آخر الأخبار
الرئيسية » عالم البحار والمحيطات » طرطوس بوابة المتوسط.. الاستثمار الإماراتي إعادة هندسة الجغرافيا الاقتصادية لسوريا.. خبير اقتصادي بحري يجري جردة حساب مسبقة لاستثمار المرفأ

طرطوس بوابة المتوسط.. الاستثمار الإماراتي إعادة هندسة الجغرافيا الاقتصادية لسوريا.. خبير اقتصادي بحري يجري جردة حساب مسبقة لاستثمار المرفأ

وقّعت الحكومة السورية اتفاقاً استثمارياً مع شركة “موانئ دبي العالمية” بقيمة 800 مليون دولار، يهدف إلى تطوير ميناء طرطوس، وتوسيعه و تحقيق جملة من الإضافات التي من شأنها تحويل المرفق إلى عقدة لوجستية إقليمية.
وفي تصريح لصحيفتنا ” الحرية”، يرى الخبير الاقتصادي الدكتور سلمان ريا، وهو أكاديمي بحري متخصص، أن هذا المشروع لا يقتصر على إعادة تأهيل البنية المرفئية وفق المعايير التقنية الحديثة، بل يُجسّد توجهاً اقتصادياً أعمق لإعادة صياغة موقع سوريا في النظام التجاري الإقليمي والدولي، عبر توظيف الجغرافيا واستثمارها كأصل اقتصادي ذي طابع استراتيجي.

د. ريا: مرفأ طرطوس نقطة عبور ومنصة تجميع ومحور لتوزيع البضائع العابرة بين الخليج وآسيا وأوروبا

محور إقليمي

ويعتبر الدكتور ريا أن ميناء طرطوس الذي لطالما ظلّ في موقعٍ هامشي أمام مرافئ كبرى كحيفا وبورسعيد ومرسين، يدخل اليوم، مع الاتفاق الجديد مرحلة إعادة إنتاج وظيفته ضمن سلاسل القيمة العالمية.
إذ لا يُعاد بناؤه بوصفه منفذاً بحرياً فحسب، بل باعتباره نقطة عبور، ومنصة تجميع، ومحوراً لتوزيع البضائع العابرة بين الخليج وآسيا وأوروبا. وتقوم الرؤية التشغيلية الجديدة على تحديث منظومة المناولة، وبناء مناطق صناعية وتجارية حرّة، وتوفير بيئة داعمة للخدمات المرافقة ذات القيمة المضافة، في إطار بنية تحتية متكاملة تهدف إلى تخفيض الكلفة الحدّية للتجارة، ورفع الكفاءة اللوجستية، وزيادة القدرة التنافسية.

يسهم المشروع في توليد فرص عمل مباشرة وغير مباشرة.. وفي تحفيز قطاعات النقل البحري والبري والخدمات اللوجستية والتأمين والتخليص الجمركي

رهان على المستقبل

وينظر الخبير الاقتصادي البحري إلى الاستثمار الإماراتي في ميناء طرطوس على أنه يُعبّر عن مقاربة اقتصادية مدروسة، ترى في سوريا عمقاً جغرافياً يُمكن إعادة تفعيله ضمن شبكات التجارة الإقليمية.
كما يأتي في سياق استراتيجية أوسع تتبناها الإمارات للتموضع في مفاصل سلاسل الإمداد العالمية، بما يتجاوز الاعتماد التقليدي على موارد الطاقة.
والمشروع، في جانب منه، هو رهان على المستقبل، لا يخلو من المخاطرة السياسية، لكنه يعكس ثقة مدروسة بإمكانية استعادة الاستقرار النسبي، وتهيئة بيئة استثمارية تدريجية تسمح بتدوير العوائد وتحقيق ربحية متنامية مع مرور الزمن.

