صناعة الإسمنت في سوريا: تحديات البيئة والاستيراد تقابلها فرص استثمارية واعدة

بين دفع عجلة الإنتاج وضرورات الحفاظ على البيئة، وبين متطلبات السوق المحلي وآفاق التصدير، يزداد الاهتمام بقطاع الإسمنت الذي يعتبر بمثابة العمود الفقري، وعصب الحياة لعشرات المشاريع السكنية، والبنى التحتية، والمرافق الحيوية التي ينتظر أن ترى النور خلال مرحلة إعادة الأعمار والبناء التي تشهدها البلاد.
فصناعة الإسمنت من الصناعات الأساسية والضرورية في المرحلة الراهنة، وخاصة نتيجة الدمار الكبير في قطاع البناء والإنشاءات والبنى التحتية ،وكذلك حاجة الاستثمارات الجديدة التي أعلن عنها والتي يتوقع زيادتها في المرحلة القادمة.
الخبير والباحث الاقتصادي د. فادي عياش قال في تصريح خاص لصحيفتنا الحرية: إن حاجة سوريا السنوية من الإسمنت قد تصل وفق عدة تقديرات إلى 30 مليون طن سنوياً كحد أقصى، و 8 إلى12 مليون طن سنوياً كحد أدنى، علماً أن الطاقات الإنتاجية الحالية لا تتجاوز 3.5 ملايين طن سنوياً.

المشكلات والعقبات

وتواجه صناعة الإسمنت العديد من المشكلات والعقبات، أهمها ارتفاع كلفة الوقود والتي تشكل قرابة 65% من التكاليف الإجمالية وارتفاع تكاليف الصيانة وصعوبة تأمين قطع التبديل، وكذلك معوقات تتعلق بتسويق وتوزيع المادة بالإضافة إلى الموسمية، وتضارب القرارات المتعلقة بالمخططات التنظيمية وضوابط البناء، وتعليماتها التي كانت تؤثر على حجم واستقرار الطلب، بالإضافة إلى مشكلة التلوث والأثر البيئي الكبير لهذه الصناعة، ولا سيما نتيجة التقصير في معالجة هذا التلوث.
عياش أشار الى الأسباب التي زادت وفاقمت من مشكلات صناعة الإسمنت السورية، منها الانفتاح التجاري ورفع قيود الاستيراد بعد التحرير، مما سمح بتدفق كميات كبيرة من الإسمنت المستورد، وبأسعار منافسة من دول الجوار ولا سيما السعودية وتركيا.

المزايا التنافسية

وبالمقابل تطرق الخبير الاقتصادي إلى المزايا التنافسية التي تتمتع بها صناعة الإسمنت في سوريا، ومن أهمها توفر المواد الأولية، وفقاً لبيانات شركة صناعة وتسويق الإسمنت ومواد البناء “عمران” وتواجد خامات الإسمنت الرئيسية (الحجر الكلسي، البازلت، اللاتيريت) في مواقع متجاورة ضمن مناطق عديدة، كما أن احتياطيات هذه الخامات في المواقع المدروسة كافية لصناعة الإسمنت بطاقة 5 ملايين طن سنوياً، لمدة 75 عاماً.
وفق ما تقدم نجد أهمية وضرورة تطوير وتنمية هذه الصناعة، حيث تم في هذا السياق تم دمج مؤسسة الإسمنت وشركاتها وشركة عمران في شركة واحدة لتطوير الإدارة والاستفادة من مبدأ التضافر بين الشركات ولا سيما لجهة تأمين التمويل والإنتاجية والمرونة ومراقبة الجودة والأداء.
كما تم الإعلان عن استثمارات واعدة تفوق قيمتها 7 مليارات دولار في مجال صناعة الإسمنت، وكذلك تم طرح بعض المصانع للاستثمار بأساليب مختلفة بالتعاون مع القطاع الخاص المحلي والأجنبي، وبالتالي يتوقع خلال الفترة القادمة زيادة الطاقات الإنتاجية وزيادة العرض في الأسواق مما يسهم في توازن الأسعار واستقرار الطلب.

مزايا إضافية

ومن المزايا الإضافية لقطاع صناعة الإسمنت في سوريا وفقاً لما ذكره عياش الجاذبية العالية لهذا القطاع محلياً ودولياً لا سيما من جهة السعودية وتركيا والعراق والإمارات وكذلك ألمانيا، مما يساعد في جذب المزيد من الاستثمارات المؤثرة لهذا القطاع وتأمين التمويل الضروري لتحديث وتطوير خطوط الإنتاج وقد تم توقيع اتفاق مؤخراً مع شركة عراقية وفق نظام التشاركية بصيغة “BOT” لتطوير وتشغيل مصنع إسمنت حماة بهدف رفع الطاقة الإنتاجية من 3300 طن يوميًا إلى 5000 طن يوميًا من مادة “كلنكر” خلال 13 شهرًا من تاريخ توقيع العقد،كما تتضمن إنشاء خط إنتاج جديد بطاقة تصل إلى 6000 طن يوميًا، ما سيرفع إجمالي الطاقة الإنتاجية للمعمل إلى حوالي 11 ألف طن يوميًا خلال السنوات الخمس المقبلة.

تخفيض التكاليف وتوازن الأسعار

وكذلك اتفاق آخر في آب الماضي مع شركة إماراتية لتأهيل وتطوير خط الإنتاج الثالث في مصنع حماة أيضاً، إضافة إلى اتفاقات أخرى ستسهم في توفير المادة وبالتالي تخفيض التكاليف وتوازن الأسعار وصولاً إلى الاستغناء عن الاستيراد وتوفير القطع ودعم توازنات الميزان التجاري، بل مع إمكانية التصدير لاحقاً ولا سيما بأن الاستثمار في قطاع الاسمنت من الاستثمارات الرأسمالية الكبيرة وطويلة الأمد.
ولا بد من التنويه بأن غالبية الاتفاقيات المتعلقة بتحديث وتطوير صناعة الإسمنت تعتمد صيغ التشاركية مثل “BOT” والتي تسمح لشركة عمران بتأمين التمويل اللازم والتأهيل الفني والتقني والتشغيل الأمثل لمصانعها بعائد استثماري مناسب مع احتفاظها بحقوق الملكية بعد انتهاء فترة الاستثمار.