آخر الأخبار
الرئيسية » إقتصاد و صناعة » عامان في مواجهة “كوفيد 19”: العقوبات الغربيّة تدعم الموت في سوريا!

عامان في مواجهة “كوفيد 19”: العقوبات الغربيّة تدعم الموت في سوريا!

زياد غصن

قريباً، تكمل سوريا عامها الثاني في مواجهة فيروس “كوفيد 19″؛ مواجهة بدت منذ الأيام الأولى غير متكافئة أو عادلة، نظراً إلى الأضرار الكبيرة التي لحقت بالنظام الصحّي السوري جراء سنوات الحرب القاسية والعقوبات الاقتصادية الغربية من ناحية، وصعوبة الأوضاع الاقتصادية والمعيشية التي يعيشها السوريون من ناحية أخرى. ورغم أنَّ الحكومة حاولت منذ البداية أن تطبّق الإجراءات الوقائية التي سارع الكثير من دول العالم إلى تطبيقها، من حظر جزئي وتشدّد في إجراءات التعقيم ومنع التجمعات والمناسبات بمختلف أشكالها، بما فيها الدينية، فإنَّها كانت مضطرة لاحقاً إلى إعادة النظر في بعض تلك الإجراءات، سعياً منها للحيلولة دون حدوث تفاقم جديد في الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، لتعود الحياة إلى طبيعتها في البلاد، مع تذكير حكومي بين الفينة والأخرى بضرورة الالتزام بإجراءات الوقاية، لكن من دون تغيير يُذكر في مجريات الحياة العامة بعاداتها وتقاليدها، وحتى على مستوى يوميات الأفراد وسلوكياتهم ومعتقداتهم وقناعاتهم، رغم المخاوف من الإصابة بالفيروس. هذا الأمر يلاحظ حتى في ذروة الموجات الأربع لانتشار الفيروس في البلاد، إنَّما فعلياً، كان الفيروس يحفر عميقاً في حياة السوريين، مستغلاً ظروف الحرب والعقوبات الغربية غير الشرعية التي لا يزال جوهرها تجويع السوريين في الداخل. ما بعد الفيروس كما قبله! غيّر ظهور الفيروس عادات وتقاليد مجتمعية كثيرة على مستوى العالم، وتبنّت حكومات عديدة سياسات جديدة داخلياً وخارجياً، محورها الاستفادة من التأثيرات التي طرأت على علاقات الدول سياسياً واقتصادياً وصحياً، لكن في سوريا لم يكن انتشار الفيروس أكثر من سبب جديد للموت، بعد انحسار الحرب عن مساحة واسعة من البلاد، سواء نتيجة المضاعفات الصحية المباشرة التي يتسبّب بها “كوفيد 19” ومتحوراته المتعددة، وما يرتبط به من عجز في النظام الصحّي الحكومي عن تقديم العلاج المجاني لأوسع شريحة ممكنة من المصابين، أو نتيجة التداعيات الاقتصادية اللاحقة المتمثلة بتدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وما قادت إليه من ارتفاع في معدل الفقر بين السوريين ونسب الأسر التي فقدت أمنها الغذائي. قد يبدو ظاهرياً للوهلة الأولى أنَّ ضغوط الأوضاع المعيشية والبحث عن لقمة العيش حسما المعركة المصيرية القائمة في سوريا بين ضرورة الالتزام بالإجراءات التي تحول دون الإصابة بالفيروس وتحمّل التداعيات الاقتصادية لذلك وتحمّل تهديدات الفيروس، مقابل تجنب المجاعة أو انهيار الوضع المعيشي للأسر، بدليل استمرار مظاهر الازدحام في مختلف الأسواق ووسائل النقل وأمام أبواب المؤسَّسات الخدمية، فضلاً عن المناسبات الاجتماعية والرسمية. كل ذلك يحدث في ظلِّ غياب أدنى درجات الالتزام بإجراءات الوقاية الشائعة، المتمثلة بوضع الكمامة وتعقيم اليدين. وبحسب نتائج دراسة بحثيّة للدكتور كريم أبو حلاوة وجانيت عروق، صادرة عن مركز دمشق للأبحاث والدراسات في العام 2020، فإنَّ النسبة الأعلى من السوريين، والبالغة 45.5%، تشعر بالخوف – إلى حد ما – من عدم القدرة على تأمين الاحتياجات اليومية في حال استمرار إجراءات الحجر التي اتخذت في بداية انتشار الفيروس، ونسبة 25.2% تشعر بالخوف إلى درجة كبيرة، لكن ضمنياً، ترك الفيروس جروحاً عميقة في حياة السوريين قد تحتاج إلى سنوات