آخر الأخبار
الرئيسية » حول العالم » طريق الرهان على إسرائيل مسدود | روسيا والصين ونحن: هكذا تتقاطع المصالح

طريق الرهان على إسرائيل مسدود | روسيا والصين ونحن: هكذا تتقاطع المصالح

 

وليد شرارة

 

 

«تسلّل» المنافسين الدوليين للولايات المتحدة، وعلى رأسهم روسيا والصين، إلى الشرق الأوسط، كان من بين التطورات التي أقلقت الإدارات المتعاقبة في الولايات المتحدة في أثناء العقد الأخير. صحيح أنّ هذه الإدارات أعلنت جميعها أنّ التصدّي لصعود بكين هو أولويّتها الأولى للحفاظ على موقع واشنطن المهيمن على رأس هرم النظام الدولي، غير أنها كانت تدرك أيضاً أنّ تلك الهيمنة العالمية تستند إلى السيطرة الأميركية على الأقاليم ذات الأهمية الاستراتيجية، وبينها إقليمنا. ليس من المبالغة القول إنّ الحرب المسعورة الإسرائيلية – الأميركية – الغربية على الشعب الفلسطيني وعلى قوى المقاومة الدولتية وغير الدولتية في الإقليم، ابتغت تحقيق عدّة أهداف، في مقدّمها القضاء على جميع القوى المذكورة إن كان ذلك ممكناً، أو إضعافها إلى الحدّ الأقصى، ولكنها رمت أيضاً إلى إعادة «الحلفاء التقليديين» إلى بيت الطاعة الأميركي، بعدما اتّضح ميلهم المتدرّج، ولكن المتزايد، إلى تنويع الشراكات مع الأطراف الدولية. بكلام آخر، «العصا الغليظة» الإسرائيلية، التي أكّدت هذه الحرب مرة أخرى ارتباطها العضوي والوجودي بالمركز الإمبريالي الأميركي، لم تُستخدم فقط ضدّ مَن تصنّفهم واشنطن أعداء، بل كذلك لتطويع «الأصدقاء»، وحملهم على الانصياع لإملاءاتها، وبينها وقف تنامي علاقاتهم المتعدّدة المجالات مع بكين وموسكو. ومن هنا، لن يكون من خيار أمام إسرائيل، سوى الوقوف مع الولايات المتحدة في مواجهتها الاستراتيجية مع هاتين القوّتَين الدوليتَين، وهو ما سيترك تداعيات على موقفهما من الكيان، وإن على المدَيين المتوسّط أو البعيد.

 

قرار روسيا والصين بالعودة إلى تأدية دور سياسي مباشر، وإن بدرجات متفاوتة، في الشرق الأوسط، ارتبط بسياقات جيوسياسية، سِمتها الأبرز اعتماد الولايات المتحدة استراتيجية عدوانية حيالهما تسعى إلى احتوائهما في جوارهما القريب، ووقف صعودهما كقوى دولية منافسة. نسجت الدولتان، منذ عقود، علاقات اقتصادية وتجارية مع جميع دول الإقليم بلا استثناء، لكنهما امتنعتا لمدّة طويلة عن تأدية دور سياسي لعدم استفزاز واشنطن، في إقليم تَعدّه الأخيرة «منطقة مصالح قومية حيوية» لها، وفقاً للتعبير الرائج في التقارير الرسمية الاستراتيجية الأميركية. لكن خطاب الرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما، عن الاستدارة نحو آسيا في أواخر 2012، الموجّه ضدّ الصين، والانقلاب المدبّر من الغرب في أوكرانيا في 2014، الذي تلاه التدخّل الروسي في القرم وفي شرق هذا البلد، هما تطوّران دفعا الدولتين إلى اتّباع مقاربة جديدة في تعاملهما مع الولايات المتحدة.

 

لا يمكن فصل التدخّل الروسي في سوريا سنة 2015، عمّا جرى قبل عام من ذلك التاريخ في أوكرانيا. والأمر نفسه ينسحب على الصين التي بدأت تجاهر بمعارضتها للسياسة الأميركية العدوانية تجاه إيران وسوريا، ولم تتردّد في التوسّط بين السعودية وإيران لتطبيع العلاقات بينهما، وهو ما تُوّج باتفاق بكين في 2023. وقد استفادت القوّتان الدوليتان في الواقع من وجود طلب على دورهما، من قبل أطراف محور المقاومة المناهض للسيطرة الأميركية، ومن قبل حلفاء الولايات المتحدة التقليديين أيضاً.

