آخر الأخبار

ظاهرةُ التخلّي

 

كتب د.المختار

 

قبلَ أن ندخلَ في الحديثِ عن ظاهرةِ التخلِّي التي بدأنَا نلاحظُها مؤخراً في #المجتمعِ_السوري فلنعرِّف التخلِّي…؟

 

#التخلّي_في اللغةِ:

 

الفعلُ تخلَّى. تخلَّى عن/ تخلَّى ل/ تَخلَّى من/ تَخَلَّى تَخَلّياً، فهو مُتخلّ ٍ، تَخَلَّى عَنْ حَقِّهِ: تَنَازَلَ عَنْهُ.

لا تتخلَّ عن صديقِك في وقتِ الشدّةِ، أي لا تَخْذُلْه أو تتركْه لمصيرِه.

 

ونحن مقبلون على استحقاقٍ يُعدُّ من أهمِّ الاستحقاقاتِ على مستوى الوطنِ بعدَ سنواتٍ، وهو انتخابُ #قيادةٍ_مركزيةٍ_لحزبِ البعثِ العربي الاشتراكي في سوريةَ، قيادةٍ تنتظرُ الجماهيرُ منها الكثير.

 

صحيحٌ أنَّ المادةَ الثامنةَ من الدستورِ التي كانَت تعدُّ #حزبَ_البعثِ القائدَ للدولةِ والمجتمعِ أُلغيَت، لكنْ يظلُّ للبعثِ الدورُ الرئيسُ لأنّ له الأغلبيةَ البرلمانية، وأيُّ حزبٍ يحصلُ على الأغلبيةِ البرلمانية في أيّ دولةٍ بالعالمِ هو من يشكّلُ الحكومةَ ويرسمُ سياساتِها.

 

من يتابعُ الناشطين على #صفحاتِ_التواصلِ الاجتماعي، والجلساتِ الاجتماعيةَ و#المنتدياتِ_الثقافيةَ، والسياقَ المجتمعي يلاحظُ أنَّ حالةً من التخلّي تجتاحُ المجتمعَ السوري تتلخّصُ بعبارةِ “مالنا علاقة”.

 

وهذه الحالةُ خطيرةٌ إن استمرَّت على هذا الشكلِ لأنَّها سوف تتكاثرُ وتتراكمُ وتكبرُ مع الوقتِ مثل كرةِ الثلجِ، لتصلَ إلى حالةٍ يصبحُ الواقفون مع الوطنِ قلائلَ، أو لأكن أكثرَ دقّةً في التعبيرِ سيصبحُ الذين يعبّرون عن وقوفِهم مع الوطنِ بشكلٍ علني قلائلَ، فالغالبيةُ وطنيون لكنَّهم صامتون.

 

بالمتابعةِ تشعرُ أنَّ هناك ازدياداً في التخلّي عن الأخلاقِ، تخلٍّ عن القيمِ والمبادئِ، وعن المرجعياتِ، وتخلٍّ عن #الثوابتِ_الوطنيةِ، بعضُها غيرُ معروفِ السببِ، وبعضُها تُنسبُ لأسبابٍ ماديةٍ عن حاجةٍ، وبعضُها لأسبابٍ ماديةٍ ليست عن حاجةٍ، وبعضُها لأسبابٍ أخرى…!

 

وهذا التراكمُ إذا طبّقناه على القانونِ الفيزيائي القائلِ: “التراكمُ الكمّي يؤدي إلى تحوّلٍ نوعي” نخشَى أن يؤديَ تراكمُ التخلّي إلى تحوّلٍ في بنيةِ المجتمعِ، ويسحبُ البساطَ من تحت الشرفاءِ، بشكلٍ يصبحُ معه المتمسكون غيرَ قادرين على فعلِ شيءٍ، فالمطلوبُ من النُّخبِ ممارسةُ دورِها في التوعية.

 

قبلَ العامِ 2011م كانَت هناك عباراتٌ وطنيةٌ وثقافةٌ وطنيةٌ نفتقدُها اليومَ، وكان #المجتمعُ_السوري نظيفاً من الشوائبِ، وكان من يمدُّون أيديهم للخارجِ قلائلَ، أما الآنَ فهم يتكاثرون كلَّ يومٍ دونَ خجلٍ، وتحتَ عناوينَ مختلفةٍ.