قبل أن تندمل أو تتحول إلى مجرد أثر سابق أو ذكرى أليمة. ومن هذه الجروح ما يلي: – ارتفاع معدل الوفيات بشكل كبير بدءاً من منتصف العام 2020 وحتى الوقت الراهن، رغم أنَّ العام 2019 شهد تفاؤلاً مع انحسار مساحة المعارك، وتراجع معدل الوفيات إلى حدود 7 بالألف، بعد أن كان قد وصل خلال السنوات الخمس الأولى من عمر الحرب إلى حوالى 10.9 بالألف، تبعاً لنتائج مسح السكان الذي جرى في العام 2014. ورغم عدم توفّر تقديرات إحصائية لمعدل الوفيات الناجمة عن الإصابة بفيروس “كوفيد 19″، وخصوصاً أن الإحصائيات اليومية لوزارة الصحة محصورة فقط بوفيات الأشخاص الذين خضعوا لاختبارات الكشف المعترف بها عالمياً، والتي لا يزال عددها في سوريا محدوداً، فإنَّ نسبة كبيرة من الوفيات خلال موجات الانتشار الأربع كانت بسبب الفيروس، وفقاً لشهادات طبية عديدة، الأمر الذي يؤكّد تقديرات الباحثين بعودة معدل الوفيات إلى الارتفاع من جديد، وبنسبة قد تكون مساوية أو أعلى من تلك التي فرضتها الحرب. – تراجع الأمن الغذائي لشريحة واسعة من الأسر السورية، جراء الأضرار الاقتصادية التي ساهم انتشار فيروس كورونا في تفاقمها، من تراجع الإنتاج المحلي، وفقدان أسر كثيرة مصادر دخلها، وارتفاع في أسعار السلع والخدمات. وبحسب نتائج مسح الأمن الغذائي الذي قامت به مؤسّسات حكومية بالتعاون مع برنامج الغذاء العالمي في العام 2015، بلغت نسبة الأسر السوريّة التي فقدت أمنها الغذائي حوالى 33.4%، وانخفضت في النسخة الثانية من المسح، التي جرت في العام 2017، لتصبح 31%، ثم عاودت الارتفاع مع مسح نهاية العام 2020، لتصل إلى أكثر من 55%، منها 8.3% من الأسر تعاني انعداماً شديداً في أمنها الغذائي، و47.2% تعاني انعداماً متوسط الشدة في أمنها الغذائي. – خسارة النظام الصحّي، والحكومي تحديداً، أرواح عدد ليس قليلاً من الكادر الطبي (من أطباء وممرضين وعاملين) مع بدايات انتشار الفيروس، إذ كانت البلاد تعاني من محدودية مستلزمات مواجهة الوباء بسبب تركة الحرب الثقيلة، بما في ذلك تأخّرها في الحصول على كمّية مناسبة من اللقاحات لتحصين العاملين في النظام الصحي. هذه الخسارة تزامنت مع عودة ظاهرة هجرة الأطباء وأصحاب الكفاءة والخبرة نحو دول عربية وأجنبية بحثاً عن مستقبل أفضل. – ارتفاع أسعار الدواء بشكل يفوق قدرة أسر كثيرة على تحمّلها، إضافةً إلى نقص بعض أصناف الدواء في السوق المحلية، وهما عاملان انعكست تأثيراتهما السلبيَّة على قدرة شرائح واسعة من السوريين على الوصول إلى الدواء والحصول على العلاج المقرر في حالات الإصابة بفيروس “كوفيد 19”. وعلاوة على ارتفاع تكاليف وأسعار الشحن عالمياً، فإنَّ الأوضاع الاقتصادية الداخلية ساهمت أيضاً في زيادة تكاليف إنتاج الدواء الذي كانت 90% من أصنافه تُباع قبل سنوات الحرب بأقلَّ من 50 ليرة، أي ما يعادل دولاراً واحداً. العقوبات رغم الموت! بعضِّ النظر عن تأثيرات السياسات الاقتصادية المحلية التي لا تزال تثير نقاشات وانتقادات داخلية، فإنَّ استمرار السياسات الغربية تجاه سوريا من شأنه دعم انتشار فيروس “كوفيد 19” في عموم المناطق، بما فيها المناطق التي تتواجد فيها القوات الأميركية بشكل غير شرعي، أو تلك الخاضعة لسيطرة مجموعات مسلحة مدعومة إقليمياً ودولياً، وتالياً استمرار معاناة السوريين مع الفيروس، وعجز النظام الصحّي للدولة عن استعادة عافيته، بما يمكّنه من تقديم خدمات العلاج لأوسع شريحة ممكنة من المصابين به. هذا النظام تمكَّن على مدار عقود سابقة للحرب، رغم العديد من الملاحظات، من تحقيق مؤشرات تنموية مهمَّة، كخفض معدل الوفيات العام