آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » صيد الساحرات في فرنسا وصل إلى الأكاديميين والمفكرين: فرانسوا بورغا… شهادة رجل شجاع

صيد الساحرات في فرنسا وصل إلى الأكاديميين والمفكرين: فرانسوا بورغا… شهادة رجل شجاع

 

رشيد وحتي

 

 

 

في خطوة تهدّد القيم العريقة للجمهورية الفرنسية على رأسها حرية التعبير بصفتها من أسمى حقوق الإنسان، يمثُل الأكاديمي والخبير الفرنسي في جماعات الإسلام السياسي، فرانسوا بورغا، غداً أمام محكمة الجنايات في مدينة «إكس أن بروفانس» (جنوب شرق البلاد) بتهمة «الترويج للإرهاب ومديحه».

 

جاء ذلك بعدما أعاد بورغا نشر بيان صحافي صادر عن حركة «حماس» على منصة X، في كانون الثاني (يناير) 2024، مصحوباً بتعليق عبَّر فيه عن «احترامه وتقديره لقادة «حماس» أكثر من قادة إسرائيل». أمر أثار حفيظة اليمين الفرنسي المتصهين المتحكِّم في شرايين الإعلام العام والخاص، فشنّ حملة منظَّمة من الانتقاد والتجريح الشخصي وصل إلى حدِّ المطالبة بفرض عقوبات عليه وحجب وسائل التعبير العامة عنه.

 

في تموز (يوليو) الماضي، استجوبت الشرطة الفرنسية بورغا لمدة سبع ساعات قبل إطلاق سراحه، بناءً على شكوى تقدمت بها «المنظمة اليهودية الأوروبية» بسبب التغريدة ذاتِها. وللتدقيق، فما يسمّى بـ «المنظمة اليهودية الأوروبية» جمعية ذات ميول صهيونية، يقع مقرُّها الرئيسي في فرنسا، وهي معروفة بمناهضتها للأصوات المنتقدة لسياسات الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، تحت ستار «مكافحة معاداة السامية ومعاداة الصهيونية»، وملاحقة حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل.

 

يشار إلى أنَّه عند سؤال بورغا عن التهمة الموجَّهة إليه، ردَّ بسخرية: «لقد لخصت طُرْفَة أحد الأصدقاء أفكاري بشكل بارع، قال فيها: — في هذه الأيام، إذا لم توجَّه إليك تهمة دعم الإرهاب، فإنك قضيتَ حياتك هدراً».

 

وما بورغا إلَّا حالة متأخرة من حالة شخصيات بارزة في فرنسا تواجه اتهامات مماثلة. فقد سبق أن وُجهت اتهامات مماثلة إلى زعيمة الفريق النيابي لحزب «فرنسا الأبيَّة» (يسار مناهض للصهيونية) ماتيلد بانو والنائبة (ذات الأصول الفلسطينية-السورية) عن الحزب نفسه في البرلمان الأوروبي: ريما حسن.

 

وبالعودة إلى شريط الأحداث الماضية، يسعنا تفسير الحملة المنظَّمة التي تقاد الآن بشراسة ضدَّ كل صوتٍ يعبر ولو عن تعاطف في حده الأدنى مع الفلسطينيين؛ فقد أعرب فرانسوا بورغا، المدير السابق للأبحاث في «المركز الوطني للبحث العلمي الفرنسي» ومؤلف أعمال مرجعية حول العالم الإسلامي، في وقت سابق، عن استنكاره «للصمت شبه الكامل» الذي تبديه المؤسسات الجامعية والبحثية حتى الآن، معتبراً ذلك «إشارة سيئة جداً في هذا التوقيت»…

 

كما إنَّه أثناء الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة في تموز (يوليو) 2014، نشر بورغا على تويتر ـــ وفقاً لمنظمة Conspiracy Watch ــ «شعاراً يحمل أكثر نظريات المؤامرة المعادية لليهود شيوعاً»، داعياً، وفقاً للقيم العلمانية للجمهورية الخامسة، إلى «فصل المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا (CRIF) عن الدولة». وأذاعَ في الصحافة الفرنسية فكرة أنّ الـ CRIF في قلب الدولة الفرنسية و«يُملي إرادته على الجمهورية». وكانت قد بلغت ذروة انتقاد بورغا للتغلغل الصهيوني في الإعلام الرسمي والخاص الفرنسي عند إطلاقه على قنوات التلفزيون الفرنسي اسم Télavivision، في لعبة لغوية لا تخلو من طرافة في كشفها وإشارة إلى تحريك تل أبيب خيوطَ ما يجري في استوديوهات القنوات التلفزيونية الفرنسية.

 

وسبق لبورغا، في يناير كانون الثاني (يناير) 2024، أن نقل بياناً لـ «حماس» ينفي مزاعم الاغتصاب التي ارتكبها مقاتلوها، مشيداً بـ«رجولة وشرف» الهجمات التي وقعت في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023، رافضاً «أي تجريم لحركة التحرير الفلسطينية».

 

وفي بيان مشترك، أعلنت منظمات حقوقية عدة عن تضامنها الكامل مع الأكاديمي والباحث الفرنسي، مندّدة بما وصفته بـ «الاضطهاد القضائي» الذي يتعارض مع التزامات الحكومة الفرنسية في مجال حقوق الإنسان وفقاً للقانون الدولي. وبذلك تُطْرَحُ من جديد التساؤلات الجوهرية حول التوازن بين حرية التعبير ومكافحة الإرهاب، لتضع فرنسا وسائر أوروبا في قلب سياسي وقانوني حول كيفية التعامل مع الآراء المنتقدة للسياسات «الإسرائيلية» في ظل تصاعد الإبادة والتوسع الاستعماري في المشرق العربي.

 

في المحصِّلة، ما لن يغفره التيار الصهيوني المتنفِّذ في فرنسا لبورغا هو تزعُّمه لأطروحة أنّ «العنف الإسلامي» لا يأتي من الإسلام، بل هو نتيجة لتاريخ استعماري حدث خلاله إنشاء دولة إسرائيل؛ وهو ما لن تستطيع أي محكمة مهما علا شأنها ونزاهتُها أن تدحضه كوقائع تاريخية تزداد تبعتها توغّلاً في الإجرام بحق الفلسطينيين وعموم شعوب المشرق العربي.

 

 

 

أخبار سوريا الوطن١-الأخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

تشكيل الهوية في العمل الأدبي

إبراهيم أبو عواد إنَّ الهُوِيَّةَ في العملِ الأدبيِّ تَتَشَكَّل مِنَ الأحلامِ الفَردية ، والطُّمُوحاتِ الجَماعية ، والتَّجَارِبِ الشَّخصية ، والإفرازاتِ الثقافيةِ ، والعواملِ النَّفْسِيَّة ، ...