبنانيين وكعرب مبعثرين على مائدة الأمم، لتبقى مهرجاناتنا عامرة، ومن ساحة البرج في بيروت الى ملاهي منتصف الليل في الدار البيضاء، مروراً بشارع الهرم في الفسطاط.
واثقون من عدم الوقوع في الفخ الكبير ـ الفخ التوراتي ـ لنقول للمقاومة ولأهل المقاومة، هذه لحظة العقل، وكنتم دوماً دعاة العقل، دون أن تأمنوا لمن يخدعون بقرع الطبول، وهم يقرعون الطناجر تخليداً للأرواح التي ذهبت، وحفاظاً على الأرواح التي بقيت، لأن بقاء المقاومة بقاء لبنان، ولنعد النظر في رهاناتنا بعدما تبين أن ضربات الأهل أشد ايلاماً من ضربات البرابرة…
(سيرياهوم نيوز 1-الديار)