آخر الأخبار
الرئيسية » كلمة حرة » ظواهــرُ ثقافيــةٌ

ظواهــرُ ثقافيــةٌ

بقلم: ميرفت أحمد علي

هل ارتبطتْ ظاهرةُ الملتقياتِ و المهرجاناتِ الأدبيةِ في غيرِ مكانٍ من بلدِنا بالتَّهريجِ الثقافيِّ، و بالتَّسكعِ في طرقاتٍ مُوحلةٍ غيرِ مُهيِّئةٍ لخطوٍ واثقٍ، و لبحثٍ آمنٍ عن عنوانٍ لثقافةٍ فاعلة؟ و تلكَ المباغضةُ المشهودةُ بينَ المؤسساتِ الثقافيةِ الرسميةِ (التي تستمدُّ شرعيَّتها من قوةِ و نفاذِ القرارِ الحكوميِّ)، و بينَ البُيوتاتِ الثقافيةِ الأهليةِ و الشعبيةِ: هل ثمَّةَ ما يبرِّرُ احتدامَها و استعارَ غلوائِها كلّما دقَّ كوزُ مبادرةٍ ثقافيةٍ بجرَّةِ إثباتِ الموجوديَّةِ لتلكَ البُنى الثقافيةِ الخاصةِ، غيرِ المحصَّنةِ و المشرعنةِ من وجهةِ نظرِ الإدارةِ الثقافيةِ الرسميةِ و مُسيرِّي شؤونِها؟ يدَّعي أنصارُ الهيئةِ الثقافيةِ المعزَّزةِ بالحصانةِ الحكوميةِ (من مراكزَ ثقافيةٍ و ما شاكلَها) انتفاءَ جدوى هيئاتٍ ثقافيةٍ بديلةٍ لها، أو مكمِّلةٍ لمشروعِها الثقافيِّ، بداعي أنَّ هذهِ البدائلَ تُصدِّرُ مُنتجاً لا يليقُ بالإبداعِ، و تضخُّ سموماً في أوردةِ الفكرِ و الإبداعِ، باستقدامِها لأسماءٍ جديدةٍ، و بطرحِها لإصداراتٍ تُسوِّقُ الرداءةَ و الضحالةَ و التقزُّمَ في سوقِ الفنِّ المعاصرِ، و تخلعُ ألقاباً و تكريماتٍ على أدباءَ لا يمتُّونَ بآصرةٍ إلى الأدبِ، و لا يملكونَ أبسطَ مقوِّماتهِ و ركائزِه. و ما هذهِ التظاهراتُ إلَّا ضربٌ منَ التهريجِ الذي يمسخُ الثقافةَ و ينسفُ مبادئَها الجماليةَ، و مُعللِّاتِها الفنيةَ و الأخلاقيةَ؛ ما يشوِّهُ ذائقةَ المتلقِّي، و ينأى بالنقدِ عن مواكبةِ مستجداتِ الفنِّ و الإبداعِ، و يفرضُ القطيعةَ و التَّجافي بينَ المؤلفِ و القارئِ. و أرى في هذا الادّعاءِ بعضَ مُغالاةٍ، إذ لا ينبغي التعميمُ و تعقيمُ كلِّ تجربةٍ ثقافيةٍ وليدةٍ بإعلانِ الحربِ عليها قبل أن تختمرَ و تُعلنَ نواياها؛ ما يشترطُ الصبرَ و ضبطَ النفسِ و الانفعالِ الناجمِ عن الاستعداءِ المسبقِ، فالهيئاتُ الثقافيةُ الأهليةُ ليستْ مشروعاً بديلاً للمؤسسةِ الثقافيةِ الحكوميةِ، و لا تُناصُبها عداءً أو تتطلَّعُ إلى إلغائِها، و لنا أسوةٌ حسنةٌ في بعضِ ظواهرَ و بُنىً ثقافيةٍ محليةٍ أثبتتْ جدارتَها في استقطابِ عشاقِ الفنِّ، و في الاعترافِ بقدرتِها التحفيزيةِ على الإيغالِ في الحياةِ الثقافيةِ، و استعادةِ الثقةِ بها. و منها مُنتدى (اقرأ) بإدارةِ الشابةِ (ملاذ الشيخ)، و عضويةِ الشاعرةِ و الأديبةِ (لُبانة الجندي)، و مهرجانُ (الخوابي) الأهليُّ السنويُّ للإبداعِ و الفنونِ، و فريقُ (مائةِ كاتبٍ و كاتبٍ) و هم نُشطاءُ جامعيُّونَ ثقافيون، و جمعيةُ (العاديات)، و شواهدُ أخرى موازيةٌ لها في الثقلِ النوعيِّ المعرفيِّ، رفدت الثقافةَ بقاماتٍ مبدعةٍ لم تلحظْها المؤسسةُ الثقافيةُ الرسميةُ لسنواتٍ خلَت! و ما يُشاعُ عن رداءةِ الأدبِ و الفكرِ و تهريجيَّتهِ المرتبطيْنِ بالبيتِ الثقافيِّ الأهليِّ، و تسطيحهِ لذائقةِ القارئِ، أقولُ: المتلقِّي هوَ المسؤولُ الأولُ عن تسليحِ نفسهِ بالوعيِ الثقافيِّ و إدراكِ أغوارهِ. و الرِّهانُ معقودٌ على القارئِ و ليسَ على الكاتبِ فحسب؛ فالقارئُ مطالبٌ بصقلِ ذائقتهِ الجماليةِ، و بذا يُحصِّنُ ذاتهُ من مُلوِّثاتِ الضحالةِ الثقافيةِ، و الانحدارِ الفكريِّ و القِيَميِّ. و أَدنى مثالٍ نسوقهُ على ذلكَ، الحادثةُ الشهيرةُ التي يُنبِئُنا عنها الموثِّقونَ لتاريخِ الأدبِ، و التي دفعتْ بأحدِهم إلى صبِّ اللومِ على الشاعرِ أبي تمام؛ لعجزهِ عن تفكيكِ معاني شعرهِ المبهمِ قائلاً: ــ لمَ لا تقولُ ما يُفهمُ؟، ليُجيبَ أبو تمامٍ ناعياً نباهةَ اللائمِ، و قلةَ تحصيلهِ للعلومِ و لخصائصِ الآدابِ المعاصرةِ: ــ و لمَ لا تفهمُ ما يُقالُ؟ إنَّها دعوةٌ لتوسيعِ الأفقِ الديموقراطيِّ في تفكيرِنا، و لإذكاءِ روحِ التشاركيةِ في تشييدِ صرحٍ ثقافيٍّ يتضافرُ أبناءُ الوطنِ جميعاً ــ بقرارٍ رسميٍّ و بغيرِ قرار ــ لإعلائهِ و لتمتينِ دعائمِه.

(سيرياهوم نيوز14-3-2022)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الفجوة كبيرة ..من يعالجها وينقذ ملايين الأسر ..؟

  عبد اللطيف شعبان لم يمض وقت طويل على آخر زيادة في تعرفة الشركة السورية للاتصالات، حتى أعلنت الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد مجددا، أنه سيتم ...