زهراء حسيني
ضمن الإستراتيجيات المعتمدة في الحرب النفسية الرقمية التي تتخذ من وسائل التواصل ومجموعات واتساب وتليغرام ساحتها، يعمد العدو ومن يقف معه من جهات مشبوهة ومن يخدمه عن قصد أو غير قصد من المتسرعين، إلى ما يمكن تسميته بصناعة الخيبة: إستراتيجية تعتمد على بث أخبار إيجابية وهمية ترفع سقف التوقعات تجاه حدث ما، ما يبخس أهمية الحدث الأساسي من جهة ويحدث حالة من الإحباط من جهة أخرى. وقد يتخذ تنفيذها إستراتيجيات متعددة. على سبيل المثال، تزامناً مع العمليات النوعية للمقاومة والتصدي البطولي في المواجهات البرية، تُبثّ أخبار عن تقدم المقاومين واقتحامهم للمستوطنات القريبة من الحدود، أو أخبار عن عملية أسر لجنود صهاينة. وبعد انتشار الأخبار المضخمة كالنار في الهشيم وتفاعل الجمهور الكبير معها، ينجلي غبار الحقيقة ويضيع الخبر الأساسي المهم ويصبح ثانوياً بل محبطاً بالمقارنة مع السقف الذي وصلت إليه التوقعات. ومن الشواهد الأخيرة انتشار أخبار عن استهداف قائد الأركان الإسرائيلي تزامناً مع العملية النوعية على بنيامينا في جنوب حيفا.
وبطبيعة الحال، أخذ التفاعل مع هذا الخبر حيزاً على حساب التفاعل مع الخبر الأساسي الذي يشكل بحد ذاته ضربة نوعية وتصعيداً مهماً من المقاومة، ما بخّس من قيمته بعد غياب أي إقرار أو معلومات حول مصير قائد الأركان.
وقبله، تكرّر الموقف بعد تتالي استهداف القادة، إذ انتشر خبر اكتشاف ما وُصف بالعميل الكبير المسؤول عن تسريب المعلومات عن المقاومة، وأنّ المقاومة نصبت له كميناً لاكتشافه عبر إعطائه معلومة خاطئة استهدف العدو بناءً عليها مبنى في بئر العبد في منطقة مأهولة بالسكان. وبالتأمل في هذا الخبر، يتضح لترويجه أبعاد عدة منها الأمني ومنها إشاعة الإحباط ليس فقط تجاه الخبر المترقب، بل يزعزع الثقة بالمقاومة وقيادتها التي يظهرها الخبر بأنها لا تمانع وضع طعم لعدو شرس في منطقة مأهولة…
انتشار أخبار عن استهداف قائد الأركان الاسرائيلي تزامناً مع عملية بنيامينا
هذا ليس الشاهد الأخير، فالأمر نفسه حدث بعد خبر استهداف سماحة الأمين العام السيد حسن نصر الله وبدل ترك الناس ــــ بعد ساعات من الاستهداف ــــ ضمن حالة التمهيد لاستقبال الخبر الجلل، بُثت أخبار تؤكد سلامة الأمين العام، ما أعاد رفع سقف التوقعات ليأتي بعدها الخبر بصدمة مضاعفة لكثيرين. هو النمط نفسه الذي يتم اعتماده في مواكبة عملية التفاوض وأخبار قرب وقف إطلاق النار التي رفعت سقف التوقعات في المرة الأخيرة حتى كاد بعضهم يحزم حقائبه ويعود إلى القرى…
وهكذا ينتهي الأمر، ويعوّل مروّجوه على ذاكرة السمكة للكثيرين، ويتكرر السيناريو نفسه مراراً. سيناريو يفتعله العدو ويروّجه المتسرعون أو يفتعله المتسرعون ويروّجونه، وفي كلتا الحالتين النتيجة تخدم العدو ولا تخدم المقاومة وجمهورها بشيء، بل إنّها تضرّ بهما. أمر يتطلّب إجراءات لوقفه، أولها من الجمهور نفسه، الذي ينبغي أن يتوقف عن التفاعل والمساهمة في نشر أي خبر غير دقيق حتى ضمن دوائر ضيقة، لأنّ «لكل عزيز عزيز»، ولكل فرد ضمن العائلة أو الدائرة الضيقة دوائره الضيقة، وبهذه الطريقة ينتشر الخبر غير الدقيق كالنار في الهشيم… والإجراء الآخر بات مطلوباً تجاه المساهمين في ترويج هذه الأخبار وملاحقة المسؤولين والمتهاونين واتخاذ إجراءات صارمة لوقفها، وعدم ترك مشاعر الناس لعبة بين أيدي المتنافسين على اللايكات والمتابعين.
سيرياهوم نيوز١_الأخبار