إلى مستويات مقبولة، وتقديم اللقاحات المجانية لشرائح واسعة، وغير ذلك. وكمثال على التأثير السلبي للسياسات الغربية، تحضر في المقام الأول العقوبات الاقتصادية التي تمتد تأثيراتها السلبية إلى جوانب عديدة في حياة السوريين، رغم الحديث الغربي عن استثناء الغذاء والدواء. ومن بين هذه الجوانب: – فرض تكاليف إضافية على عمليات استيراد احتياجات البلاد من السلع الغذائية وغير الغذائية، وبنسب تصل غالباً إلى أكثر من 50%، جراء صعوبة التحويلات المصرفية، وارتفاع تكاليف عمليات النقل والتأمين، وتحويل المستوردات إلى مرافئ دول أخرى، وغير ذلك. – عرقلة جهود القطاعات الحكومية والخاصة لشراء التجهيزات الصحية والمواد الأولية الداخلة في صناعة الأدوية ومستلزمات التحليل المخبري، والاستفادة من الخبرات العالمية في مجال البحث العلمي وامتيازات التصنيع، وغير ذلك، فالعديد من الشركات الغربية تتخوَّف من إمكانية تعرّضها لعقوبات أميركية. لذلك، تتجنب التعامل المباشر مع نظيراتها السورية. – الحيلولة دون وصول تحويلات السوريين المقيمين والعاملين في الخارج إلى ذويهم وأقاربهم في الداخل، واضطرارهم إلى دفع تكاليف مالية إضافية عند اللجوء إلى القنوات غير النظامية، ما يؤثر في النهاية في إمكانيات إنفاق السوريين على مستلزمات الوقاية والعلاج من انتشار الفيروس. وتشير التقديرات الأولية إلى أنَّ قيمة التحويلات الخارجية في الظروف الطبيعية يمكن أن تتجاوز 6 مليارات دولار. ووفقاً لدراسة بحثيَّة أجرتها بعثة الصيب الأحمر في سوريا بين كانون الأول/ديسمبر 2020 وكانون الثاني/يناير 2021، فإنَّ 37% من الشباب السوري يجدون صعوبة في الحصول على المساعدة الإقتصادية أو المالية، و31% يجدون صعوبة في الحصول على الغذاء، و28% يجدون صعوبة في الحصول على الرعاية الصحية أو العلاج الطبي. كما أنَّ استمرار سيطرة القوات الأميركية على حقول النفط والقمح في المنطقة الشرقية من البلاد، وما يرتبه ذلك من اضطرار الحكومة السورية إلى دفع ما قيمته 250 مليون دولار شهرياً لقاء استيراد الاحتياجات المحلية من هاتين السلعتين، من شأنه إضعاف قدرة الحكومة السورية على تخصيص الاعتمادات اللازمة لتحديث مؤسسات النظام الصحي وتأهيلها، لتكون خدماتها متاحة جغرافياً في متناول جميع السوريين، على اختلاف أطيافهم وانتماءاتهم، وتوفير أجهزة إنعاش وغرف عناية كافية لمواجهة موجات الانتشار، التي تستمر أحياناً أكثر من شهرين، كما حصل في الموجة الرابعة، علماً أن الحكومة السورية أقرَّت هذا العام موازنة استثمارية لوزارة الصحة قدرها 31.9 مليار ليرة، بزيادة قدرها 5.9 مليارات ليرة عن اعتمادات موازنة العام 2021. ومن أبرز المشروعات الاستثمارية هذا العام، إدراج محطة توليد أوكسجين لمصلحة مستشفى الأسد في دير الزور، وأخرى لمصلحة مستشفى الزبداني في ريف دمشق، والمعتمد رسمياً كمركز لمعالجة حالات الإصابة بالفيروس. وبناءً على ذلك، إنَّ الفرصة كانت متاحة خلال الأشهر الماضية للمحافظة على أرواح الكثير من الأبرياء السوريين، لكنَّ الغرب لا يزال مصراً على كذبته بأنَّ عقوباته المستمرة منذ 11 عاماً تستهدف مسؤولي الحكومة السورية، وليس أفراد الشعب السّوري!

(سيرياهوم نيوز-الميادين30-1-2022)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الجلالي يترأس اجتماعاً للجنة الاقتصادية لبحث واقع الشركات المساهمة والصعوبات التي تعترض مسار إحداثها وتشغيلها

    نظراً لأهمية الشركات المساهمة في النشاط الاقتصادي، وحرصاً على تعزيز حضور هذا النوع من الشركات في الاقتصاد الوطني لما تتمتع به من مزايا ...