والأمرُ المجزومُ به بشكلٍ قاطعٍ، أنَّ من يموّلَهم من الخارجِ لن يفعل ذلك من دونِ أن يكونَ له أجندةٌ معينةٌ يريدُ تطبيقَها لدينا على أيديهم…!

 

فالمتابعُ قليلاً ما يرى مقالاً أو عملاً فنياً يمجّدُ بأعمالِ #الجيشِ_العربي_السوري الذي صمدَ وسطَّرَ أروعَ البطولاتِ، وحافظَ على وحدةِ البلادِ مدّةَ اثني عشرَ عاماً، رغمَ التآمرِ المعادي الهائلِ ضدّه.

 

وقليلاً ما نرى منشوراتٍ ومقالاتٍ تتحدثُ عن #تضحياتِ_الشهداءِ وقصصِ بطولاتِهم التي إذا لم نكتبْها الآنَ ونؤلفْ عنها الكتبَ، ونُغنِ مكتباتِنا ومواقعَ التواصلِ بها، ستموتُ وتتلاشى مع الوقتِ ولن تجدَ الأجيالُ القادمةُ ما ستقرأُه عنها، ولن تجدَ إلاَّ المقاطع المعادية والمشبوهة، وستصبحُ رواياتِنا عن بطولات الشهداء مستغربةً ومستهجنةً وبعضُهم لن يصدقَها، فكتاباتُنا اليومَ هي تأريخُ اللحظةِ، وهي التاريخُ المستقبلي الذي ستقرأُه الأجيالُ القادمةُ.

 

في أي مجالٍ تدقّقُ تلاحظُ #حالاتِ_التخلّي، أفراداً ومؤسسات، ففي مراقبةِ الأسعارِ هناك تخلٍّ، ومن طرفِ المواطنِ هناك تخلٍّ عن دورِه حيثُ يرى التاجرَ يتلاعبُ بالأسعارِ ولا يبلّغُ عنه، ويقولُ: “خلِّ غيري يبلغ”.

 

في العمليةِ التربويةِ هناك تخلٍّ، الطالبُ لم يعد يوقّر الأستاذَ، والمدرسُ يشرحُ الدرسَ في الدروسِ الخصوصيةِ بدلاً من شرحِه في الصفِّ، وطلابٌ ينجحون في الثانويةِ ولا يجيدون القراءةَ الصحيحةَ والكتابةَ السليمة.

 

حتى في #الأعمالِ_الدراميةِ السوريةِ هناك تخلٍّ، فالعملُ الدرامي هو توثيقٌ بصريٌّ لمرحلةٍ ما، هكذا ستفهمُه وتتعاملُ معه الأجيالُ القادمةُ، فكم تغنَّت الأجيالُ بعبارةِ المرحومِ صلاح قصاص: “ألف حبل مشنقة ولا يقولوا بوعمر خاين يا خديجة”.

 

كنا نتمنّى أن نرى في هذا #الموسمِ_الرمضاني عملاً واحداً يتحدّثُ عن #صمودِ_الجيشِ_العربي السوري وبطولاتِه، وعلى ما يبدو أنّه بصمودِه أذهلَ العالمَ كلَّه إلا كتّابَ الدراما السوريةِ.

 

وكنّا نتمنّى أن نشاهدَ عملاً يتحدثُ عن قيمِ المجتمعِ السوري الذي صدَّرَ الحضارةَ لكلِّ دولِ العالمِ، وصدّرَ المدرسين لكلِّ الدولِ العربيةِ التي كانَت مجتمعاتُها شبهَ أميّةٍ. فالمجتمعُ السوري صاحبُ أوّلِ جامعةٍ وأوّلِ برلمانٍ وأوّلِ بنكٍ في المشرق العربي.

