عمل الجهاز المركزي للرقابة المالية خلال عام 2025 بوتيرة متصاعدة، ضمن أولويات استرداد حقوق الدولة والمواطنين، وكشف قضايا الفساد، وصون المال العام من الهدر، وفق إطار مؤسسي أعلن عنه مسبقاً يركز على تعزيز الحوكمة والمساءلة المالية، وتوثيق مسارات الإنفاق العام وتقييم أثرها على الأداء المؤسسي وجودة الخدمات المقدمة.
التحقيق في 246 قضية فساد

رئيس الجهاز المركزي للرقابة المالية محمد عمر قديد، أوضح في تصريح لـ سانا، أنه منذ مطلع العام الحالي، تم التحقيق في 246 قضية فساد مثبتة في عدد من الجهات العامة كانت على زمن النظام البائد، نتيجة أعمال التدقيق والمراجعة التي شملت قطاعات خدمية وإدارية ومالية متعددة.
وأشار قديد إلى أن هذه القضايا تعكس حجم العمل الرقابي المنفذ، والدور الذي يقوم به الجهاز في كشف مكامن الخلل والتجاوزات.
إجراءات استرداد الأموال
فيما يتعلق بحالات الفساد والتجاوزات في تنفيذ النفقات العامة خلال عام 2024، بيّن قديد أن أعمال الرقابة والتدقيق التي نفذها مفتشو الجهاز أسفرت عن اكتشاف مخالفات وتجاوزات متعددة، جرى توثيقها أصولاً، وإحالة العديد منها إلى الجهات المختصة للتحقيق، واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق المخالفين، وفق الأنظمة النافذة.
وحسب إحصائية لعمل الجهاز منذ تحرير سوريا ولغاية اليوم، حصلت “سانا” على نسخة منها، بلغ الحجم الإجمالي للفساد المالي المكتشف نحو 527 مليار ليرة سورية، إضافة إلى 3 ملايين و385 ألفاً و764 دولاراً أمريكياً، و140 ألفاً و774 يورو.
وفي المقابل، بلغت الأموال التي تم تحصيلها فعلياً حتى تاريخه 75 مليار ليرة سورية، و308 آلاف و353 دولاراً أمريكياً، و68 ألفاً و480 يورو، وذلك في إطار الإجراءات التحفظية والتنفيذية التي تم اتخاذها.
أما على صعيد الإجراءات القانونية والإدارية بحق المتورطين، فقد شملت إصدار 54 قرار منع مغادرة، وفرض 62 حجزاً احتياطياً على الأموال المنقولة وغير المنقولة، بما يضمن حقوق الدولة ويمنع تهريب الأموال أو التصرف بها، ويعكس جدية الجهاز في متابعة القضايا حتى مراحلها النهائية.
محاور التطوير
اعتمد جهاز الرقابة المالية خلال العام الماضي برنامجاً إصلاحياً متكاملاً وفق قديد، أعاد من خلاله هيكلة المؤسسة الرقابية ورفع جاهزيتها المهنية والتقنية، بما يعزز دورها في حماية المال العام ومكافحة الفساد خلال مرحلة التعافي الاقتصادي، وشملت هذه الإصلاحات أربعة محاور جوهرية، كان في مقدمتها الإصلاح الهيكلي المؤسسي الشامل.
إصلاح هيكلي شامل
وفق الجهاز المركزي للرقابة المالية تم تطوير الهيكل التنظيمي للجهاز لإنهاء حالة التداخل السابقة، ومنح الوحدات الرقابية استقلالية وقدرة أكبر على العمل، من خلال فصل مديريات الرقابة عن الموازنة والدراسات والمعلوماتية وربطها مباشرة برئيس الجهاز، إلى جانب إحداث مديريات تخصصية جديدة، مثل إدارة المخاطر وضمان الجودة، والمعهد المتخصص للتدريب الرقابي، إضافة إلى مديريات أخرى سيتم الإعلان عنها قريباً.
كما جرى تعزيز فروع الجهاز عبر استحداث أقسام فنية وإدارية ترفع القدرة الرقابية في المحافظات، إضافة إلى إعادة دمج وتوزيع المديريات داخل الإدارات الفنية لضمان تكامل الأدوار وجودة التنفيذ، وفصل مديرية الاعتماد عن التحقيق لضمان حيادية تدفق الأدلة الرقابية، وإحداث مديريات متابعة ضمن كل إدارة فنية لتعزيز الرقابة المركزية على أداء الفروع، بالتوازي مع إعادة توزيع المهام وضخ دماء جديدة في المواقع القيادية والميدانية.
