| نقولا طعمة
يؤكد طالب ضرورة المُفْتَرِسات الطبيعية لبعض الحيوانات التي تحافظ على التوازن الطبيعي، وعند غيابها، ليس ما يمنع الإنسان من التدخل لضبط أعدادها، والسيطرة عليها.
من الظواهر الغريبة في لبنان، ظهور خنازير برية بدأت تتكاثر في السنوات الأخيرة، وآخر حصادها ظهور خنزير ضخم في بلدة عاصون، في قضاء الضنية شمالي لبنان.
اللافت مؤخراً، أن الخنزير المصطاد كبير الحجم، وهي المرة الأولى التي يجري فيها اصطياد حيوان بهذه الضخامة في المنطقة، بينما اقتصرت خنازير السنوات السابقة على تلك صغيرة الحجم.
وأثار اصطياد الخنزير البري تساؤلات كثيرة عن عودة ظهوره في الجبال اللبنانية بعد انقطاع طويل، كما أثار جدلاً حول اصطياده بين مؤيّد، وشاجب.
ويفيد الإعلامي عبد الكافي الصمد- ابن بلدة بخعون- الضنية، المتواصلة مع عاصون، “الميادين نت” أن المنطقة باتت في السنوات الأخيرة “عُرضةٌ سنوياً لظهور الخنزير البري، وكان الصيادون يتعاملون معها بالقتل، بسبب خوفهم من أذاها”، كما قال.
مستوطن قديم
الخنزير البري حيوان مستوطن في غابات لبنان قديماً، وبدأت أعداده بالتراجع مع تراجع المساحات الحرجية، وبدأت تظهر بشكل لافت مؤخراً، ويقول الصمد إن الأهالي في بلدتي عاصون، وإيزال، وجوارهما، أفادوا إن “الخنازير بدأت تتكاثر بشكل لافت في الآونة الأخيرة، وأغلبها صغير الحجم، بين 30 – 50 كيلوغراماً، وقد شوهدت تنتقل في الأراضي الزراعية، وألحقت بها أضراراً كثيرة، كما شوهدت مراراً تنتقل بين المنازل، ما أثار رعب السكان”.
وردّ بعض المهتمين أسباب تكاثر الخنازير البرية، وتناسلها إلى “حمايتها في حرج إهدن، المحمّية المجاورة والمتاخمة للمنطقة، ولا يفصل بين خراج المنطقتين سوى وادٍ أو وادييْن”، بحسب الصمد.
ونقل الصمد عن شبان في عاصون، أصدقاء له، قولهم إنها المرة الأولى التي يشاهدون فيها خنزيراً بريّاً بهذه الضخامة، إذ يقارب وزنه 350 كيلوغراماً، و”بسبب ضخامته، كانت حركته ثقيلة وبطيئة، ما سهل على الشبان مطاردته، وتصيّده، بعدما تسبب وجوده في جوار المنازل بإثارة رعب كبير في صفوف الأهالي”.
مختلف بقاع لبنان
تتردّد رواية “أدونيس وعشتروت” كثيراً عند سكان الجبال، وقد تركت أثراً سلبياً عن الخنزير في ذاكرتهم، لذلك كلّه، يواجه الصيادون الخنزير بكراهية وخوف وقساوة، ومن دون رحمة.
قد تكون غابات جبيل بعيدة عن منطقة الضنية حيث ظهر الخنزير البري الكبير الحجم هذه المرة، لكنّ ذلك لم يكن غريباً في الأزمنة الماضية عندما كانت الغابات متواصلة تغطي كل سلسلة الجبال اللبنانية الغربية، ولا تزال أقسام واسعة منها تمتدّ بين الضنية وعكار ومنطقة البقاع الشمالي حتى تخوم الهرمل.
يلفت الصمد إلى أن “عاصون وإيزال تقعان على تخوم زغرتا وإهدن، أمّا المنطقة القريبة من البقاع فتقع على المقلب الآخر، للجهة الشمالية الشرقية، ولم تتوارد أخبار عن وجود خنازير بريّة فيها”. ويبقى الأمر بعهدة خبراء بيئيين في مجال الغابات، وعلوم الحيوان.
البيئي خالد طالب، مرشد جبلي محلي في “جمعية درب عكار”- وهو موثّق للنباتات البرية في جرود المنطقة- عكار والضنية- يرى في تصريح لـ “الميادين نت” إن “الخنازير البريّة تحوّلت إلى مشكلة كبيرة في بعض المناطق، مع غياب المُفْتَرِسات الطبيعية كالذئاب، وقانوناً ليس ما يمنع صيدها”.
ويفيد أنه منذ عقود، أُفلتت أعداد من الخنازير لتكون طرائد للصيد في غابات إهدن، وعندما تحوّلت المنطقة إلى محمية (محمية حرج أهدن المجاورة)، مُنِع صيدها، فتكاثرت بأعداد كبيرة، وبغياب المُفْتَرِسات، زادت أعدادها بشكل غير مسبوق، وصارت تتنقل بحرية نحو المناطق المأهولة، والأراضي الزراعية المُستصلحة، فكانت تخرّب مشاريع المزارعين، ووصلت إلى حدّ تهديد التنوّع البيولوجي بتخريبها لموائل النباتات البرية، ومنها الفريدة، والمهدّدة”.
الحفاظ على التوازن الطبيعي
وانتقد طالب الحساسية الزائدة لصيدها، ويرى أنها “في غير محلها”، وهو يعرف أن الخنازير موجودة منذ القدم، ويتوقّع أن “تتحول إلى مشكلة بسبب تناميها الزائد في ظل الحماية البيئية لها”، مثبتاً كلامه بأن “أعدادها كانت قليلة، وظهورها نادر، لكنها اليوم باتت كثيرة العدد، ونرصد أعداداً جيدة منها، وقد خرّبت الكثير من موائل الأزهار والنباتات المهدّدة”.
ويؤكد طالب ضرورة المُفْتَرِسات الطبيعية لبعض الحيوانات التي تحافظ على التوازن الطبيعي، وعند غيابها، ليس ما يمنع الإنسان من التدخل لضبط أعدادها، والسيطرة عليها، وهناك نماذج كثيرة في دول عديدة كلّف إهمالها فواتير باهظة لم تتعافَ منها حتى الآن.
وقدّم أمثلة منها أنه إذا لم تقضِ على خنفساء حفّار الساق فستخسر أشجارك المثمرة، ولا يمكنك التغاضي عن تكاثر بعض الأنواع لتتحول إلى آفات، فترك الفئران أو الخنازير البرية بأعداد غير مضبوطة في ظل تناقص أعداد الضباع، ونُدْرَة الذئاب، سيؤدي حتماً إلى تدمير المحاصيل الزراعية، ويهدّد التنوع الطبيعي”.
وقال: “لقد شهدنا مؤخراً بأمّ العين كيف فتكت الخنازير البرية بأهم موقع معروف للنباتات البرية النادرة في المنطقة، وحرثت الموقع حرثاً يتعذر بعده تعافيه وعودته كما كان”.
وختم برأيه أن “مفهوم الاستدامة يتعارض مع مفهوم التطرّف المفرط في الحماية التي ستؤدي حتماً إلى نتائج كارثية على المدى المتوسط والبعيد”.
سيرياهوم نيوز3 – الميادين