صناعة مقالي الفخار إحدى أقدم الحرف اليدوية في ريف طرطوس، حيث يعود تاريخها لمئات السنين، وتشتهر قريتا برمانة المشايخ ودوير المشايخ بريف الشيخ بدر بهذه الصناعة، التي لا تزال حتى اليوم تحافظ على مكانتها لما تتميز به من جودة ومتانة وجمال، فضلاً عن قيمتها التراثية.
ويحرص كثيرون على اقتناء قطع منها لاستخدامها في الطهي، أو لتزيين المنازل، أو كهدايا تحمل هوية المنطقة، كما تشكّل مصدر رزق للعديد من العائلات الريفية.
وتتوارث الأجيال هذه الحرفة جيلاً بعد جيل، ويسعى كبار السن لتعليمها للأصغر سناً خشية اندثارها.
للإضاءة على هذه الحرفة التراثية التقت صحيفتنا “الحرية” أشهر الحرفيات في برمانة المشايخ، العمة أم عزيز، وهي في العقد السابع من عمرها، بينت أنها ورثت هذه المهنة عن والدتها، ووالدتها ورثتها عن جدتها.
موضحةً أن ربات البيوت قديماً كن يصنعن أواني مطابخهن بأيديهن، بأحجام وأشكال مختلفة لتلبية احتياجات أسرهن.
وأشارت أم عزيز إلى أن صناعة المقالي الفخارية “المقلي” تعتمد على مواد طبيعية متوفرة محلياً، التراب والماء وحجر ملحي يعرف باسم “دب الملح”. يُنقع التراب بالماء لمدة 24 ساعة، ثم يُضاف إليه المسحوق الملحي بعد طحنه جيداً على الرحى الحجرية، ثم يعجن الخليط بعناية، ويُدق بواسطة مدقة خشبية كبيرة ليكتسب قوة وتماسكاً.
وتابعت أم عزيز أنه بعد تحضير الخليط، يُشكَّل على طبق من القش، ويُفرغ في وسطه تجويف عميق ليبدأ تشكيل المقلي يدوياً، حيث يُوسع تدريجياً حتى يأخذ شكل وعاء ذي قاعدة عميقة وفتحة عريضة، ثم تُضاف أربعة زوائد خارجية لتشكيل المقبض الذي يسهل حمله ورفعه عن النار.
لتأتي مرحلة تحسين الشكل وتنعيم السطح، وذلك بفركه بالماء وحجر ملساء تُعرف بـ”الحصوة”، ثم تُزال الزوائد باستخدام شفرة معدنية أو نصل سكين، ليصبح السطح متجانساً وناعماً.
وأكدت وجوب ترك المقلي في مكان مظلم ثلاثة أيام ليجف، ثم يُعرض لأشعة الشمس ست ساعات لإزالة الرطوبة المتبقية، ثم يوضع المقلي في التنور المشتعل حتى يحمر لونه ويصبح كالجمر، ومن ثم يخرج ويُضاف إليه أوراق السنديان اليابسة وتُغطيه تماماً، ويُترك لخمس دقائق فقط، وهي مرحلة “الصبغة” التي تمنحه اللون الأسود المميز، ويُفرك بعدها بقطعة قماشية نظيفة ليزداد نعومة ولمعاناً.
وأشارت أم عزيز إلى أن منظر المقلي لا يكتمل دون “السانونة”، وهي سلة مصنوعة من القش تحمله وتحميه من الكسر، وتضفي عليه مظهراً تراثياً جذاباً على المائدة.
وأكدت أم عزيز أهمية “تمرين المقلي” قبل استخدامه، حيث يُدهن بزيت الزيتون ويُوضع على النار حتى يغلي، ثم يُحرّك الزيت داخله حتى يتشربه من جميع الجهات، ما يجعله أكثر متانة ويقيه من الكسر.
وختمت أم عزيز الحديث أن هذه الحرفة ليست مجرد صناعة، بل إرث عائلي ساعدها في إعالة أسرتها وتربية أولادها، وتراث نقله أبناء المنطقة معهم أينما حلّوا، لذلك اشتهرت مقالي الفخار في الساحل السوري في جميع محافظات سوريا، لأنها تضفي النكهة المميزة ورائحة الأرض التي تمنح الطعام مذاقاً خاصاً وبساطة أصيلة.

صناعة مقالي الفخار.. حرفة متوارثة منذ مئات السنين في ريف طرطوس
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية