تشهد الساحة المصرفية السورية لحظة فارقة، قد تمهد الطريق لإنهاء سنوات العزلة مع عودة الاتصال بشبكة سويفت، وزيارة بعثة صندوق النقد الدولي، فالتصريحات الإيجابية لحاكم المصرف المركزي الدكتور عبد القادر حصرية تعزز الآمال بوضع إطار تنظيمي جديد، لكن الطريق نحو الاندماج المالي العالمي ليس مفروشاً بالورود، بل هو محفوف بتحديات هيكلية عميقة تتطلب معالجة جذرية، بدءاً من استعادة الثقة وصولاً إلى تحديث البنية التحتية ومكافحة الفساد.
وتبرز الحاجة الملحة لوضع إطار تنظيمي جديد، لكن هذا الإطار لن يكتب له النجاح ما لم يتمكن من بناء جسور الثقة المفقودة، ليس فقط مع البنوك العالمية، بل الأهم من ذلك، مع المودعين والمتعاملين السوريين، في ظل تحديات هيكلية عميقة تتطلب إصلاحات شاملة وجريئة.
فجوة الثقة والبنية التحتية المتقادمة
ويرى الباحث في الشؤون الاقتصادية والسياسية المهندس باسل كويفي في حديث لـ “الحرية” أن التحديات المباشرة لإعادة تفعيل المراسلة المصرفية تتمثل في مواجهة “فجوة الثقة” مع البنوك العالمية، فالبنوك الأجنبية لا تزال ترى مخاطر قانونية في التعامل مع القطاع المصرفي، وتتطلب ضمانات قوية قبل إعادة بناء العلاقات، هذا يستدعي أن يتجاوز الإطار التنظيمي الجديد الحدود المحلية لإثبات الشفافية والالتزام الفعلي على أرض الواقع، ونقل صورة إيجابية وعملية للجهود الإصلاحية في القطاع المصرفي، وخاصة المصارف العامة.
كما يبرز الحذر من البنية التحتية التقنية المتقادمة كعقبة رئيسية كما يصفها كويفي، فأنظمة وتجهيزات العديد من المصارف السورية تحتاج إلى تحديث جذري لتتوافق مع معايير الأمان والتشغيل العالمية (مثل معايير سويفت) التي تطورت بشكل كبير خلال فترة العزلة والعقوبات، هذا يعني أن إصلاح البنية التحتية ليس خياراً بل ضرورة، ويجب أن يتضمن الإطار التنظيمي خططاً وموازنات محددة تأخذ بعين الاعتبار الظروف الاستثنائية التي مرت بها سوريا، بما في ذلك طي ملفات المتعاملين المتعثرين الذين تضررت ممتلكاتهم كلياً أو جزئياً، وتحديث الأنظمة الرقمية والأمن السيبراني.
عقبات هيكلية أعمق
إلى جانب التحديات المباشرة، يؤكد الباحث كويفي أن القطاع المصرفي يواجه تحديات هيكلية أعمق تشكل أرضية الواقع التي يجب أن يبنى عليها الإطار التنظيمي الجديد، ومن أبرز هذه التحديات:
– بناء الثقة الداخلية، حيث ضعفت ثقة المودعين والمتعاملين بشكل كبير بسبب الضربات القوية التي تعرض لها القطاع المصرفي، ما أدى إلى انحياز شريحة واسعة من المواطنين نحو التعامل النقدي.
– منافسة شركات الصرافة، حيث شكلت شركات الصرافة والتحويلات الممر الرئيسي لتجاوز العقوبات خلال فترة سابقة، ما أوجد منافسة قوية للبنوك ويستدعي حوكمة هذه الشركات لضمان الامتثال.
– استقلاليته بسبب التدخل الحكومي، ما يؤثر في قدرته على اتخاذ قرارات تجارية ومخاطرة مستقلة وفق المعايير الدولية. وهذا يتطلب قوننة وحوكمة مستدامة لعمل البنوك والشركات التابعة لها.
الاستقرار والإرادة والإصلاح الشامل
يرى المهندس كويفي أن خطوة إعداد إطار تنظيمي جديد تعتبر ضرورية وتكتيكية صحيحة في الوقت الحالي، وخاصة مع وجود دعم فني دولي محتمل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، لكن نجاح هذا الإطار في جذب البنوك العالمية والنهوض الاقتصادي سيعتمد على أمور جوهرية أبرزها:
1. الاستقرار والأمن المستدام.
2. إعادة تحديث القوانين وترسيخ سيادة القانون.
3. معالجة آثار الحرب والظروف الاستثنائية في سوريا من حيث الأضرار والإعفاءات اللازمة.
4. مكافحة الفساد بشكل تام.
5. الإرادة والإدارة التي تثبت مدى سرعة وجدية معالجة التحديات الهيكلية العميقة داخل القطاع المصرفي، وقدرتها على نقل التقدم الإصلاحي بصورة مقنعة وشفافة للشركاء الدوليين، وبناء جسور الثقة التي دمرتها الحرب والعقوبات.
ويؤكد كويفي أن الإطار التنظيمي يشكل الوعاء الضروري، لكن محتواه من الإصلاحات الجوهرية والثقة التي سيولدها هما العامل الحاسم في إعادة دمج سوريا مالياً مع العالم.
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية
syriahomenews أخبار سورية الوطن
