ديب علي حسن:
اليوم بالتمام والكمال يمضي مع نهاية النهار عام كامل على تعليق صدور الصحف الورقية في سورية، تقرر الأمر كما يقول الخبر المنشور في صحيفة الثورة بتاريخ 23 آذار عام 2020 الصفحة الثالثة، طبعا بعد التمهيد له بعنوان عريض على الصفحة الأولى، يقول : إنه تم تعليق صدور الصحف الورقية كون الورق ناقلا للفايروس، ويمضي إلى الحديث عن توفير الورق في النهاية ومستلزمات الطباعة .
بداية هذه وجهة نظر تمثلني شخصيا، ولست معنيا أن تمثل أحدا آخر غيري لأسباب كثيرة ، أولها الصمت المطبق حول التعليق ،والجواب الدائم : ستعود بصيغة جديدة، هذا جواب مهدىء وسريع ، ستعود ، نعم نثق أنها ستعود، أما الصيغة التي ستعود بها، فماذا عنها، من يعمل عليها ،من يقررها ، كيف ماهيتها، هل ثمة من يعمل كما العادة في الكثير من الأمور تشكل لجان بمكان معين تخطط تقرر ، وعلينا التنفيذ ، دون أن يسألنا نحن العاملين في الصحافة عما نحن فيه ، ما الذي يجعلنا – حسب زعمهم هكذا – ما أوجاعنا ، كيف يمكن أن نخرج من الحال لا تعجبهم ،ونحن أيضا لا تعجبنا ، ولكننا أيضا نقول : لقد عملنا واجتهدنا، ومن حقنا أن نقول قد عملنا، ومن حق الجهات التي تتابع أن تضع الملاحظات التي يجب تجاوزها ،وغالبا هي جزء منها ،وقبل أن أقول كيف يجب أن نعترف أنها المرة الأولى يكون فيها حضور قوي ونقاش شامل وموسع حول الواقع الإعلامي من قبل الزملاء العاملين؟ كانت في ورشة المحتوى الرقمي وهذه بادرة تسجل في العمل المؤسساتي ،ولبنة يبنى عليها في الأداء الإعلامي ،وتضع الجميع أمام مسؤولياتهم ، لقد أخرجتنا من حجة أن الآخر يقرر من وراء مكتبه ونحن علينا التنفيذ ،أسقطت الورقة الدائمة التي كنا نحاجج بها ،وسوف أحاجج ببقية منها فيما جعل للجهات التنفيذية دورا في التكلس الذي تتحدث عنه .
بكل صراحة كان لك أن تغمض عينيك قبل صدور المحددات التي ضبطت الإيقاع وجاءت بوقتها حبل إنقاذ من الغرق _ كان أن تضع إصبعك وأنت مغمض العينين على الصفحة الأولى من صحيفتنا (الثورة ) لتجد بشكل يومي خبرا مع صورة تم إرسالهما بعد العاشرة أو الحادية عشرة ليلا ، السيد رئيس مجلس الوزراء ومن معه .
وقس على ذلك في تشرين ، ولم تخرج المحطات التلفزيونية عن الأمر قبل صدور المحددات و أذكر أني في لقاء مع السيد وزير الإعلام تحدثت مرة عن نشرة اخبار السادسة التي تبث أخبار البلد ساعة كاملة من البث كان السادة الوزراء فيها ضيوفنا ..لم تتطرق إلى همّ معيشي واحد .
لم يتكرر الأمر بعد المحددات لكننا كنا فقدنا الكثير من رصيدنا عند المتلقي، وهذا أيضا رحم الله الزميل خالد الأشهب مدير التحرير ( قلته وإياه على طاولة اجتماع هيئة التحرير ..لقد ابتعدنا كثيرا عن نبض الناس والحياة وغرقنا فيما يفعله هذا وذاك من المسؤولين ).
ومع هذا كله : لقد أدينا ما علينا، ونطمح للمزيد ،لسنا هيابين الإعلام الرقمي ، بل نحن منغمسون به نريد أ ن نبحر أكثر فأكثر في لجاته , ونعمل على أن نحجز مكانا لنا في خارطة العالم الأزرق قد يكون نقطة لكنها سوف تكبر إلى تصبح بقعة ،بؤرة ، سمها ما شئت .
أما عن حال الورق فلا أدري من الذي زرع في أذهان بعض المسؤولين أن الورق والطباعة قد صارت من مخلفات الماضي، في الغرب الذي يصدر التقنيات الرقمية إلينا (يمكن لمسؤولينا أن يبحثوا عن ناتج الطباعة والدعم الذي تقدمه الحكومات الغربية في ظل أزمة كورونا لدور النشر وللورق _ يمكن قراءة مقال بعنوان : سياسة طوارئ ثقافية وغير ذلك كثير ..)
ومن يظن أن الولايات المتحدة التي تصدر للعالم هذه الثورة الرقمية لا تطبع ولا تقرأ نقدم له بعضا من المعطيات جاء في كتاب وسائل الإعلام والمجتمع و تأليف آرثر بيرغر أنه عام 2003 صدر في الولايات المتحدة 164 ألف عنوان , أي بمعدل 450 كتابا يوميا , ويضيف لقد فاق ناتج صناعة النشر ناتج هوليود .
في الحديث عن الورق لابد من صقل التجربة وإثرائها والعمل على رؤية جديدة لاسيما في القيم المعرفية والتحليل والتنوير , فلم تعد الصحافة الورقية صاحبة الضخ الخبري , ولكنها هي التي تشكل جدار الصد والتنوير والقدرة على التحصين من خلال الدور المعرفي الذي يجب أن يكون مختلفا تماما .
ومن باب التذكير فقط : يمكن القول إن الصحيفة الورقية مازالت أكثر قدرة على الوصول من إعلامنا الرقمي ,فما من نسخة ورقية تصل إلى مكتب , مدرسة مكان ما , إلا ويتم تدولها والحديث عنها , حتى عندما كانت تنقل هموم المجتمع كانت استجابة الجهات التنفيذية للأمر واضحة وسريعة , ولكنهم الآن ..
ليس مغالطة ما قلته عن أنها أكثر وصولا إلى المتلقي في سورية، فمن يملك المحمول ويتواصل مشغول بصفحات ومواقع التواصل خلال الساعتين اللتين تاتي بهما الكهرباء , أو يذهب إلى منصات أخرى , يظهر هذا من خلال أرقام المتابعين , قد يسال أحد ما عن أسباب ذلك , هذا له حديث طويل .
أما وقد أتم الغياب حولا كاملا
فليس حنينا فقط ، إنما هو وفاء لورق كان وسيبقى ذاكرة ووطنا بهيا ، وليس الحديث خوفا من لجة إعلام رقمي علينا أن نمضي في ركبه ونكون فاعلين لا منفعلين ،ونحن مازلنا فيه منفعلين ،إذ يبدو أن بعضنا فهمه منصات أخبار سريعة وجبة (فوشار بملح ما ..) ليس هكذا أبدا , إذا ما بقينا هكذا نراه فهو أخطر أدوات الليبرالية الحديثة التي تقتلع جذورنا وتجعلنا كائنات هلامية .
(سيرياهوم نيوز-الثورة ٢٤-٣-٢٠٢١)