بقلم د. حسن أحمد حسن
عبثيةٌ صرخاتُنا… فلا الآه ولا الشكوى ولا العتاب يصل مسامع من في آذانهم وَقْرٌ إلا عن التسبيح لعِجْلِ السامرائي، وخوار ثيران الذهب المغشوش “الفالصو” يعلو أكثر فأكثر كلما اشتدت غزارة الدم الغزاوي المسفوح في مذبح الوَأُدِ الأحدث، وقد سُجّلَتْ براءة اختراعه للجاهلية الجديدة، حيث المؤودة ليست الأنثى الوليدة فحسب، بل إنسانية الإنسان بكل قيمها وأعرافها ومعانيها ودلالاتها، ولا ضير لدى القتلة وحفاري أماكن الوأد لأنهم على يقين بأن المؤودة إن سئلت فسيتأخر السؤال، وقد تكفل لهم السامرائي المُعَصْرَن بالشفاعة عند معبودهم المشترك الذي زيَّن لهم سوء أفعالهم وقبح خصالهم، وبشرَّهم بجنته الموعودة، حيث الغلمان للاستمتاع دونما الحور العين امتثالاً للمثلية المصدرة على جثث الضحايا الأبرياء.
رخيصةٌ تلك الدماء المسفوحة ظلماً لدى من ارتضوا ان تُخْصَى رجولتهم وإنسانيتهم شريطة ان تبقى فحولتهم وذكوريتهم النتنة البغيضة، ولا ضير لديهم أيضاً طالما تم تبديل المسميات والمضامين فغدت الشهامة حماقة، وإغاثة الملهوف طيشاً، والدفاع عن الكرامة والحق في الحياة جريمة عقوبتها الإبادة الجماعية والتهجير القسري، وأضحت مقاومة القاتل تهوراً ومغامرة لا يفكر بها إلا الحمقى بعرف أولئك الأذلة الخصيان الذين يرون في الارتهان للسفاح القاتل عقلانيةً وحُسْنَ تصرفٍ وتقدير وسلوك، في حين أن قول كلمة الحق بعرف أولئك خرقٌ للقواعد وأُسُسِ العيش المشترك، فبئس هكذا حياة ، وقبحت تلك الوجوه التي تستأسد على شعوبها، وتؤرنب أمام الجلاد المجرم طالبة رضاه، فلا بارك الله بالذليل والمستبد بآن معاً، ولا نامت أعين الجبناء الأخساء الدائرين في فلك السفاح وزبانيته أولاد الخطيئة اللامتناهية.
حنانيك يا رب العرش، وعذرا أساطين الدهر أهل غزة العماليق، فكلُّ طفلٍ غزاوي يقابل أمَّةً ماتت النخوة فيها، وتجذرت التبعية والخيانة حتى ما فوق الأذنين… عذراً نساء غزة وخنساواتها اللواتي تجاوزن الزمان والمكان، وحملت كلٌ منهن في أحشائها مع جنينها زوبعة من نور ونار وإرادة وقرار يتحدى عنجهية القتلة المجرمين فتتكامل الأجيال وتتعاقب، وكل جيل أشد حقداً على المجرمين، وأكثر تصميماً على اقتلاع الشجرة الخبيثة الملعونة من الجذور، وتكسير أغصانها اليابسات، وحرق ثمارها السامة اللعينة… عذراً أبطال غزة ومقاوميها الميامين، والجميع يدرك أنكم لا تنتظرون من عبيد السوء ولقطاء السلطات المُنَصَّبَة من القاتل أن يقدموا دعماً ولا مساندة، حتى ولو بالكلمة… الجميعُ متيقنٌ من أن أقصى ما كنتم تأملونه ممن هم محسوبون على العروبة والإسلام ألا يكونوا مع القاتل والمجرم، لكنهم كانوا وما يزالون، ولم يكفوكم خيرهم وشرهم، وهيهات لهم أن يفعلوا هيهات، فبعض أبناء الجلدة يقاتلونكم مع شذاذ الآفاق الذين تم تجميعهم فوق ثرى فلسطين المغتصبة، ويجاهرون بالدعاء لنتنياهو وأزلامه والدائرين في فلكهم الآسن النتن…
عذراً يا كل غزة بشراً وشجراً وحجراً وتراباً ورمالاً، فنخاسة بلاد العم سام فرضت على مثقوبي المشافر إغماض العيون وكمّ الأفواه وادعاء الطرش فغدوا صماً بكماً عمياً لا يعقلون، وكيف لأولئك أن يبصروا وقد رُبِطَ بلجام كل منهم ورَسَنَهَ ُما يحدد الرؤية بقطعة من الجلد الأسود السميك تسمى “طميشة أو طرميمة” كتلك التي توضع على البغال التي تجر الطنابر، فتحجب الرؤية من اليمين واليسار والأعلى ويبقى النظر محكوما نحو الأسفل وإلى الأمام حيث يشاء مالك هذا البغل أو ذاك، وهيهات لمن تلك حالته أن يرى دماء أطفال غزة الذين قضوا في مجزرة المواصي في خان يونس أو مئات المجازر الأخرى المستمرة على مدار الساعة، وقد قارب عدد الشهداء الأربعين ألفاً وضعف ذلك من الجرحى والمصابين، وغالبية هؤلاء من الأطفال والنساء، والعالم يثبت كل يوم أنه إما مصادر القرار، أو متواطئ أو شريك في نحر الشعب الفلسطيني.
