- نقولا ناصيف
- الثلاثاء 8 شباط 2022
المُقال في موقف الرئيس نجيب ميقاتي ان الانتخابات النيابية حاصلة في موعدها. اما غير المُقال فهو موقفه من نفسه: مرشح لها أم عازف كالرئيس سعد الحريري، لكن بلا حجة مقنعة ولا ارادة ملزمة؟لأنه لم يقل، حتى الآن على الاقل، أي خيار اتخذه، يقع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عند تقاطع مربك: رئيس حكومة الانتخابات في الغالب مرشح لها ورئيس لائحة مكلف اجراءها ناهيك بالاصلاحات الاقتصادية والنقدية، وفي الوقت نفسه عضو نادي الرؤساء السابقين للحكومة الذين اختار اثنان من اربعة منهم علناً العزوف: الرئيس تمام سلام اولهم، ثم الرئيس سعد الحريري. اما رابعهم الرئيس فؤاد السنيورة، فيُفترض ان يسري حكماً عليه قياس النائبة بهية الحريري، نائبة صيدا، غير المرشحة وهي رئيسة الكتلة النيابية لتيار المستقبل.
ثلاثة من اربعة في نادي رؤساء الحكومات السابقين، الموصد الابواب في وجه عضو خامس، يدورون في فلك واحد هو تيار المستقبل، بينهم رئيسه. إما اعضاء اصيلون او اعضاء حلفاء. وحده ميقاتي من خارجه وخارجهم. تجربته مختلفة عن اسلافه الثلاثة، وهو اقدمهم في السرايا. القاسم المشترك بينه وبينهم، في ناديهم، المحافظة على الصلاحيات الدستورية لرئيس مجلس الوزراء، ومنع الاعتداء عليها، والتمسك بها الى حد الاجتهاد في تفسيرها، ومطّ هذا التفسير اكثر مما يحتمل احياناً، كما لو ان النظام المنبثق من اتفاق الطائف يدور من حول رئيس مجلس الوزراء وحده. اما ما يتعدى الالتقاء على الصلاحيات، فيمكن العثور على حجج وأسباب للافصاح عن عدم الود:
أولها، تقليدي تاريخي. وهو ان زعماء المدن السنّية الثلاث، بيروت وطرابلس وصيدا، لا يهضم احدهم الآخر وهم في تنافس دائم. عندما يكون احدهم في الموالاة، فالآخر في المعارضة الى ان يصبح في السرايا، فتنقلب الآية. اعتادوا قديماً التناوب بلا استئثار.
ثانيها، تجارب معبّرة في مراحل شتى، في ما بعد عام 2005، دلت على وطأة التناقضات. لعل اكثرها وقْعاً ما حدث في كانون الثاني 2011، بعد اسقاط الثلث+1 حكومة الحريري، فترشح وميقاتي لترؤس الحكومة التالية. اذا الحريري يسجّل السابقة الاولى منذ ما بعد اتفاق الطائف، وهي خسارته التكليف والغالبية النيابية قبالة منافسه بفارق ثمانية اصوات. لم يكن سهلاً تقبّل هزيمة كهذه يحصدها الحريري رئيس الغالبية النيابية وقتذاك، المنبثقة من انتخابات نيابية تعود الى ما قبل اقل من سنتين. آل ذلك الى محاولة تيار المستقبل احراق طرابلس وبث الفوضى فيها احتجاجاً على خسارة الحريري، من دون ان يكون ميقاتي هو المسؤول عن تقويض غالبية قوى 14 آذار، بل النائب حينذاك وليد جنبلاط وكتلته.
ثالثها، ان ميقاتي كالحريري، وكالسنيورة لاحقاً، احد اكبر الاثرياء السنّة المقتدرين، القادرين على تمويل انتخابات نيابية عامة والفوز فيها، ما احاله مرجعية رئيسية في طرابلس، تحتاج قوى المدينة – كما من خارجها – الى التحالف معه او تُرغم على منافسة غير مستغنٍ عنها واياه.