منهجيات دولية وتحول رقمي رقابي
في محور ثانٍ، تبنّى الجهاز المعايير الدولية للمنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة “الانتوساي” في مختلف مراحل العملية الرقابية، واعتمد التدقيق المبني على المخاطر لتوجيه الموارد الرقابية نحو بؤر الهدر الأعلى أثراً، مع تحسين جودة التقارير الرقابية، حيث تتحول نتائجها إلى إجراءات تصحيحية ملموسة، لا مجرد ملاحظات إدارية.
وشكل التحول الرقمي الرقابي، المحور الثالث من الإصلاحات، حيث وضع الجهاز رؤية شاملة للانتقال التدريجي نحو التدقيق الإلكتروني الذكي، وشملت هذه الرؤية تحديث الموقع الإلكتروني، وتطوير نظام إلكتروني متكامل لإدارة دورة المهمة الرقابية، وإنشاء نظام للمراسلات الإلكترونية، ومنصات للشكاوى والتعلم عن بعد، وتعميم استخدام الحاسوب، وتقليل الاعتماد على المستند الورقي، وتسريع تدفق المعلومات بين المركز والفروع عبر الربط الشبكي.
تكريس الشفافية وتعزيز الإفصاح الرقابي
في المحور الرابع، عمل الجهاز على تكريس الشفافية وتعزيز الإفصاح الرقابي، من خلال إطلاق منصة الشكاوى الإلكترونية لاستقبال البلاغات من المواطنين والموظفين بموثوقية وسرعة، واعتماد نشر تقارير رقابية جزئية بشكل دوري لإطلاع الرأي العام على نتائج الرقابة والإجراءات المتخذة، بما يعزز المساءلة المجتمعية ويعيد الثقة بالرقابة العامة.
وفي مجال بناء القدرات، أوضح قديد أن الجهاز نفذ خلال العام الحالي حزمة متكاملة من برامج التدريب والتأهيل لرفع الجاهزية المهنية لكوادره، فعلى المستوى الدولي، شارك كادر الجهاز في لقاءات تدريبية في قطر والكويت والسعودية، تناولت التحول الرقمي، والحوكمة الذكية، وكشف الاحتيال في المناقصات، والحصول على شهادة الزمالة للمدقق العربي المعتمد.
وعلى المستوى المؤسسي، خضع كادر الجهاز، وفقاً لقديد، إلى ما يقارب 38 دورة تدريبية تخصصية، تُوّجت بحصول الجهاز على ثلاث جوائز في مسابقة البحث العلمي الرابعة عشرة على مستوى المنظمة العربية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة “الأربوساي”.
الشراكات الرقابية
أما على صعيد الشراكة المؤسسية، فأوضح رئيس الجهاز أن العمل الرقابي في الدولة يقوم على شراكة مؤسسية بين الجهاز المركزي للرقابة المالية، والهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، ورغم تعدد القنوات التي يتم عبرها كشف قضايا الفساد، إلا أن الهدف واحد وهو حماية المال العام وترسيخ النزاهة، ولهذا يتم التعامل مع القضايا المتداخلة من خلال تنسيق مستمر ومذكرات تفاهم تضمن توحيد الجهود وعدم ازدواجية الإجراءات، وبما يحقق أعلى درجات الكفاءة في التحقيق والمتابعة واتخاذ الإجراءات الاحترازية المناسبة.
خطة مستقبلية لتعزيز كفاءة الأداء
كشف رئيس الجهاز المركزي للرقابة المالية أن الخطة المعتمدة لتعزيز كفاءة الرقابة خلال السنوات القادمة ترتكز على التحول الرقمي الشامل عبر تطوير أنظمة رقابية إلكترونية وقواعد بيانات مركزية، وتوحيد المنهجيات الرقابية وفق معايير “الانتوساي” والرقابة المبنية على المخاطر، إلى جانب التركيز على تطوير القدرات البشرية وبناء جيل رقابي مؤهل، وتوسيع المنصات الرقمية.
وفيما يتعلق بالموازنة العامة، أكد قديد أن مشروع قانون الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2026 لم يُعرض حتى تاريخه على الجهاز بغرض المناقشة، مشيراً إلى أن اختصاص الجهاز يتركز على الرقابة على تنفيذ الموازنة بعد صدورها ومراجعة الحساب الختامي للدولة.
كما أوضح أن مشروع قانون قطع الحساب الختامي للموازنة العامة لعام 2024 لم يكتمل بعد، لعدم اكتمال البيانات المالية من جميع الجهات المعنية.
ويظهر التطور الرقابي في الجهاز المركزي للرقابة المالية خلال العام مساراً نحو تحول رقابي تقني يعتمد على المعايير الدولية، بالتوازي مع استمرار التحقيق في القضايا وتوثيق الإنفاق، وتعزيز القدرات البشرية والأنظمة الرقمية وتوسيع قنوات التواصل مع المجتمع كأولوية أساسية لضمان جودة الخدمات وتقليل الهدر.
اخبار سورية الوطن 2_سانا
syriahomenews أخبار سورية الوطن
