محمد نور الدين
تقدّمت تركيا، أخيراً، بطلب للانضمام إلى مجموعة دول الـ«بريكس»، يُتوقّع، في حال قبوله، أن يشارك الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، في قمّة المجموعة المزمع عقْدها بين الـ22 والـ24 من تشرين الأول المقبل، في مدينة قازان، عاصمة تتارستان الروسية. ومع أن أنقرة لم تعلن رسميّاً التقدّم بطلب العضوية، إذ إن نائب الرئيس الروسي، يوري أوشاكوف، هو مَن كشف عن الأمر، غير أن قبوله سيعني انضمام أوّل دولة «أطلسية» إلى حلف «دول الجنوب». ومن شأن ذلك أن يضاعف من عوامل التوتّر المتراكمة بين تركيا والولايات المتحدة، من جرّاء التقارب التركي مع دول وقوى معادية للغرب، على رأسها روسيا وإيران، وخصوصاً بعد انفجار الحرب في أوكرانيا والعقوبات الشاملة التي فرضها الغرب على موسكو، وامتنعت أنقرة عن الالتزام بها. والجدير ذكره، هنا، أن عدد دول الـ«بريكس» يبلغ 10، هي: الدول المؤسّسة، أي روسيا، الصين، الهند، البرازيل وجنوب أفريقيا، إلى جانب مصر، السعودية، الإمارات، إثيوبيا وإيران، التي انضمّت إلى المنظمة مطلع العام الجاري.ووفقاً لوزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، فإنه لا توجد في النظام الداخلي للـ«بريكس» قيود على انضمام أيّ دولة، حتى وإنْ كانت منضوية في إطار «الأطلسي». لكن ثمة خصوصية مهمّة، بحسب لافروف، وهي أنْ «تتقاسم الدول التابعة للبريكس قيماً مشتركة. ومثال على ذلك، أنه في وقت تدعم فيه دول الاتحاد الأوروبي، أوكرانيا، يجب ألّا تَظهر النزعة المتطرّفة في أوكرانيا كما لو أنها قيمة أساسية لأوروبا». ومنذ نشوب الحرب الأوكرانية، تتّبع أنقرة موقفاً متوازناً من الصراع بين موسكو وكييف، فيما لم يستخدم المسؤولون الأتراك في التصريحات التي أطلقوها في أعقاب طلب الانضمام إلى الـ«بريكس»، أيّ عبارات معارضة لـ«الناتو» أو الاتحاد الأوروبي، وهو ما فتح على تأويلات متعدّدة، أَظهرت أن طلب الانضمام لا يحظى بإجماع داخلي تركي، لا سياسيّاً ولا اقتصادياً.
وفي هذا الجانب، يلفت محمد علي غولر، في صحيفة «جمهورييات»، بدايةً، إلى رأي الرئيس البرتغالي مارسيلو دي سوزا، الذي قال: «العالم بعد الانتخابات الأميركية، وبغض النظر عمَّن سيفوز، سيكون مختلفاً. لن يكون موقف روسيا والهند وجنوب أفريقيا والبرازيل وتركيا هو نفسه. نحن في بداية دورة تاريخية جديدة». ووفقاً لغولر، فإن «هذه القاعدة تنطبق على تركيا، مع ملاحظة أن الأخيرة تقوم بمفاوضات خجولة ومساومات مع مجموعة البريكس»، إلى درجة أنها لم تعلن رسميّاً بعد ما إذا كانت تقدَّمت بطلب العضوية. وهذا، برأيه، «كافٍ لنفهم أن حكومة إردوغان تَنظر إلى البريكس ومنظمة شنغهاي من منظور تكتيكي وليس إستراتيجيّاً، إذ يريد إردوغان استخدام البريكس وشنغهاي كورقة مساومة مع حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي». ويقول الكاتب إن «حزب الشعب الجمهوري» المعارض لا يختلف كثيراً عن السلطة في تخيير الجمهور بين «الانتظار عند باب الاتحاد الأوروبي أو عند عتبة منظمة شنغهاي»، منتقداً حديث الحزب عن أن «أتاتورك كان يشير إلى الغرب حصراً»، بل كان يشير، بحسب الكاتب، إلى «المستوى الحضاري، وأن الحضارة لا مكان محدداً لها».