لك الله يا غزة ولك السادة الأحرار الشرفاء الأنقياء … أصحاب الهمم والعزائم التي لا تلين…حملة النفوس الأبية الشماء على امتداد أطراف محور المقاومة من اليمن العزيز الذي أذل الطاغوت الأمريكي وهشم رأس الأفعى الإنكليزية، وأرغم الكلاب المسعورة التي تنهش لحم أطفال غزة على أن تقعي وتستجير بالضباع والذئاب وبقية الوحوش التي على هيئة بشر… لك الله يا غزة ولك رجال الله على الأرض في لبنان المقاوم، فهؤلاء إن قالوا فعلوا، وإنا صالوا فازوا، وإن أشارت سبابة سماحة قائدهم المحفوظ بلطف رب العالمين ترتعد فرائص جلاوزة العصر في تل أبيب، ويرتد صدى الكلمات في واشنطن قبل إتمام أي خطاب… لك الله يا غزة ولك واسطة عقد المقاومة كنانة رسول الله “ص” سورية الأبية الصامدة في وجه أعاصير الشر وأقذر حرب مركبة عرفتها البشرية، وبقيت وفية للقضية الفلسطينية التي كانت وتبقى قضيتها المركزية الأولى… لك الله يا غزة ولك المقاومون الأشداء قي عراق الراقدين من أصحاب الهمم والبأس الذين لا يخشون في الله لومة لائم… لك الله يا غزة ولك إيران الثورة الإسلامية المظفرة التي عفرت بالأوحال أنوف الشاغلين مختلف الدوائر والمؤسسات الدبلوماسية والاستخباراتية والعسكرية والمالية الأمريكية… إيران الإمام الخميني، وإيران الإمام الخامنئي، وإيران الحرس الثوري وإيران الشعب الجبار الذي استطاع أن يحول الحصار الجائر إلى فرصة، والعقوبات الظالمة إلى مدرسة وأكاديمية تتجاوز الصعاب وتضيف القطبة تلو الأخرى في حياكة سجادة الاقتدار التي تتوسع وتمتد أكثر فأكثر رغم أنوف طواغيت الكون..، لك الله يا غزة، ولك الكثير من الأحرار المقاومين بما يستطيعون، ويعبرون عن قناعتهم بعزة وكبرياء، وهم كثر وينتشرون في العديد من الدول: في سلطنة عمان والجزائر وتونس وغيرها من الدول العربية والإسلامية والعالمية، وأضعاف أولئك من الشرفاء الأحرار الذين حركت أصواتهم الشوارع والجامعات حتى في أمريكا والغرب الأوربي المتماهي مع تل أبيب وواشنطن وفق ما يشاء صناع القرار في البيت الأسود النجس ومن يقيم فيه بغض النظر عن الإدارة جمهورية كانت أم ديمقراطية.
نعم إنها صرخة وجع وألم تطلقها روح متوثبة رغم الجراح الراعفة.. صرخة من وادي التيه وليست صرخة في وادي التيه، فالصرخة في الوادي يبقى صداها ضمن الوادي ولا يتجاوزه، أما الصرخة من الوادي فقد تصل تردداتها إلى كل بقعة جغرافية يعيش فيها مقاوم محب للإنسانية السمحة وقيم الحق والخير والعدل والسلام… صرخة من وادي التيه المسكون بالأوجاع والكوارث والدماء والموت، وكل ذلك لم يفلح في مصادرة إرادة المقاومة المنتصرة طال الزمن أم قصر.
(موقع سيرياهوم نيوز-٢)