عندما كُلف ميقاتي ترؤس الحكومة الحالية، كان محرّراً من اية قيود. في ما مضى، قبل ترؤسه اولى حكوماته عام 2005، كان شرط وصوله الى السرايا التعهد بعدم الترشح للانتخابات النيابية. وهو ما فعل. بيد ان الحكومة التي ألّف يومذاك، تحت وطأة صدمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، جنحت بكليتها الى قوى 14 آذار، وهو الفريق المناوىء لميقاتي المعروف منذ اول توزير له عام 1998 انه صديق شخصي للرئيس السوري بشار الاسد. اما عند تكليفه ثالثة حكوماته في تموز المنصرم، فلم يكن ثمة شرط مماثل، بل مهمة مزدوجة منوطة به هي الاصلاحات والانتخابات. لذا بدا من الطبيعي، حتى 24 كانون الثاني الفائت، ان يتحضّر الافرقاء جميعاً – بمن فيهم رئيس الحكومة – لخوض انتخابات ايار، الى ان فاجأهم الحريري – بعدما فوجىء هو بنفسه – بما يتجاوز الخروج من الانتخابات، وهو اعتزال الحياة السياسية بعنوان تعليقها.
للتو فُهِمَ من خيار كهذا، من باب الاستنتاج والاستطراد المنطقي، ان زعيماً سياسياً وقائد طائفة لا يمكن ارغامه على قرار في وطأة ذاك، الا اذا صدر عن مرجعية من القوة والنفوذ والتغلغل في الطائفة يسعها ان تفرض على زعيمها هذا الرضوخ لارادتها. بَانَ اول تفسير للصدمة كأن الطائفة السنّية برمّتها مدعوة الى الخروج من الانتخابات النيابية ومقاطعتها، وليس زعيمها المُعاقَب ربما. لاحقاً سارع قادتها الى بث ارادة معاكسة للمقاطعة التي اوحى بها قرار الحريري، بتأكيد مشاركة السنّة وانخراطهم في الانتخابات. القصاص هو لتيار المستقبل ورئيسه وعائلته ليس الا. فُهم السبب، فبطُل العجب.
اعتزال الحريري يحيل ميقاتي المرجعية السنّية الاولى والمرشح الوحيد لحكومة ما بعد الانتخابات
منذ صدمة الحريري، لاذ ميقاتي بالصمت بإزاء خياره. الرجل ليس في تيار المستقبل كي يسري عليه القرار. ليس ايضاً جزءاً من المشكلات الشخصية والمالية التي تخبط فيها سلفه، كي يكون معنياً بما فعل ذاك. مع ذلك، لم يفصح رئيس الحكومة عن قرار ترشح او عزوف. اما ما يتجاوز الاسباب هذه، فهو انه بات الآن، في ظل المعطيات الجديدة، المرجعية السنّية الرسمية والسياسية ليس الاولى فحسب، بل الوحيدة، ناهيك بأنه يترأس حكومة الانتخابات النيابية. هو مكلف اجراءها، وفي الوقت نفسه يمسك بمفاتيحها من خلال وزير للداخلية طرابلسي محسوب عليه. يُزاد الى ذلك انه اضحى مرجعية رئيسية في مسقطه، من غير ان يكون الوحيد. لا يسهل عليه التخلي عن قاعدته السنّية اولاً، وتحالفاته الانتخابية التي اعتاد عليها منذ انتخابات 2009، كما على ترؤس لوائحها.
ثمة دوافع اضافية تجعله معنياً بأن يكون حاضراً في الاستحقاق:
1 ـ ضغوط دولية وعربية، قطباها الرئيسيان باريس والقاهرة تدعوانه الى الانخراط في انتخابات ايار. ناهيك بضغوط سنّية داخلية في السياق نفسه. ليس رئيس البرلمان نبيه برّي بعيداً من تشجيعه على الترشح كذلك، لكسر وطأة قرار الحريري.
2 ـ الخشية التي تقاسمه اياها دار الافتاء، وهي تجنّب تفلت الاقتراع السنّي المنتشر في معظم الدوائر الانتخابية، بحيث لا «ينهبه» الافرقاء الآخرون ويسيطرون عليه، بغية اكسابهم مقاعد اضافية تكون جزءاً لا يتجزأ من حيثياتهم هم. اقرب ما تكون الى عصي مشكوكة في كتلهم.
3 ـ سلفاً اضحى ميقاتي، في ظل الامر الواقع المستجد، الرئيس المكلف تأليف اولى حكومات ما بعد الاستحقاق. هو الوحيد، المحاور والمفاوض والمتحالف معه، المرشح لملء الشغور السنّي الذي خلّفه خروج الحريري من اللعبة السياسية حتى اشعار آخر. وهو تالياً سيكون معنياً بقيادة طائفته في المرحلة المقبلة ابان انتخابات رئاسة الجمهورية.
(سيرياهوم نيوز-الاخبار)