كان لافتا قيام الرئيس الإيراني “إبراهيم رئيسي” بزيارة المسجد الأموي الكبير في دمشق، والصلاة في محرابه العريق. وحرص الرئيس رئيسي على إنجاز هذه الخطوة خلال الزيارة رغم جدول أعماله المزدحم خلال اليومين مدة الزيارة إلى سورية. لما لها من دلالات ورسائل عميقة ومتعددة الأوجه. أوّلها أن المسجد الأموي الكبير في دمشق، كان إحد الرموز التي استخدمت في بداية الحرب على سورية لإسقاط النظام، ولا يمكن نسيان أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان توعّد الصلاة في المسجد الأموي بعد إسقاط النظام في سورية، وحينها كانت التقديرات تُجمع أن إسقاط النظام مسألة أسابيع وأشهر لا أكثر، وليس الرئيس أردوغان وحده من توعّد بذلك، فقد تسابق قادة المجموعات المسلحة إلى إعلان شبيه، فقد توعد الجولاني زعيم جبهة النصرة بدخول المسجد الأموي في دمشق، وكذلك شرعي جبهة النصرة السعودي “عبد الله المحيسني” واخرين. ولذلك كان مشهد وقوف الرئيس الإيراني الحليف الوثيق لسورية وللرئيس الأسد لأداء الصلاة في المسجد الأموي بمثابة إعلان انتصار الخيار السوري الإيراني في هذه الحرب، وإغلاق لملف محاولات إسقاط العاصمة دمشق نهائيا.
أما الرمزية الثانية لزيارة الرئيس الإيراني للمسجد الاموي فتتعلق بمرحلة التحريض الطائفي والمذهبي، ومحاولة شيطنة الشيعة وإيران، والتركيز على أن إيران تستهدف السنة في سورية والمنطقة، ولهذا قد يكون الرئيس الإيراني حاول إرسال رسالة معاكسة في الصلاة في مسجد بني أمية الكبير، وإظهار احترام إيران للمذهب السني، ودحض الدعايات النمطية التي تظهر المذهب الشيعي كمذهب معاد لأهل السنة، ولا شك أن زيارة رئيسي للمسجد الأموي بعد زيارته لمقام السيدة زينب جنوب العاصمة السورية، شكل دلالة على منهج التقريب بين المذاهب الإسلامية والوحدة بين جناحي العالم الإسلامي “السنة والشيعة”، وقد لاقت هذه اللفتة الإيرانية ارتياحا وترحيبا شعبيا سوريا، وربما دلالاتها تتجاوز الحدود السورية نحو العالم الإسلامي ككل.
أما الرمزية الثلاثة فهي رمزية قومية، لأن المسجد الاموي في دمشق هو صرح للحضارة العربية، ودمشق ومسجدها الكبير كانا مركزا لإشعاع الإمبراطورية العربية، والحضارة العربية العريقة. ولهذا فإن دلالات زيارة الرئيس الإيراني لهذا المعلم الحضاري العربي، تعني رسالة تلاقي الحضارات العربية والإيرانية، وتعني رسالة لكل العرب وليس فقط سورية العربية، بأن الحضارات تتكامل وتتحاور، لا تتصارع وتتقاتل. وأن إيران تحترم الحضارة العربية ورموزها، وتسعى إلى مد اليد للعرب للتعاون والتلاقي.
هذه الرسالة متعددة الأبعاد في عمقها ورمزيّتها، تأتي في وقت تشهد فيه سورية دخول مرحلة جديدة، عنوانها النهوض مرة أخرى بعد حقبة الأزمات والمعاناة، وفي وقت يشهد فيه الإقليم إعادة حسابات وتموضعات، عنونها إزالة آثار حقبة التوترات والصراعات وما رافقه من استخدام أدوات التحريض الطائفي والتناقض القومي والتنازع السياسي والعسكري.
وبلا شك أن فهم ملامح المرحلة الجديدة يتطلب من الجميع الانتباه إلى الرسائل والإشارات ذات الدلالة، والتي تصب في اتجاه بيئة سياسية جديدة تعيد تشكيل العلاقات الإقليمية على أسس وقواعد جديدة.
سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم