فادية مجد – ربا أحمد:
عندما تذكر أرواد، تلك الجزيزة الساحرة في مدينة طرطوس، وعروس الساحل السوري أول مايخطر بالبال صناعة السفن التي برع الأرواديون فيها، وقد توارثوها عن أجدادهم الفينقيين كمهنة وحرفة كنا ومازلنا نفاخر بها ..
فما هو تاريخ نشأة تلك الصناعة وكيف استمرت إلى أيامنا هذه، ومن هم شيوخ الكار، وهل مهنة صناعة السفن التي عشقها موروث بالجينات عند أبناء أرواد مهددة بالإندثار ؟! وما هي الصعوبات التي تعترضها وما السبل والحلول لإنعاشها من جديد والحفاظ عليها ؟
(الثورة) في ملفها هذا تجيب عن التساؤلات السابقة حيث أكد منذر رمضان عضو مجلس اتحاد الحرفيين بطرطوس وهو باحث ومهتم بالتراث إن الساحل السوري يشتهر بتنوع الحرف والصناعات اليدوية التي ما زالت تصنع على يد حرفيين مبدعين حافظوا على موروث أجدادهم، ومن أهم تلك الصناعات صناعة السفن ومراكب الصيد والنزهة على يد أحفاد الفينيقيين في جزيرة أرواد السورية.
تاريخ ونشأة
وبالعودة لتاريخ ونشأة صناعة السفن أشار رمضان إلى أن الفينيقيين ملوك البحار وأهم تجار زمانهم هم من ابتكروا وصنعوا السفينة الأولى في العالم، وقد سميت (قادس) ذات الشراع الواحد، حيث صممت لتسير بطاقة الرياح، وأيضا بالطاقة البشرية من خلال المجاذيف المتدلية من جانبيها، مبيناً أنه تم استخدامها للتجارة وللحرب، لافتاً إلى ازدهار هذه الصناعة لدى الفينيقيين منذ الألف الثالثة قبل الميلاد، ومن ثم تطورت هذه الصناعة عبر حقبات زمنية متلاحقة، وكانت جزيرة أرواد من أهم الأماكن التي شهدت هذا الإزدهار.
وأضاف: وترافق ذلك مع النشاط التجاري للفينيقيين من خلال تصدير هذه السفن بأحجام مختلفة إلى معظم مدن المتوسط، واستمرارها على يد الأرواديين الذين ورثوها عن الفينيقيين.
ولفت رمضان: أمجاد الفينيقيين في صناعة السفن لم تتوقف والتي تم إحياء صناعتها على يد ابن جزيرة أرواد شيخ الكار (خالد حمود وإخوته) في عام /٢٠٠٨/، حيث انطلقت هذه السفينة معتمدة على طاقة الرياح بشراعها الوحيد، وجالت القارة الأفريقية واستمرت رحلتها من عام – ٢٠٠٨ / ٢٠١٠، قطعت خلالها (١٧٠٠٠) ميل بحري، ثم عادت إلى بلدها الأم جزيرة أرواد، وبعد ذلك انطلقت في مسار جديد إلى جبل طارق- قادس- الصويرة – جزر الكناري – ولاية فلوريدا الأمريكية.
حب المهنة المتوارث
وذكر رمضان أنها استمرت في جزيرة أرواد عبر حقبات متلاحقة وقد أبدع أبناء أرواد في مواكبة التطور وتحديث هذه المراكب مع حفاظهم على المتانة والجودة واللمسة التراثية التي ورثوها بجيناتهم المحبة لحرفتهم وموروثهم . ..
وأمثلة عن نماذج صنعت
ونوه أن السفن الكبيرة ذات الحمولات الضخمة قد توقفت صناعتها، واقتصرت على مراكب الصيد والنزهة واليخوت بأحجام مختلفة موضحاً أنه تم مؤخراً البدء بصناعة السفن الحديدية في مرفأ مدينة بانياس وخير مثال على ذلك السفينة الأولى فرح ستار (١) منذ عام، والثانية فرح ستار (٢) والتي قام بصنعها القبطان خليل بهلوان ابن جزيرة أرواد.
الخطر الذي يهدد المهنة
وذكر عضو مجلس اتحاد الحرفيين بطرطوس أن من بقي من أجيالنا المعاصرة قلة ممن أتقنوا هذه الحرفة، حيث بقي من الجيل الثاني، اثنان تقاعدوا بسبب كبر سنهم، أما الجيل الثالث فلا يتجاوز عددهم (١١) حرفياً وأغلبهم تجاوز عقد الخمسين من العمر أو اقتربوا منه من آل بهلوان وآل حمود.
وبين رمضان أنه في حال توقف هؤلاء الحرفيين عن العمل نتيجة تقدمهم بالعمر لما يتكبدونه من عناء، كون هذه الحرفة متعبة جسدياً، وتواجه بعض المنغصات ولا تؤمن المردود المالي المرجو مقابل هذا العناء، سنجد أنفسنا بأننا أمام أمر واقع، حيث لا يوجد جيل رابع نضمن من خلاله الاستمرار بمهنة موروثة منذ (٢٥٠٠) عام قبل الميلاد ولهذا أصبحت صناعة السفن من الحرف المهددة بالإندثار.
الحلول والمقترحات
وختم بالقول: لكي نعيد أمجاد هذه الصناعة، ونطورها لتواكب العصر ونعيدها إلى مهد ولادتها، ولتحقيق هذا الأمر يجب علينا أولاً أن نعترف بأن هذه الحرفة أصبحت مهددة بالإندثار ولبقائها على الجميع إتخاذ الإجراءآت التالية:
وهي إحداث أحواض جافة ومزلقانات بأحجام تسمح بالصناعة والصيانة لكافة السفن المحلية والأجنبية التي تأم المرافئ السورية
وتسهيل الإجراءات الإدارية الخاصة بدخولها إلى الأحواض وكذلك الإجراءات الإدارية للمعاملات الخاصة بالتصنيع من خلال إحداث نافذة واحدة ضمن مراكز خدمة المواطن مع مكاتب ارتباط بكافة الجهات المعنية مع تسهيل إيصال المواد إلى الصناعيين، ودعمهم بالطاقة المطلوبة وإلغاء الوديعة المفروضة على المصنعين بقيمة خمسة ملايين، وتسهيل إجراءات التصدير إلى كافة الدول التي ترغب بإستيرادها والسماح بالرحلات الليلية من طرطوس إلى أرواد لإنعاش السياحة والمساهمة بإنتعاش الحرفة والسياحة معاً، ويأتي الإجراء الأهم وهو إحداث أكثر من حاضنة لتعليم هذه الحرفة لأجيال بأعمار صغيرة، لنتمكن من استثمار خبرة آخر صانعي السفن والمراكب الأروادية ونقلها إلى أجيال متعاقبة، وبهذا نكون قد ضمنا موارد بالقطع الأجنبي، الأمر الذي سيشكل رافعة اقتصادية هامة للموازنة العامة وللأفراد، وسيساهم في دورة رأس المال السوري دون الحاجة لأي دعم من أي جهة كانت.
مؤكداً أن الجميع معنيون كل من موقعه، ونحتاج إلى قرارات جريئة، فلدينا المال والفكر والتصميم والإرادة لصناعة أضخم السفن، وننتظر من المعنيين القرار.
/ ١١ / حرفياً فقط
هل يجب أن نبقى نتغنى بأمجاد الماضي ولا نبني مجدنا الخاص؟ الجواب تختصره حرفة صناعة المراكب والسفن في جزيرة أرواد التي كانت مجد الفينيقيين في صناعة السفن وتراجعت حتى توقفت عند أحد عشر حرفياً فقط ستغيب معهم هذه الحرفة بغيابهم.
خالد حمود ابن الجزيرة وصاحب إحدى ورش صناعة المراكب أكد أن أبناءهم يرفضون الاستمرار بها لأنها لم تعد مصدر دخل حقيقي لابن أرواد الذي بات يفضل التوجه نحو البحر والتعلم بالأكاديميات البحرية لأن رواتبها عالية، بينما حرفة صناعة السفن والمراكب باتت لا تعوض تعبها بسبب غلاء أسعار الخشب الذي كان الطن منه ب /٥/ آلاف واليوم بمليون وكان كيلو المسمار ب /١٠٠/ ليرة واليوم ب /٣٠/ ألف واجرة الرافعة كانت ب /٥/ آلاف وأصبحت /٧٠٠/ ألف ليرة، علماً أن الحرفي يحتاج لشحن الخشب مرتين والرافعة مرتين إضافة إلى إجرة اليد العاملة والدهان والصواج وغيرها الكثير.
مضيفاً حمود أن كل ذلك مصيبة ولكن المصيبة الأكبر نقل الخشب الذي يحتاج لمعاملة طويلة عريضة من اسم السائق ورقم السيارة وصور الخشب والرخصة المطلوبة والتي باتت شبه مستحيلة، إضافة إلى غياب الكهرباء والورش تعمل على المولدات وكلها تستخدم مازوت حر وتتجاوز حاجتها يوميا /٢٠/ لتر.
وعن عدد المراكب التي تصنع سنوياً، أوضح أن الأأحد عشر حرفياً يصنع مركب واحد بالسنة فقط لأن الطلب بات محدود كون الطلبات كانت معظمها من لبنان وقبرص وتراجعت كثيراً، بينما السوق المحلية لا تحتاج أكثر من ذلك.
وعند سؤاله إن كان أحد من أبناء عائلة حمود اليوم سيأخذ هذه الحرفة .. أجاب خالد حمود متأسفا «للأسف.. لا أحد».
سيرياهوم نيوز 6 – الثورة