 

لقد أتى تعزيز العلاقات بين كل من روسيا والصين من جهة، وإيران من جهة أخرى، على سبيل المثال لا الحصر، ردّاً على سياسات أميركية معادية تجاه الدول الثلاث، وإن بقيت هذه العلاقات محكومة إلى الآن بسقف لا يرقى إلى مستوى التحالف الاستراتيجي الذي يجمع الولايات المتحدة بحلفائها الإقليميين وفي طليعتهم إسرائيل. أمّا دول الإقليم الصديقة لواشنطن، كتركيا والسعودية ومصر، فقد اتّجهت إلى توثيق صلاتها ببكين وموسكو، نتيجة لقناعتها بالتراجع النسبي، ولكن المستمرّ، للنفوذ الأميركي على صعيد عالمي، ولأزمات الثقة المتكرّرة بينها وبين الأميركيين منذ أكثر من عقد، وأيضاً لرغبتها في تنويع الشراكات في علاقاتها الخارجية لما يحقّقه ذلك من مكاسب، وهو ما بات يمثّل ميلاً متعاظماً لدى بلدان الجنوب يسمى بلغة العلاقات الدولية «التحوط» (Hedging). ثمّ أتت الأزمة الأوكرانية لتظهر أنّ دول الإقليم بمجملها، باستثناء الكيان الصهيوني، ترفض الانصياع للإملاءات الأميركية في ما يتعلّق بالعقوبات على روسيا؛ وأنها، عبر تمسّكها باتفاق «أوبك +» الذي حافظ على أسعار مرتفعة للنفط، أتاحت لموسكو القدرة على الاستمرار في تمويل مجهودها الحربي. ومن البديهي أنّ مثل تلك التطوّرات تتناقض مع المصالح الاستراتيجية لواشنطن.

 

أمّا بالنسبة إلى إسرائيل، فإنّ اعتبارات سياسية واقتصادية وتكنولوجية تحكم علاقات روسيا والصين معها. كثيراً ما يذكّر بعض المسؤولين في روسيا بالعلاقات التاريخية والإنسانية التي تجمع بينها وبين الكيان الصهيوني، وأوّلها وجود حوالي المليون من الناطقين بالروسية فيها. قد يكون هذا المعطى من بين الأسباب التي تحمل موسكو على الحرص على هذه العلاقات، لكن هناك معطيات أخرى تفسّر ذلك، كَرِهانها على عدم نقل إسرائيل لتكنولوجيا عسكرية متطوّرة إلى الطرف الأوكراني، أو على قيام اللوبي الصهيوني في الغرب، بحملات لصالحها لتخفيف العداء المسعور المستشري ضدّها في بلدانه. كما هناك أيضاً الصلات المالية الوطيدة بين بعض قطاعات النخب الاقتصادية الروسية والإسرائيلية.

 

على أنّ مثل هذه الرهانات ستخيب في حال احتدام الصراع في أوكرانيا بين روسيا والغرب، لأنّ إسرائيل لا تملك ترف المضيّ في سياسة النأي بالنفس حياله. كما أنّ ارتفاع حدّة المواجهة بين الصين والولايات المتحدة سيضطر الكيان للتموضع إلى جانب راعيه الأكبر؛ ولن تحول الاستثمارات الصينية في قطاعات مختلفة من الاقتصاد الاسرائيلي، ولا حتى في المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة، والحال هذه، دون التزام إسرائيل بالأجندة الاستراتيجية الأميركية. وعليه، فإنّ محاولة الحفاظ على علاقات مميزة مع كيان بات أكثر ممّا كان عليه في أي مرحلة سابقة، محمية أميركية، باعتراف الكثير من الخبراء والمحلّلين الصهاينة، ستبوء بالفشل حتماً، ولو بعد حين.

 

 

 

أخبار سوريا الوطن١- الأخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

مغادرة 80 ألفاً في عام واحد: إسرائيل تتلمّس «إنذاراً وجودياً»

  يحيى دبوق     للمرّة الأولى منذ قيامها، لم تَعُد إسرائيل تعتمد في نموّها السكّاني على الهجرة، بل على الولادات وحدها، في حين تحوّلت ...