آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » «ظلال الأيام»

«ظلال الأيام»

| إسماعيل مروة

«ظلال الأيام» «رباعيات» ديوانان جميلان فاخران لشاعر الشام الكبير أنور العطار، أما الظلال فهو الديوان الشعري الذي أنجزه وطبعه في حياته الممتدة بين 1913-1972 التي كانت حافلة بالعمل والعلم، وشارك في الجمعيات الأدبية منذ مطلع شبابه، جال بلداناً عربية مدرساً مميزاً للغة العربية، وأصدر ديوانه «ظلال الأيام» أول مرة عام 1948 وقد حظي الديوان بتقريظ الأستاذ الكبير محمد كرد علي رئيس المجمع العلمي العربي بدمشق، وبمقدمة للأستاذ علي الطنطاوي صديق الشاعر.

وها هو اليوم يعود تراث الشاعر أنور العطار يرى النور من جديد، الديوان بحلة راقية، إضافة إلى الأعمال التي لم تنشر مثل «الرباعيات- علمتني الحياة» وذلك بعناية ابنه هاني الذي أراد أن يمجد ذكرى والده وأدبه.

الشعر والحياة

في كثير من الأحيان يغيب الشعراء والأدباء وتنطمر معهم ذكرياتهم، وربما غاب ذكرهم بشكل كبير، وربما ضاع تراثهم المخطوط والسعادة كبيرة عندما أخبرني صديق بأن ديوان أنور العطار مطبوع من جديد، وأن مجمل أعماله سيطبع، وذلك بعناية ولده الأستاذ هاني، الذي وضع أمامه هدفاً يتمثل في نشر تراث شاعر الشام والطبيعة، وهذه بادرة و إن رآها بعضهم واجبة على الأبناء، إلا أنها تشير إلى البر والتفاني وخاصة عندما نعرف مقدار الجهد من جمع وتحرير وطباعة ومراجعة، إضافة إلى الأعباء التي من الصعب أن يقبل الأبناء تحملها، فالشكر للأستاذ هاني على ما قدمه للمكتبة العربية وهو يتجاوز فكرة خدمة الأب والذات، فكان الشعر حياة أنور العطار وكانت الحياة لهذا الشعر.

ظلال الأيام

في ثوبه القديم الجديد

بدأ الأستاذ هاني الطبعة الجديدة من الديوان بقصيدة كان الشاعر يودع فيها الدنيا ويرثي نفسه، ولم تكتمل، وهي قصيدة ذات معان عميقة بعيدة الغور.

آذنتنا أيامنا بانقضاء

وانطلقنا من في قيدها الخناق

أعتقتنا المنون من أسرها الصعـ

ب ومما حوت من استرقاق

وبعد هذه القصيدة كان أميناً على الديوان في صورته الأولى التي صدر فيها قبل ثمانية عقود، فبدأ بتقدير الأستاذ محمد كرد علي وزير المعارف السورية الذي أراد تعميم الديوان على المدارس في المحافظات كافة للاستفادة من هذا النتاج الشعري المميز.

ومما قاله فيه الطنطاوي في المقدمة: «ما مشى أنور على الطريق الذي فتحه له من قبله، بل على طريق شقه هو لمن بعده، وكان أنور إمام جماعة الشباب، ولم يكن مؤتماً وتابعاً».

أما ما قال فيه الأديب الكبير معروف الأرناؤوط فهي شهادة أخرى «نحن نحسب أن هذا الذي نرسمه على الورق من شعر أنور العطار خليق بأن ينقش على القلوب، لأنه النشيد الذي يحمله الحاضر إلى المستقبل».

وحين نقرأ الديوان نعرف معنى الوصف في كل حالة، ونفهم معنى هذه الشهادات التي قالها كبار الأدباء في زمانه.

الوصف والحوادث

تنقل الشاعر في وقت مبكر بين دمشق والعراق ولبنان، وتفرغ للتعليم في كل مكان حل فيه، وفي سنواته الأخيرة عمل في السعودية قبل أن يشعر بالمرض ليعود إلى دمشق التي منحته إحدى المدارس التي سميت باسمه في دمشق، وأنور العطار معروف بدقة وصفه للطبيعة والأزهار والبلدان، لكنه في الوقت نفسه أعطى حوادث الأيام جهده.

