مالك صقور
أكثر من مرة ، كتبت عن العار الذي يلحق بالأمتين العربية والإسلامية .. هذا ، إذا كان لهما وجود ، أو وجد من يمثلهما . أما الآن ، فأقول : العار يسربل البشرية برمتها . . وليس وحدهم اللغويون من يفرقون بين ( البشرية ) وبين (الإنسانية )
بلى ، والله ، إن العار يسربل البشرية التي تعيش على الكرة الأرضية . البشرية التي فقدت إنسانيتها ، في أربعة أركان الأرض .. طبعاً ، المقصود الحكومات وهي تتلذذ بسادية ووحشية بمرأى غزة الذبيحة .. الأمر هنا ، صحيح أن ظلم ذوي القربى ، من العرب والمسلمين لا يضاهيه ظلم .. لكن تخلي العرب والمسلمين وبعض الفلسطينين عن قضيتهم ، جعل الآخرين أيضاً أن يتخلوا عن فلسطين ..أما ما اقصده الآن ، – وضع غزة منذ سنة وثمانية أشهر – فهو الإبادة الجماعية و التجويع . التجويع . التجويع حتى الموت ..ومن لم يمت جوعاً و عطشاً ومرضا ؛ يموت بالقصف تحت الردم .. وإذا أدركنا أن للعرب والمسلمين إذن من طين وإذن من عجين .. فما بال العالم من حولنا ؟!! لقد آمنا أن العالم ” الحر ” العالم ” المتمدن ” جداً العالم الذي ينضوي تحت الهيمنة الصهونية و الإمبريالية ، لا يستطيع أن يحرك ساكنا ً، وأصلاً لا يريد .. ولكن الدول التي تزعم أنها ستكسر عصا الطاعة ، وتنادي بإلغاء هيمنة القطب الواحد ، لينهض نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب ، ينصف الشعوب المستضعفة ، وتحرر الشعوب من الأستعمار الجديد ..!!!
أين روسيا ؟! وأين الصين الشيوعية ؟! أليس بوسعهما أن يوقفا هذه التراجيديا ، هذه المحرقة ، هذه المذبحة ، التي لايعرف التاريخ مثيلا لها ..على الأقل ، إنذار واحد لحاكم الكيان الصهيوني . وذلك من أجل إنقاذ إنسانية الإنسان .. أيعقل أن مجرم حرب سادي متوحش مع حكومته وجيشه يتحدى العالم كله !!! أم أن حاكم أميركا ، أيضاً ، يتلذذ بسادية بمرأى الدم ؟ وقتل الأطفال تحت الردم مرة ومن المرض مرة ومن العطش مرة ومن الجوع ، ومن التهجير كل ساعة !!!
أيعقل أن الضمير قد مات ..أيعقل أن نخوة الرجال ماتت ، والمروءة تلاشت .. ولم يبق سوى اليمن ، اليمن الوحيد في هذا العالم من ينجد أطفال غزة ..
بلى .. سيسجل التاريخ ذلك ، ولكن هذا التاريخ سيكون الشاهد على من يقبح وجه تاريخ المتخاذلين ، والذين فقدوا إنسانيتهم ، ووطنيتهم ، ودينهم ، وأخلاقهم ..
أقول قولي هذا ، وأذكّر الجميع ، متمنيا من يترجم مضمون الإنذار السوفييتي الشهير لكل من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل وذلك في أثناء العدوان الثلاثي على مصر الذي بدأ في 29 تشرين أول ( أكتوبر ) .. وفي الخامس من تشرين الثاني ( نوفمبر ) أي بعد سبعة أيام فقط ، وجّه الاتحاد السوفييتي الإنذار الشهير والصريح كما تمت تسميته في كل صحافة العالم :
” السيد دافيد بن غوريون ..
إن الحكومة الإسرائيلية المجرمة التي تفتقر إلى الشعور بالمسؤولية تتلاعب الآن بأقدار العالم ومستقبل شعبها بالذات .
السيد انتوني إيدن
المسيو أجي موليه
ترى الحكومة السوفييتية أنها مضطرة إلى لفت نظركم على الحرب العدوانية التي تشنها بريطانيا وفرنسا ضد مصر ، التي لها أوخم العواقب على قضية السلام ..كيف كانت بريطانيا تجد نفسها إذا ما هاجمتها دولة أكثر قوة تملك كل أنواع أسلحة التدمير الحديثة ؟ إن هناك دولة الآن لا يلزمها إرسال اسطول أو قوة جوية إلى سواحل بريطانيا ، لكنها يمكنها استخدام وسائل أخرى مثل الصواريخ .
إننا مصممون على سحق المعتدين ، وإعادة السلام إلى نصابه في الشرق الأوسط عن طريق استخدام القوة .
إننا نأمل في هذه اللحظة الحاسمة أن تأخذوا حذركم وتفكروا في العواقب المترتبة على ذلك .”
التوقيع
الماريشال بولغانين
هذا الإنذار لم يكن كفيلا ً بإيقاف الحرب العدوانية على مصر فحسب ، بل كان كفيلاً بهزيمة بريطانيا وفرنسا وإسرائيل .. وانتصار مصر ..
كما أُذكّر بموقف آخر حدث في دورة الأمم المتحدة ، الجلسة رقم 902 في 12 تشرين أول ( أوكتوبر ) 1960؛ حين ضرب الأمين العام للحزب الشيوعي السوفييتي نيكيتا خورتشوف بحذائه منصة الأمم المتحدة ، مهددّاً العالم ، عندما تمّ انتقاد بلاده ، والأمثلة كثيرة على مواقف الردع ونصرة الشعوب المستضعفة ..
يومها ، انتصرت المبادئ الأممية ونصرة الشعوب على مصالح الدول الإستعمارية ، والمصالح الاقتصادية والتجارية والسياسية ، وتجارة الإسلحة . واليوم حدث العكس تماماً ، لقد انتصرت مصالح الدول الكبرى ، وتمت صفقات ومقايضات .. على حساب الشعوب ، وقد تبين أنه في سياسة الدول الكبرى ، لا يوجد مبادئ ، ولا يوجد دين ، ولا توجد أخلاق .
وتبقى غزة بأطفالها وشيوخها ونسائها ودمائها ، تستصرخ ما بقي من الضمير العالمي لإيقاف هذه المجازر والإبادات الجماعية ، وما تبقى من أطفالها ..
(موقع أخبار سوريا الوطن-٢)