| د. لطفي لطفي
قبل أن أتحدث عن أي من هذه الكتب لأبدأ بالتعريف عن صاحبة الكتب كما هي عَرًفت عن نفسها « تخرجت في جامعة أكسفورد، قسم اللغة العربية ( لم أجد لها أي كتاب أو بحثٍ باللغة العربية)، بدأت حياتها المهنية بالعمل في مقر الاتصالات العامة للحكومة البريطانية (GEHQ) في شلتنهام، وأنها أُرسِلَت إلى مدرسة في قرية شملان اللبنانية لتعلم اللغة العربية. State – sponsor School for Arabic في عام 1975، وفي عام 1977 لتكون من بين الدفعة الأخيرة لطلاب (MECAS) المدرسة التي أُغلِقَت نهائياً بعد أن تابعت الدراسة فيها حتى خريف عام 1978، لتعود إلى بلادها عبر سورية بسيارتها البسيطة، وأنها حصلت على شهادة الماجستير في فن العمارة الإسلامية من SOAS، وأضافت إنها زارت سورية عدة مرات بين عامي 2005 – 2012 ».
كتابها الأول
كتاب من القطع المتوسط مكون من 17 فصلاً ضمن 474 صفحة والذي عرَفَت عن سبب كتابته:
«نتيجة الحريق الذي ألَمَ بكنيسة نوتردام في باريس في 15 نيسان 2019. « كان سبباً لاهتمامها بعمارة هذه الكنيسة التي وجدت فيها تأثراً بعمارة كنيسة قلب لوزة ( إحدى عمائر كنائس المدن المنسية – شمال غرب سورية). قام بنقل هذه التأثيرات الفرنجة في القرن 12 م. وأضافت الكاتبة:
«التصميم المعماري لكنيسة نوتردام مِثله مِثل جميع الكاتدرائيات القوطية في أوروبا، يأتي مباشرة من كنيسة قلب لوزة، التي تعود للقرن الخامس الميلادي».
أشارت أيضاً إلى عدد من الأخطاء التي وقع فيها المؤرخون الأوروبيون، قراءة مغلوطة: لقبة الصخرة في خريطة تعود للعهد المملوكي، الأرقام العربية، عدم الاعتراف بتأثير العمارة الكنسية السورية، والعمارة الإسلامية، على عمارة الكنائس القوطية، والكاثوليكية. واعتمدت في ذلك على دراسة قام بها معماري بريطاني Christopher Wren يُعتبر من أهم المعماريين، عاش قبل ثلاثة قرون، الذي قام ببحث وتمحيص «أن الغرب يسرق ممن كان يظُنُ أنهم سرقوا عمارتهم، « نعترف أن أصل العمارة القوطية هي عمارة Saracenes. « البروفسور wren لم يكن مُعجباً بالعمارة القوطية قائلاً عنها؛ عمارة فقيرة مملوءة بالزخرفة والتزيين، رافضِاً إياها، وخاصة من خلال كاتدرائية القديس Paul القديمة (التي احترقت عام 1666 م لدى حريق لندن الكبير)، والتي كانت رمزاً للعمارة الوطنية، ( كما ينظر الفرنسيون لعمارة كنيسة نوتر دام)، التي تُمثِل روح العمارة المسيحية.
هذا يعني أن بلاد الشام قدمت بعمارتيها القديمة، والإسلامية الإلهام لما تعتبره العمارة المسيحية الأوروبية صيغتها الفريدة. فضل Wren كثيراً كلاسيكية «القدماء» بإحساسها الحقيقي بالمنظور، والخطوط المستقيمة، والتناسق، التي كانت تستند إلى إتقانهم للهندسة.
الحقيقة أن العديد من خصائص العمارة الإسلامية نشأت من عصر التوريث البيزنطي السابق، والذي بدوره كان من التراث الهلنستي، وأن كل التراث المعماري القديم في بلاد الشام وما بين النهرين هما جذور التأثيرات المعمارية في الشرق الأدنى. يُحب الأكاديميون التركيز على فترة أو أخرى ( كانوا مختلفين أو منفصلين)، أن واقع التاريخ هو أن كل شيء سلسلة متصلة.
