- يحيى دبوق
- الإثنين 29 تشرين الثاني 2021
تُستأنف، اليوم، في فيينا، المفاوضات الهادفة إلى إحياء الاتفاق النووي الإيراني، وسط رهان غربي، وفق ما تشي به المواقف المعلَنة، على أن طهران ستضطرّ في نهاية المطاف للعودة إلى الاتفاق تحت ضغط الحصار الاقتصادي المفروض عليها. لكن في قرارة الأمر، يَعلم الجميع، وعلى رأسهم الأميركيون، أن إيران لن تعود إلى الاتفاق إلا من دون تعديلات، وبضمانات تكفل تنفيذه. ولعلّ هذه القناعة هي التي تقف خلف تفاقم القلق الإسرائيلي، والمصحوب بتحريض متواصل على تهديد طهران عسكرياً وإشعارها بأزوف الخطر. لكن الكيان العبري يدرك أن لا مصلحة ولا قرار أميركيَين بمواجهة من هذا النوع، ولذا فإن خياره الوحيد البديل قد يكون الاستعداد، وإن من خلف الستار، لما بعد مرحلة إيران النووية
ما الذي يدفع إسرائيل إلى التهديد بتفعيل خياراتها العسكرية ضدّ البرنامج النووي الإيراني، فيما الطرفان يدركان أن ليس لدى تل أبيب أيّ خيار عسكري ناجع في مواجهة هذا البرنامج، فضلاً عن أنه ليس لدى واشنطن لا القرار ولا المصلحة في اللجوء إلى هكذا خيارات؟ وما يعزّز حراجة السؤال المتقدّم هو أن الكيان العبري دأب في المرحلة الأخيرة على تنفيذ عمليات أمنية «إزعاجية» ضدّ إيران، من دون أن يؤدي ذلك إلى إيقاف برنامجها النووي، بل على العكس، غالباً ما أعقب تلك العمليات تطوّر نووي ما.
مع هذا، لا تزال تصرّ تل أبيب على ضروري أن تُرفق واشنطن الخيار التفاوضي بالتلويح الجدّي بالخيار العسكري، والذي من شأنه – من وجهة نظر الأولى – جعْل طهران ندّاً دبلوماسياً متساوياً مع مَن يفاوضها، وخاصة أن كلّ الطرق البديلة الأخرى، غير العسكرية، كما العقوبات الاقتصادية وغيرها، لم تثنِ إيران عن مواقفها. في المقابل، لا تجد الولايات المتحدة مصلحة في التهديد بالخيار العسكري أو التحضير له، لإدراكها المسبق أن إيران لن تتراجع تحت وطأته، وهو ما يجعله بلا فائدة، بل قد يتحوّل إلى مَضرّة استراتيجية كبرى للأميركيين في المنطقة والعالم، فضلاً عن التبعات المتوقّعة لأي مواجهة عسكرية على المصالح الأميركية، في وقت ينصبّ فيه تركيز واشنطن على أماكن أخرى باتت أكثر إلحاحاً.
على رغم ما تَقدّم، تكاد التهديدات الإسرائيلية بحتمية الضربة العسكرية لإيران، لا تتوقّف، بدءاً من رئيس الحكومة، مروراً بالوزراء أنفسهم، ووصولاً إلى رئيس الأركان. وفي موازاة ذلك، يجري تظهير المساعي لامتلاك القدرات اللازمة لتنفيذ هكذا ضربة، وهو ما رُصدت له الأموال اللازمة، بحسب الإعلانات الرسمية. ولعلّ ها هنا تكمن المفارقة الأبرز؛ إذ إن إسرائيل تهدّد بما لا تملك، في الوقت نفسه الذي تلوّح فيه بامتلاكه خلال السنوات المقبلة، مع تحذيرها المستمرّ أيضاً من أن ما يفصل إيران عن العتبة النووية، ليس أكثر من ثلاثة أشهر، وفق ما ردّ به وزير أمنها، بني غانتس، على تقديرات الإعلام الغربي للعتبة المذكورة، والتي تحدّثت عن شهر واحد فقط.