«تقدّم تركيا بطلب الانضمام إلى البريكس هو رفع يد ضدّ الغرب»
وتكمن أهمية الـ«بريكس»، بحسب الكاتب، في أنها تحاول إضفاء الطابع الديموقراطي على النظامَين الدولي والمالي، أي إن «المسألة ليست في أن يتّخذ الغرب قرارات ينفّذها الآخرون»، بل تريد المجموعة «توسيع مجلس الأمن، وزيادة التبادل بالعملات المحلية لكسر هيمنة الدولار، وإنشاء بنك تنمية جديد بدلاً من صندوق النقد والبنك الدوليّين، أي إنها تريد أن تكون لدول الجنوب كلمة في النظام الدولي، وأن تنتهي حقبة الشمال/ الغرب، وتبدأ حقبة الجنوب/ الشرق». ومن جهتهم، يركّز معارضو «بريكس» على الجانب الاقتصادي من المسألة، إذ يقول الممثل التركي الدائم السابق لدى الاتحاد الأوروبي، سنان أولغين، لصحيفة «قرار»، إنه «لن يكون من السهولة أن تُحدِث عضوية تركيا في البريكس تأثيراً إيجابياً على صورتها التجارية. فوفقاً لتقرير صندوق النقد الدولي، فإن الدول المتطوّرة تتّخذ قرارات الاستثمار في الخارج ليس وفقاً لقرب الدول الجغرافي، بل لقربها السياسي. وفي فترات تصاعد المخاطر الجيوبوليتيكية، فإن الشركات توجّه استثماراتها إلى الدول ذات التفكير المتماثل». ويضيف أولغين أن «أرقام التجارة مع الاتحاد الأوروبي متوازنة إلى حد ما. تركيا تصدّر بـ155 مليار دولار وتستورد بـ160 ملياراً، بينما الميزان التجاري مع الصين يرجَح بقوّة إلى جانب بكين التي تصدّر إلى أنقرة بـ45 مليار دولار، وتستورد بـ3.5 مليارات فقط. والسبب بنيوي. فالمنتجات التركية لا تستطيع منافسة مثيلاتها في الصين. أيضاً، فإن روسيا تصدّر بـ45.6 مليار دولار إلى تركيا التي تصدر ما قيمته 11 مليار دولار إلى روسيا». ويلفت إلى أن الاستثمارات الغربية في تركيا لعام 2022، بلغت 188 مليار دولار، منها 142 ملياراً من الدول الأوروبية، فيما مجموع الاستثمارات من دول الـ«بريكس»، لا يتعدّى الـ14 ملياراً، أي واحداً من عشرة من الاستثمارات الغربية. وبرأي السفير السابق، سليم كونيرألب، فإن «دول البريكس لا يمكن أن تكون، على الصعيد الاقتصادي، بديلاً من الاتحاد الأوروبي. كما أن البريكس ليس تجمّعاً اقتصادياً بل سياسياً، وتأسّس في مواجهة الغرب».
وترى المديرة في «مركز أبحاث تركيا الاقتصادية»، نيلغون آريصان، من جهتها، أن «تقدّم تركيا بطلب الانضمام إلى بريكس هو رفع يد ضدّ الغرب»، وتقول، في تقييم للموقف لصحيفة «جمهورييات»، إنّ «الأوروبيين أبلغوا وزير الخارجية التركي، حاقان فيدان، في اجتماع غير رسمي مع وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي في بروكسل، أخيراً، بأنه لا يمكن أن تستأنف مباحثات العضوية من جديد مع تركيا. لكن الاتحاد الأوروبي لا يرى منذ زمن بعيد أن تركيا مرشحة للانضمام إليه؛ والسبب هو واقع تركيا على صعيد الديموقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون». وتضيف: «البريكس ليست منظمة، فلا أمانة عامة لها ولا مؤسسات مثل الاتحاد الأوروبي ولا بنك للتنمية. هي مجرّد منبر. ومن المؤكد أن عضوية تركيا في بريكس ستؤكد شكوك الغرب حيال سياستها الخارجية القريبة من روسيا، بل سيُنظر إليها على أنها عدو. وستكون عواقب العضوية على تركيا أكثر من عوامل الربح».
سيرياهوم نيوز١_الأخبار