أشارت الكاتبة إلى دور المستشرقين في القرن السابع عشر في البحث عن المخطوطات العربية القديمة، والتي تُرجمت عن الإغريقية، فهما الأساس في بناء المعرفة الأوروبية لاحقاً، كـ Pococke الذي أمضى 6 سنوات في حلب باحثا عن تلك المخطوطات التي نقلها فيما بعد إلى بريطانيا في عام 1636 ككتاب بعنوان: Conics يعود لعام 200 ق. م. وهو من 8 أجزاء 7 منها باللغة العربية. كانت النظريات الهندسية بالكتاب حيوية في الإنشاءات الهندسية. وأشارت الكاتبة أيضاً إلى Greaves الذي جمع مخطوطات عربية في الرياضيات وفي الفلك… الخ.
انتقلت الكاتبة للحديث عن Wren كيف أنه صاحب رؤية، وأنه أمضى 36 عاماً في بناء أول كاتدرائية بروتستانتية في قلب مدينة لندن St. Paul، وأول من بنى قبة ضخمة في بريطانيا، معتمداً على فن عمارة سكان بلاد الشام في بنائهم للقبة، والقبة المزدوجة. وكتب في مذكراته معترفاً بالديون الأوروبية « للعمارة المسلمة »، وشرح كيف دفعته دراسته للكاتدرائيات القوطية في أوروبا إلى الاعتقاد بأن العمارة القوطية كانت أسلوباً اخترعه العرب، واستورده الفرنجة (الصليبيون)، وقبل ذلك عرب إسبانيا. جاء أول ذكر لهذه النظرية قرب نهاية دراسته عام 1713م.
انتقلت الكاتبة لتتحدث عن العمارة الإسلامية من خلال دراسة قصيرة عن العمارة الأموية، لتنتقل بعدها إلى ذكر نماذج عمرانية كنسية في أوروبا مشيرة إلى التأثيرات المعمارية الإسلامية على بنائها.
أما كتابها الثاني
كتاب من القطع الصغير من 306 صفحات وضمن 19 فصلاً، تحدثت فيه عن زيارتها الأولى لسورية عام 1978، بعد إغلاق مدرستها في قرية شملان اللبنانية (في طريق عودتها إلى موطنها، بسيارتها البسيطة)، ثم عادت لزيارة سورية، وتحديداً الشام 6 مرات بين عامي 2005 – 2012، فوجدت شعباً طيباً، مضيافاً، يحمل قيماً إنسانية. كانوا عوناً لها، في اختيار بيت في الشام القديمة وشرائه، وأيضاً في الحفاظ عليه عندما تعرض لمن سوغت له نفسه بالغش وسرقة ملكية البيت بقرار من القضاء السوري.
قرأت روايتها هذه، وتمتعت بصور جميلة عن بلدي. تمتعت بقدرة الحكواتي على السرد بشكل شائق، تجذبك إلى معالم عمرانية، تنقلك إليها كدليل سياحي، قصّت علينا قصة شراء بيت لها في الشام القديمة ناقلة الحداثة له، ودور المعمار السوري في الحفاظ عليه، إلا أنها ما لبثت أن دخلت في زواريب الحرب على سورية، صورت الصراع على سورية بأنه صراع بين طوائف ومذاهب، لم تستطع أن تنظر إلى ما يحدث من نقطة تتسع فيها الرؤية لتكون قراءتها صحيحة، أحياناً كانت تتقصد الدخول إلى تاريخنا وتضعه في صورة تخدم مصالح رؤية المؤسسة التي تعمل فيها (العمل في مقر الاتصالات العامة للحكومة البريطانية)، متجاهلة دور الحكومة البريطانية في اتفاقية سايكس – بيكو التي قسمت بلدنا، ووعد بلفور الذي أنشأ دولة عنصرية في فلسطين.
موضوع آخر: صورت أحداث عام 1860 في دمشق مُدينةً إحدى الإثنيات الموجودة في دمشق بأنها وراء ذلك، على حين الحقيقة التاريخية هي غير ذلك تماماً، انتقال الحدث كان من جبل لبنان وراءه دول غربية، وما حدث في الشام كان عاماً لا كما صورته.
سيرياهوم نيوز3 – الوطن