مالك صقور
عندما انعقد المؤتمر الخامس والعشرون للحزب الشيوعي السوفييتي في موسكو من 24 شباط -إلى 5 آذار عام 1976 ، انتشرت إشاعة أسرع من النار في الهشيم اليابس ..تداولها كل الناس ، وكانت ( النكتة) لاسيما ، النكتة السياسية تشكل “ظاهرة “تستحق الوقوف عندها . وفي المثل الروسي : ” في كل نكتة ظل حقيقة ” .. تقول الشائعة – الطرفة – القصة :
..” دعا قادة الحزب الشيوعي السوفييتي إلى المؤتمر الخامس والعشرين مؤسسي الشيوعية والثورة الإشتراكية : كل من كارل ماركس و فريدريك إنغلز و فلاديمير لينين وستالين .. وكانت قيادة الحزب ستفتخر أمام الزعماء المؤسسين بالإنجازات العظيمة التي حققها الحزب والشعوب السوفييتية .. فبكل فخر عرض الأمين العام ليونيد بريجنف هذه الإنجازات ، قائلاً : هذا ما أنجزه الأبناء والأحفاد بفضلكم و بفضل نظريتكم وإرشادكم :
– لقد حافظنا على الثورة ، ومبادئ الإشتراكية .
– تم تطبيق الإشتراكية في عموم جمهوريات الإتحاد السوفييتي التي لا تغيب عن أراضيه الشمس . ونسعى إلى تحقيق المرحلة العليا من الإشتراكية ألا وهي الشيوعية .
– في الخطة الخمسية الأولى ، في عام 1931 تم تصنيع ثلاثة ملايين جرار، في مصانع بناها الكومسمول (شبيبة الثورة ) ، وكانت معجزة التصنيع الستاليني ..وضرب بريجنف مثلا ً عن رواية شولوخف ” الأرض البكر حرثناها ” .
– تم القضاء على الأمية في عموم البلاد ، واستشهد بقصة جنكيز إيتماتوف ” المعلم الأول “.
– نجاح تجربة الكلخوزات ( الجمعيات الفلاحية التعاونية ) وكذلك نجاح تجربة السفخوزات ( الجمعيات الفلاحية التعاونية الحكومية ) ..
– تطوير التربية والتعليم ، حتى أصبحت مناهج التعليم أفضل مناهج في العالم كله ، باعتراف اليونسكو ، والجهات المختصة .
– انتصار الإتحاد السوفييتي على النازية والفاشية ..وتم نصب العلم الأحمر على الرايخ مقر هتلر ..
– تأسيس حلف وارسو .. الذي لجم الناتو ، وشكل قوة ردع ضد الغرب الإمبريالي .
– تشكيل منظومة الدول الإشتراكية .. وهي خير مثال لتطبيق الإشتراكية وفق ظروف كل بلد ، وقد حققت المساواة والعدالة الاجتماعية ، والتقدم والازدهار .
– تفوق الإتحاد السوفييتي في غزو الفضاء . فكان رائد الفضاء يوري غاغارين أول إنسان يغزو الفضاء ,
– تطوير البحث العلمي ، في كافة المجالات : العلوم الإنسانية ، والعلمية والطبية والصناعية والزراعية . وبناء الجامعات والمعاهد بأنواعها ، العالية والمتوسطة .
– التعليم المجاني من مرحلة رياض الأطفال حتى الدراسات العليا .
– تم تأسيس جامعة الصداقة باسم المناضل الإفريقي باتريس لومومبا . إذ استقبلت آلاف الطلبة من كل أنحاء العالم وتعليمهم مجاناً ولا جزاءً ولا شكورأ .
– الطبابة المجانية ، والدواء بثمن رمزي شبه مجاني .
– تأسيس أعظم مترو أنفاق في العالم ، وتعتبر كل محطة فيه متحف هائل ..( ندعو القادة لزيارته ) ..بالإضافة إلى النقل شبه المجاني : 3 كبيك ( ثلاثة قروش) أجرة الترام . 4 كبيك أجرة الباص الكهربائي ( التريللي باص ) ، 5 كبيك أجرة المترو .وهذا ينطبق على أجور القطارات والطائرات ..
– القضاء على البطالة . وتأمين مستقبل الشباب : في التعليم ، وفي العمل ، وتكافؤ الفرص ..
– تقديم المساعدات الغذائية ( القمح مثلاً) ، والعسكرية لثمانين بلد من البلدان النامية ” العالم الثالث ” .
– دعم حركات التحرر الوطنية العالمية .
– تقديم الدعم المادي ل كوبا ..أربعة مليارات دولار كاش سنويا ..
