نور يوسف
النفخ بالزجاج واحدة من أقدم المهن التي لها مكانتها الخاصة حيث اعتاد الدمشقيون الاستعانة بالمشغولات الزجاجية في احتياجاتهم المنزلية اليومية لفترة طويلة إلى أن وقعت في منافسة حادة مع منتجات أخرى كالبلاستيك وتواجه هذه المهنة اليوم مخاطر الانكسار نتيجة هجرة شيوخ الكار والعمال لها.
وعلى الطريق الموازي لسور باب شرقي في دمشق القديمة تقع منشأة شيخ الكار الحرفي أحمد الحلاق أبو محمود ذو 65 عاماً وهو جالس على كرسيه بجانب أدواته اليدوية البسيطة التي يستخدمها في حرفته يروي لمندوبة سانا رحلته مع حرفة النفخ في الزجاج التي ورثها مع أخوته عن أبيه وجده.
ويسرد الحرفي أبو محمود قصة شغفه وولعه بهذه المهنة منذ أن كان في السابعة من عمره حيث اعتاد بعد عودته من المدرسة ملازمة والده في العمل إلى أن أصبح بعمر 14 عاماً يتقن صنع قطع فنية بغاية الجمال واستمر إلى الآن حيث مضى 52 عاماً من عمره في هذه المهنة مبيناً أنه على مدى أكثر من 4 عقود وبساعات عمل لا تقل عن الثماني يومياً يصنع شتى الأشكال والألوان من أباريق وأكواب مختلفة الأحجام والأشكال والاستخدامات وقوارير ومزهريات الزينة وقناديل وحوامل شموع وثريات وعناقيد عنب وغيرها من الأشكال حسب طلب الزبون.
ويعتمد الحرفي أبو محمود في عمله بشكل أساسي على إعادة تدوير الزجاج المكسور كمادة خام كونه أقل تكلفة مقارنة مع تصنيعه بالمواد الخام “الرمل” الذي يعد أعلى تكلفة فضلاً عن سهولة إعادة تدويره والاستفادة من بقاياه الأمر الذي يعود بالفائدة على المجتمع والبيئة ويؤكد تمسكه بالطريقة التقليدية التي تعلمها من والده على الرغم من التطور والتقدم التكنولوجي.
وحول آلية تعشيق الزجاج بالنحاس حسب الحرفي أبو محمود يكون من خلال تسخين النحاس ثم نفخ عجينة الزجاج بداخله وبعد الانتهاء من مرحلة الشواء تعود لحرفي النحاس لتنظيفه وتلميعه إضافة إلى تلبيس قطع زجاجية بالذهب والفضة وصحن الفواكه.
وعن مراحل العمل يقول أبو محمود: إن الزجاج يقسم لأجزاء صغيرة ثم يطحن وينقل إلى الفرن ليصهر وبعد استواء العجينة الزجاجية تبدأ مرحلة الإنتاج التي تعتمد على خبرة ومهارة الحرفي بالتشكيل للحصول على منتج نهائي جذاب حيث يؤخذ مقدار معين على حسب التصميم المراد ليعطي النتيجة المطلوبة بمواصفات معينة وينفخ في كرة الزجاج ثم يدورها بحركة مغزلية على طرف الأنبوب الحديدي ويسندها على سطح أملس بارد لتأخذ شكل القرص.
وبين أبو محمود أن الفرن يتكون من ثلاثة أقسام الأول لصهر الزجاج بدرجة حرارة 1200 مئوية حيث يتحول إلى سائل شفاف مرن والقسم الثاني لصنع عجينة الزجاج بدرجة حرارة 1000 درجة مئوية وهو أنشف حيث يقوم الحرفي بإدخال أنبوب معدني للفرن وإخراج السائل الزجاجي والنفخ بالأنبوب للحصول على الشكل الذي يرغب بتشكيله ويتم فصل كل قطعة عن الأخرى باستخدام الماء البارد ومنطقة الشوي تكون بدرجة حرارة 500 درجة مئوية لأن الزجاج إذا تعرض للجو البارد يتكسر حيث توضع في عربيات لها سكة تنزل درجة الحرارة لمدة 5 ساعات أو 6 ومن ثم تخرج لدرجة الحرارة الطبيعية من آخر المشواية يترك يبرد حتى لا ينكسر أو يتشقق ومن ثم تبدأ مرحلة الصقل للمنتج ليصبح جاهزاً للاستخدام.
وتنتقل القطعة إلى يد الرسام الذي بدوره يترك بصمته الخاصة بفنه اليدوي وإبداعه وابتكاره بزخارف ونقوش وألوان متنوعة يضيفها عليها من ثم يوضع بالفرن إلى أن يجف ويثبت لونه ثم يطلى بمادة اللكر لحمايتها من ظروف البيئة المحيطة حسب أبو محمود الذي بين أنه يوجد داخل ورشته قطع فنية قديمة مشغولة منذ 40 عاماً.
ويوضح أبو محمود أن عملية تلوين الزجاج عن طريق أكسيد الكوبلت الذي يعطي اللون الأزرق والكحلي، ولون التركواز الشامي نحصل عليه بإضافة أكسيد النحاس بينما إذا تمت إضافة أكسيد المنغنيز يعطي الزجاج اللون التوتي لافتاً إلى أن تثبيت اللون يتم عن طريق إعادة المنتج إلى الفرن مرة أخرى وأن اللونين العسلي والأخضر متوفران بالزجاج المعاد تدويره.
وعن أهم معوقات المهنة تتمثل وفق رأي الحرفي أبو محمود بقلة صبر الأجيال لتعلمها وهجرة الأغلبية من الشباب وارتفاع الأسعار وتكاليف الطاقة وعدم الاهتمام والعناية على الرغم من استمرار الاحتياج إليها في كل منزل وهو ما سيؤدي إلى انقراضها بعد أن قل الاهتمام بها واندثر معظم العاملين الأمر الذي يتطلب تضافر الجهود للحفاظ على المهنة وتطويرها.
وأوضح أبو محمود أنه قبل الأزمة كان عدد العمال مع شيوخ كار المهنة حوالي 30 شخصاً أما حالياً لا يتجاوزون 4 أشخاص كونه لا أحد يرغب بتعلمها متمنياً أن تبقى هذه الحرفة حية تتوارثها الأجيال جيلاً بعد جيل رغم أنها مهنة صعبة وتحتاج إلى صبر طويل للجلوس أمام حرارة الفرن المتوهجة وإلى نفس طويل للنفخ وعلى الرغم من أنها تستمد موادها الأولية من البيئة إلا أنها تحز بنفسه أن تموت هذه المهنة ولم يعلمها لأحد من بعده.
سيرياهوم نيوز 6 – سانا