 

حبذا لو نستثمرُ الخبراتِ الإخراجيةَ السوريةَ المبدعةَ وبراعتَها في تجسيدِ الصورةِ في عملٍ وطني، وحبذا لو تمَّ مشاركةُ #الممثلين_السوريين الذين أبدعوا هذا العامَ في أداءِ أدوارِهم بعملٍ وطني يرتقي ليكونَ وثيقةً عن صفحةٍ من صفحاتِ تاريخِ الوطنِ وما أكثرَها لمن يريدُ التوثيقَ، كمثل “مسلسل أخوة التراب”، أم أنَّ الإقامات الذهبية حرفَت بوصلة البعض…؟

 

كلُّ الشعوبِ تمجّدُ تاريخَها، ومن ليس لديه تاريخٌ يصطنعُ تاريخاً ويمجّدُه، إلا نحن نتخلّى عن كنوزِنا.

 

لم نرَ في هذا الموسمِ أعمالاً تتحدثُ عن #قيمِ_الأسرةِ الخليةِ الأولى بالمجتمعِ كردٍّ على الهجو.مِ الغربي المتو.حشِ على القيمِ الأخلاقيةِ وقيمِ الأسرةِ، بل رأينا مايروّج لتفكك الأسرة، ولم نرَ أعمالاً تتحدثُ عن أهميةِ #الترابطِ_الأسري في المجتمعِ السوري الذي كان أحدَ مقوماتِ الصمودِ السوري.

 

الجانبُ الوحيدُ الذي يمكنُنا القولُ إنّه لا يوجدُ به تخلٍّ بل على العكسِ فيه مبالغةٌ، هو مهاجمةُ أجهز.ةِ الدولةِ والأ.منِ، وأصبحَنا نرى أعمالاً تستغلُّ الهامشَ الواسعَ من الحريةِ المتاحِ للأعمالِ الفنيةِ لتبالغَ بالتهجمِ والتهكمِ وكأنَّها تقولُ أنا أهاجمُ أجهزةَ الأ.منِ فـ “شوفوني”، وهؤلاءِ كمنْ يهاجمُ على وسائطِ التواصلِ الاجتماعي بهدفِ جمعِ “اللايكات والترندات”.

 

حالاتُ التخلّي ومجالاتُها كثيرةٌ ولم تعد خافيةً على أحدٍ ولا يتسعُ المجالُ لذكرِها.

 

ومن هنا نأملُ أن تنبثقَ عن #الانتخاباتِ_البعثيةِ قيادةٌ مركزيةٌ منتخبةٌ ذاتُ كفاءةٍ تأخذُ زمامَ المبادرةِ وتقود المجتمع، وترتقي بالعملِ الحزبي إلى مستوى الفعلِ وتعيدُ الأمورَ إلى نصابِها الوطني، من خلالِ تصحيحِ الخللِ الذي خلفته السنوات العجاف، والانتقالِ بجمهورِ البعثِ إلى المبادرةِ، وقيادةِ المجتمعِ نحو برِّ الأمان.

فنحن بأمسِّ الحاجةِ لهذا الدورِ والمحافظةِ على الهويةِ وتجذيرِ القيمِ الأصيلةِ في المجتمعِ السوري، وإعادةِ التصويبِ #لمفهومِ_الهويةِ الوطنيةِ وتحقيقِ الانسجامِ بين الانتماءِ الوطني، وبين الانتماءاتِ العشائرية، والدينيةِ والعائليةِ، التي تقدّمَت على الانتماءِ الوطني في سنواتِ الأزمة.

 

فبعضُ السوريين بعد سنواتِ الحربِ تخلَّى عن انتمائِه الوطني الواسعِ لصالحِ انتمائِه العائلي الضيّقِ، فباتَت هويتُه العائليةُ مقدَّمةً على انتمائِه الوطني.. وحتى على حسابِ سوريتِه..

والأمثلةُ كثيرةٌ لمن يريدُ أن يراها.

(سيرياهوم نيوز ٢-صفحة الكاتب)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

كلام في الراتب الوظيفي والراتب التقاعدي واقتراح برسم مجلس الشعب والحزب الحاكم

  عبد اللطيف شعبان الدخل المتحقق للعاملين في الدولة، الناجم عن الراتب المقطوع وما يتبعه / حال وجوده في بعض الإدارات واستحقاقه لبعض العاملين / ...