نبيه البرجي
لو أبيد العرب , على طريقة سدوم وعمورة , لما اهتز العالم اهتزازه لكسر في ساق الليدي غاغا . نصف مليار كائن بشري , بموارد طبيعية , وبمواقع جغرافية , هائلة لا وجود لهم في ذاكرة الأمم , ولا في لعبة الأمم .
ترانا نسأل عن السبب برنارد لويس , بنظرته الداروينية الينا , أم نسأل برنار هنري ليفي الذي احتار بين أن يستخدم , في وصفنا , القول الأميركي في Dead man walking (رجل ميت يمشي) , أو مصطلح الممثل الكندي دوغلاس والتون Straw man fallacy (رجل من قش) .
ندرك أي نوع من الديناصورات يحكم الولايات المتحدة (وكلنا ثقة بأن الكونغرس هو الهيكل الثالث) , ولكن كفانا صراخاً حول الانتصارات التي حققناها ضد أميركا . أميركا الآن , ربما في كل آن , فوق رؤوسنا , وتتولى بأصابع قدميها ادارة صراعاتنا .
قطعاً , المشكلة ليست في العروش التي من خزف(لن نقول من تنك) . هي في كل عربي على سطح الأرض . المثال في ذلك الغراب , الأستاذ الجامعي الذي هرب الى أميركا ليدّرس في جامعة هناك , ويقبض راتبه من هناك (ويعتبر نفسه من أولياء الله الصالحين) , ثم يهاجم أميركا كمقبرة للديمقراطية ـ وهي كذلك فعلاً ـ لكأنه لا يتنشق هواءها (ليبقى) , ولا يأكل خبزها (ليبقى) !!
ذاك الدونكيشوت الذي فينا . الوزيرة السابقة غادة شريم شاركت في مؤتمر في سيول . عرضت , في مقالة لها , النموذج الفذ لكوريا الجنوبية التي نهضت من بين الدماء , ومن بين الأنقاض , بعدما وصفها البنك الدولي بـ”الأرض الميتة” , لتغدو في سباق مع أميركا حول كيفية الانتقال الى … ما بعد الزمن .
أي ايديولوجيا تستوطن رؤوسنا , وقد جعلتنا رعايا تلك المتاهة الأبدية . ها أن غزة تعيش الابادة دون أن يرف جفن لأي من قادة العالم . لا شيء سوى تظاهرات فولكلورية لا يصل صداها حتى الى حيث يضع كل من جو بايدن , أو أولاف شولتس , أو ريشي سوناك , أو ايمانويل ماكرون , وحتى فلاديمير بوتين وشي جين بينغ , قدميه .
من لا يعلم كيف أن الفيتناميين سحقوا الأرمادا الأميركية , وكانوا يصنعون حلى لنسائهم من حطام الـ”بي ـ 52 ” , بقيادة هوشي منه , الرجل الذي كان يسير شبه حاف لأنه لم يكن يملك ثمن حذاء (صحيفة “اللوموند”) .
ومن لا يعلم كيف سحق الأفغان الأرمادا الأميركية بقيادة جماعة ترعرعت في الكهوف . لم نر بينهم من يرتدي العباءات الموشاة بالذهب , أو من استقل سيارة الليموزين أو الرولز رويس , أو من يعرف اين تقع لاس فيغاس في خارطة ألف ليلة وليلة …
باراك أوباما قال لنا “المشكلة فيكم وليست في أي مكان آخر” . مرة أخرى لا ننفي ما فعلته بنا , بل وبالعالم , السياسات الأميركية , ولكن هل أميركا هي التي حالت دون المنظومة السياسية في لبنان وبناء دولة قابلة للحياة , لا تقوم على ادارة الشقاق بين الطوائف ؟ وهل أميركا من ابتدعت , وحيث يرقد محيي الدين بن عربي , ثقافة التشبيح والتنكيل , لتتحول سوريا , على مدى عقد من الزمان الى ركام ؟
استطراداً , هل أميركا من جعلت بلاد سيف بن ذي يزن , يستبدل مفهوم الدولة بمفهوم القبيلة أو الطائفة ؟ وهل أميركا من أنتجت ذئاب المال العام في العراق ( أولئك الذين يذرفون الدموع في ذكرى كربلاء ليصنعوا بايديهم كربلاء المعاصرة) ؟ وهل أميركا من أتت بمعمر القذافي ليطرح , بدماغ الذبابة , رؤية عالمية بديلة للجيوبوليتيكا , بعدما حكما ليبيا كما لو أنها المحظية في غرفة نوم القيصر ؟
لا حدود لعلامات الاستفهام التي تدق على بابنا الآن . حين تموت غزة برجالها , ونسائها , وأطفالها , وحتى بحجارتها , هذا دليل على موتنا جميعاً . أين أنت يا دانتي اليغيري , صاحب “الكوميديا الالهية” , لتقول لنا “ليس لكم من مكان حتى في الجحيم” ؟
لا العباءات , ولا ربطات العنق , تليق بنا . الشيء الوحيد الذي يليق بنا هو العار , ثم العار , ثم العار .
كل صلواتنا , وكل أدعيتنا , وكل صرخاتنا , لا تغسل اليوم , وفي أي يوم , هذا العار . بيتنا العار , خبزنا العار , هواؤنا العار . أيها العرب الأعزاء , اغلقوا أبوابكم , ونوافذكم , ولا تدعوا الهواء يدخل اليكم . من قال اننا نستحق الهواء …؟
(سيرياهوم نيوز ١-الديار)