تتموضع إيران في عملية التفاوض النووي، على نحو لا يبشّر إسرائيل بخير
إزاء ذلك، ثمّة رأي يقول إن التهديدات الإسرائيلية موجّهة إلى الحليف الأميركي، أكثر منها إلى إيران، على اعتبار أن نوايا تل أبيب الهجومية، وإن كانت غير ناجعة ضدّ البرنامج النووي الإيراني، إلّا أن من شأنها توريط الولايات المتحدة في ما هي منكفئة عنه، وفق السيناريو الآتي: هجوم إسرائيلي، يستدرج ردّاً إيرانياً، يؤدي بدوره إلى مواجهة واسعة بين الطرفين، يضطرّ معها الأميركيون إلى التدخّل لمصلحة حليفتهم. تبدو هذه الفرضية خياراً إسرائيلياً معقولاً، لكن في المقابل ثمّة إشكالات كثيرة كفيلة بإسقاطها، أو في الحدّ الأدنى إضعافها إلى أبعد الحدود. وعلى رأس تلك الإشكالات، يُطرح السؤال حول إمكانية تورّط أميركا في حربٍ لا مصلحة لها فيها، بل ستستجلب لها أضراراً على المستويَين التكتيكي والاستراتيجي على السواء، لا ردّاً على عمل مبادَر إليه من قِبَل أعداء إسرائيل – أي أنه يتّخذ أبعاداً وجودية – ، بل في إطار معركة بدأها الكيان العبري نفسه.
في المقابل، تتموضع إيران في عملية التفاوض النووي، على نحو لا يبشّر إسرائيل بخير. فإذا كانت تل أبيب، كما واشنطن، اعتقدتا ابتداءً أن طهران ستهرول للعودة إلى الاتفاق النووي – ولو مع تعديلات تضاعف القيود المفروضة عليها -، نتيجة العقوبات غير المحدودة ضدّها في مرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق، فإنهما الآن لا تتوقّعان تراجع إيران عن موقفها الرافض لإجراء أيّ تعديل على الخطة السابقة، والمتضمّن وضع شروط جديدة على طاولة التفاوض، تؤمّن لها معقولية عملياتية لتطبيق بنوده، وهو ما نجحت في أن تفرضه على الآخرين. ليس هذا فحسب، بل إن السمة الأبرز للتهديد العسكري الذي تطالب به تل أبيب، أي الجدّية، تُقابلها إيران بتكتيك عكسي، عبر إظهار جدّية تهديدها بعدم العودة إلى التزاماتها بموجب الاتفاق النووي، وأيضاً لاحقاً الانسحاب منه، ما لم يرضخ الأميركي لمطالبها هي، وهو ما بات مشروعاً لديها نتيجة انسحاب الولايات المتحدة من «خطة العمل المشتركة الشاملة»، فضلاً عن أن ثمّة تقبّلاً لمثل هكذا قرار – متطرّف – ، في الداخل الإيراني نفسه، بعد أن لمس الإيرانيون كافة في الماضي أن لا جدّية في تطبيق الاتفاق لدى الجهات الغربية المُوقّعة عليه، وفي المقدّمة الولايات المتحدة. باختصار، أدخلت طهران في الوعي الغربي المعادلة التالية: إمّا الإذعان لشروطها وإمّا انسحابها، وهو ما لا تريد واشنطن، في أيّ حال من الأحوال، الوصول إليه. ولعلّ هذا ما يفسّر جانباً من القلق الإسرائيلي، على خلفية عجز الولايات المتحدة عن إخفاء موقفها الفعلي وأوراق ضغطها المتواضعة في مواجهة المفاوض الإيراني. وعليه، فإن إسرائيل ستعمل، من الآن، وإن بشكل غير معلَن، على التجهيز لمرحلة انتصار أعدائها، أي لما بعد إيران النووية.
(سيرياهوم نيوز-الاخبار)