ففي قصيدته المميزة «الشهيد» قدم مفهوماً مغايراً للشهادة بالمعرفة والدراية:

يا دماء على فلسطين سالت
من شباب زكية أعواده
مات لم تشهد الأحبة بلوا
ه ولم تحمل الآس عواده
هكذا المجد أن تموت قريراً
يا شهيداً يلذّه استشهاد

وفي الشام وبرداها يختلف حديثه عن الشام فهي محبوبة يناجيها ويستحضرها:

دمشق ائتلاق الربيع الجديد
وإشراقة الفجر إمّا ابتسم
وفي تربها المسك مسك الخلود
وفي جوها العطر عطر الشّيم
على كل قلب محب ربابٌ
تغني.. وفي كل ثغر نغم

وللنهر الخالد في دمشق بردى يغني العطار:

بردى سلسل البقاء ولحن
عبقري على المدى يتغنى
متعب الروح إن تذكر أنّا
موجع القلب إن تلفت حنّا
أنت مني الحلم الذي أتشهّى
أنت مني الشعر الذي أتغنى

هذا إضافة إلى قصائده الوصفية الرائعة والدقيقة في الغوطة ودمر، وكل مجالي الجمال في الشام، وفي فصول العام المتعاقبة.

والبلدان العربية في شعره: إن تغنى الأخطل الصغير والجواهري وغيرهما بدمشق فهذا أنور العطار يهدي البلدان العربية أجمل الأشعار والأوصاف، وقصيدته في لبنان من أبرع أشعار الوصف الرقيق:

غاب لبنان في رقيق من الغي
م كما غاب في مدى اليم زورق
ضفر الثلج والسحائب تاجاً
واختفى في الضباب ثم تعلّق
إنه لبنان يا نشيد الأناشي
د ويا صورة النعيم المحقق

أما العراق، وقد كان مدرساً فيها، فله قصائد عدة «دجلة في الليل»، «البصرة»، «الليل في بغداد».

وللبصرة «بندقية العرب» برأيه يقول:

الشط ملء العيون يجري
ذوب لجين وذوب تبر
فأي سحر وأي شعر
وأيّما شئت من صفاء

في كل مكان حل فيه الشاعر كانت روحه الهيمى بالجمال، وعينه اللاقطة لرصد كل جميل وتقديمه بالثوب الأبهى.. وفي الديوان قصائد ذات مغزى وجمال عن مكونات الطبيعة.

وللروح والإيمان قصائد:

في ديوان أنور العطار قصائد مميزة ذات روح إيمائية صافية في سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وفي مشاهده وغزواته وأصحابه ورسالته، وكلها فيض من حب وإيمان.

النبي اليتيم كهف اليتامى
وملاذ المعذبات الأيامى
مرّ بالناس حكمة واعتبارا
ومضاء وجرأة واعتزاما
وكتاباً من المروءات سمحاً
كاللآلي فرائداً وتؤاما

وفي قسم مهم من الديوان هناك مناجيات وأدعية تدل على الشاعر الرقيق ونزعته الإنسانية الصافية في الوصول إلى كل خير في الحياة وعند الإنسان.

عاش الشاعر الكبير أنور العطار حياته منحازاً إلى التعليم، وتنقل معلماً في أرجاء سورية، وفي عدد من الأقطار العربية، لكن قلبه ظل معلقاً بالشام وبردى والغوطة، لذلك آثر عندما شعر بالتعب أن يخلد للراحة الأبدية في تربة الشام.. والغوطة كما غناها:

إيه يا غوطتي الأنيسة يا دار
الأغاني والحب والأسمار
نظمتك الأشواق شعراً شجياً
ومن الشوق أصدق الأشعار
أنت لحن الهوى وسرّ الليالي
وكتاب باق على الأدهار

 

سيرياهوم نيوز3 – الوطن

x

‎قد يُعجبك أيضاً

المؤسسة العامة للسينما تعيد تأهيل صالات الكندي

تماشياً مع رغبة المؤسسة العامة للسينما في تقديم أفضل ما يمكن من أساليب العمل السينمائي، وتأكيداً لضرورة تأمين حالة عرض متقدمة ومتميزة لجمهورها، فإنها عملت ...