– تعميم الثقافة من خلال طباعة ملايين النسخ من الكتب . وظاهرة القراءة من أهم الظاهرات في المدن والقرى السوفييتية ..في القطار ، في الترام ، في المترو ، في كل مكان .. ولا يمكن أن تدخل بيتا إلا وتجد فيه مكتبة عامرة ، والجدير بالذكر أسعار الكتب رمزية مثل أسعار الدواء ..
وطال عرض وسرد بريجنيف للمنجزات علّه يفوز برضا القادة العظام الأربعة .. ظناً منه ، أنهم سيشكروه ، ويثنون عليه . .إلا أن ماحصل لم يكن متوقعاً.. ففي الاستراحة .. فجأة ، اختفى القادة الأربعة .. كأنهم حفنة ملح وذابت .. فاضطرب بريجنيف ورفاقه ، واستنفر أندروبوف رئيس ( ال كي جي ب ) ورهط من المخابرات المحترفة ، وبدأوا البحث عن القادة الأربعة العظام ..وفي مجمع أو مصنع سيارات الزيل وجدوا ماركس وخلفه إنغلز ، يلقي خطابا أمام العمال ، وهم ينظرون إليه منبهرين مشدوهين لا يصدقون أن هذا الذي أمامهم هو ماركس مؤسس الشيوعية ، ومع دخول أندروبوف ، أنهى ماركس خطابه قائلاً :
يا عمال العالم سامحوني .. ( طبعاً ، هو من أطلق شعار : ياعمال العالم اتحدوا )
وطال البحث عن لينين , وبعد ذلك، وجدوه في محطة القطارات ، يحجز تذكرة .. وقبل أن يكلمّه أندربوف ، فاجأه لينين بقوله : أنا ذاهب إلى فلندا للتحضير للثورة ، من جديد ..
أما ستالين فلم يبتعد كثيرا عن الكرملين ، كان واقفاً أمام ضريح لينين في الساحة الحمراء وحوله حشد كبير من مؤيديه ، ولحظة وصول أندروبوف إليه ، كان يقول :” لايمكن بناء الشيوعية آخر مراحل الإشتراكية ..مادام الإمبريالية والصهيونية تعربدان في العالم ..”
تذكرت هذه الطرفة – القصة – العبرة .. عندما انعقد المؤتمر القومي العربي بدورته الثالثة والثلاثين في بيروت .. وتمنيت لو أن المناضل العربي العروبي المقاوم الأخ حمدين صباحي فعل كما فعل القادة السوفييت ، ودعا إلى مؤتمره المهم الذي هو أكثر من شمعة ، لا بل منارة في عصر الظلام العربي .. لو دعا ، وأتمنى أن يدعو إلى المؤتمر القومي العربي الرابع والثلاثين كل من : رواد النهضة العربية و رواد القومية العربية و أبطال الوحدة العربية ، والقوميين العرب ، والقوميين السوريين والناصريين وأوائل البعثيين و .. أذكر منهم : رفاعة الطهطاوي و أديب اسحق و أحمد فارس الشدياق و أحمد لطفي السيد و وقاسم أمين و فرح أنطون وخير الدين التونسي و شكيب أرسلان و عبد الرحمن الكواكبي و وجمال الدين الأفغاني ومحمد عبدو وساطع الحصري وبطرس البستاني و عبد الحميد الزهراوي و أنطون سعادة وناصيف اليازجي وسلطان باشا الأطرش و صالح العلي و إبراهيم هنانو و يوسف العظمة وعمر المختار وجمال عبد الناصر ..وزكي الأرسوزي ..
أليس من الأهمية بمكان ، أن يعرف هؤلاء الرواد ماذا حقق الأبناء والأحفاد ؟!؟!
فإذا لم يرض القادة الأربعة عن القيادة السوفييتية ، بعد كل هذه الإنجازات الكبيرة ؛ فماذا عن رواد النهضة ، والقوميين السوريين والقوميين العرب ، وماذا سيكون رأيهم بعد كل هذه الهزائم ، وبعد كل هذه الفجائع ، وبعد كل هذا التشرزم وبعد القضاء المبرم على مشروع النهضة العربي ومشروع القومي العربي ، وبعد كل هذه الخيبات ؟! ماذا سيقولون لنا ؟
وهل سيقولون لنا : سامحونا .. أم سيلعنوننا لعنة ماحقة أبدية .. أزلية ويتبرأون منا .. إلى يوم الدين ..وهذا أقل ما يجب أن يفعلوه ..
اخيراً أقول:صدق أو لا تصدق عزيزي القارئ في ضوء ماتقدم ..لكن:
ليَبْلُوَكُم أيٌكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً : قارنوا يا أولي الألباب.
فما هو رأيكم دام فضلكم ..
(موقع أخبار سوريا الوطن-١)