يُسهم المشروع في إعادة توزيع مراكز الجذب المرفئي في المنطقة.. ويمنح سوريا فرصة لاستعادة موقعها كبوابة طبيعية بين اليابسة العربية والبحر

فرص عمل

من ناحية الأثر الاقتصادي، يتوقّع د. ريا أن يسهم المشروع في توليد فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، وفي تحفيز قطاعات النقل البحري والبري، والخدمات اللوجستية، والتأمين، والتخليص الجمركي، فضلاً عن رفع الإيرادات السيادية للدولة من رسوم الرسو، والتخزين، والمناولة، والضرائب المرتبطة بالنشاط التجاري. كما إن المناطق الحرة الجديدة تُعد رافعة استثمارية واعدة لجذب الشركات التي تبحث عن نوافذ لوجستية في الحوض الشرقي للمتوسط، بما يعزز من مؤشرات التجارة عبر الحدود ويحسّن مناخ الأعمال على المدى المتوسط.

استثمار الموقع

على المستوى الاستراتيجي، يستبشر الخبير ريا، بأن يُسهم المشروع في إعادة توزيع مراكز الجذب المرفئي في المنطقة، ويمنح سوريا فرصة لاستعادة موقعها كبوابة طبيعية بين اليابسة العربية والبحر.
وإذا ما تمّ استكمال الربط بين الميناء وشبكات الطرق العابرة للحدود، والموانئ الجافة الداخلية، فإن طرطوس قد يتحوّل إلى منصة عبور متكاملة، لا تقل فاعلية عن مرافئ إقليمية منافسة. غير أن نجاح هذا المشروع يظل مشروطاً بجملة من العوامل، في مقدمتها الاستقرار السياسي، ومرونة البيئة التنظيمية، وفعالية البنية القانونية والإدارية في تأمين الشفافية وضمان الحقوق التعاقدية.

تطوير ميناء طرطوس ليس مجرد تحديث للبنية التحتية.. بل هو خطوة في مسار أوسع لإعادة تعريف موقع سوريا الاقتصادي.. وتثبيت حضورها في معادلة التجارة العالمية

سباق إقليمي

الاستثمار في المرافئ ليس نشاطاً محايداً، بل فعل جيو- اقتصادي بامتياز، تُعاد من خلاله صياغة الخرائط والمصالح. ومن هذه الزاوية، يعتبر الخبير الاقتصادي البحري أن دخول موانئ دبي العالمية إلى طرطوس ليس مجرد صفقة تشغيلية، بل جزء من سباق إقليمي على النفوذ البحري، تتداخل فيه حسابات التجارة بالاستراتيجية وفي المقابل، يُمثل المشروع نافذة لسوريا لإعادة بناء نموذج اقتصادي أكثر انفتاحاً ومرونة، يتجاوز الاقتصاد الريعي، ويؤسس لمرحلة إنتاجية قوامها التخصص والتكامل والربط الإقليمي.

حضور تجاري عالمي

بهذا المعنى، وفقاً للخبير ريا، فإن تطوير ميناء طرطوس ليس مجرد تحديث للبنية التحتية، بل هو خطوة في مسار أوسع لإعادة تعريف موقع سوريا الاقتصادي، وتثبيت حضورها في معادلة التجارة العالمية.
وإذا ما أحسن استثماره ضمن رؤية وطنية شاملة، فإنه قد يُصبح أحد أعمدة النهوض الاقتصادي في مرحلة ما بعد الأزمة، لا بوصفه مشروعاً تقنياً، بل كأداة سيادية تعيد للسوريين موقعهم المستحق على خريطة المتوسط.

اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية
x

‎قد يُعجبك أيضاً

تحذيرات من كارثة بيئية بعد غرق “ماجيك سيز” و”إتيرنيتي سي” في ‏البحر الأحمر

  حذّر وزير النقل اليمني من كارثة بيئية تهدّد التنوع البيولوجي والثروة ‏السمكية في البحر الأحمر، بعد غرق السفينتين “ماجيك سيز” ‏و”إتيرنيتي سي” إثر استهدافهما ...