عام يرحل بحقائب حبلى

بقلم د. حسن أحمد حسن

عام مضى وانقضى بشهوره وأسابيعه وأيامه ولياليه ودقائقه وثوانيه… مضى بحقائبه التي أثقلت ظهر الزمن وتركت العالم كله أمام سقوط المحرمات بمختلف أنواعها وأشكالها ومحتوياتها المتناقضة… حقائب العام المنصرم من عمر “طوفان الأقصى” حبلى وتكاد تنفجر، لا بل تكاد المحتويات تخرج تلقائياً لتكمل جولة جديدة من الصراع بين مكونات لم تجد مسرحاً خالياً للاشتباك على امتداد /366/ يوماً… ففي اليد اليمنى حقيبة خضراء تغص بإنجازات إستراتيجية تتطلب زمناً إضافياً للتبلور والاكتمال، وكأنها ترجمة حرفية لمن يؤتى كتابه بيمينه يوم القيامة، وفي اليد اليسرى حقيبة أخرى سوداء تتكدس فيها فصول الإجرام والتوحش والمجازر التي لم تعرفها البشرية على امتداد تاريخها الطويل، وكأنها استباق لحمل قتلة الأنبياء كتابهم بشمالهم يوم العرض على رب العالمين…

في الحقيبة الخضراء سقوط المحرمة الأولى الخاصة بهيبة الردع عند الجيش الإسرائيلي، بعد أن تمكن المقاومون من اقتحام ثكناته ومقراته القيادية بما في ذلك قيادة فرقة غزة، وأخرجوا الجنود والضباط من غرف نومهم بسراويلهم التي ابتل بعضها بشكل ملحوظ، وعلى خلفية الاقتحام تنتشر صور الجنود الذين أُخْرِجُوا من داخل دبابات “ميركافا 4” فخر الصناعة الحربية الإسرائيلية، وفي الحقيبة السوداء بقايا دماء ساخنة نزفت من المجمعات الطبية الفلسطينية التي تمت تسويتها بالأرض، ومعها صور أكثر من /42000/ شهيد وما يزيد عن /93000/ جريح والغالبية من الأطفال والنساء والشيوخ والمرضى والطواقم الصحية والإعلامية والتعليمية التي طالتها مخالب آلة القتل الصهيو ــ أمريكية وتفاخر بسفك دمائهم نتنياهو وأعوانه من فريق الإجرام الأكثر عنصرية وتطرفاً ونزعة مسعورة للسكر بدماء الأبرياء….

في الحقيبة الخضراء حشود ومظاهرات عمت العديد من دول العالم والجامعات بما في ذلك الأمريكية منها والأوربية الأطلسية، والجميع يطالب بمحاسبة حكام تل أبيب وإيقاف حرب الإبادة الجماعية والتهجير القسري، وفي الحقيبة السوداء يتبادل نتنياهو وبايدن الأنخاب في تعطيل مجلس الأمن وشل إرادة المجتمع الدولي وسلبه كل إرادة للفعل والتأثير، ويرفع بايدن نخب وزير الخارجية الإسرائيلي الذي هاجم الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة واعتبره شخصاً غير مرغوب به، فيقرع نتنياهو الكأس ويوشوش بايدن بهواجسه من إحالته أمام محكمة العدل الدولية، ولأن سمع بايدن ليس كما يجب أعاد نتنياهو حديثه بصوت مرتفع فقهقه بايدن وسقط الكأس من يده، ولما استفاق من غيبوبة الضحك قال لنتنياهو: هل أصابك مسٌّ من الجنون؟ أية محكمة هذه التي تستطيع أن تنفذ شيئاً ضدك وأمريكا سيدة العالم بلا منافس ولا شريك؟ هذا إذا سمح للمحكمة بإصدار قرار، ولن يسمح…

في الحقيبة الخضراء ملايين الأطفال الفلسطينيين المهجرين من بيوتهم بعد تسويتها بالأرض، وفي الحقيبة السوداء صور استهدافهم بالقذائف والصواريخ وهم حفاة في طريقهم لتفادي الموت الذي يلاحقهم جميعاً، حتى أولئك الذين التجأوا إلى مقرات المنظمات الدولية المختصة برعاية حقوق الطفولة والتعليم وإنسانية الإنسان…

في الحقيبة الخضراء صور لتكامل أداء الجبهات ووحدة الساحات وفي الثانية صور لقصف المدن اليمنية وكامل المناطق اللبنانية التي تعيش فيها البيئة الحاضنة للمقاومة، وفي مقدمتها الضاحية الجنوبية التي كان لها النصيب الأكبر من غارات الطائرات الأمريكية “إف 35” المذخرة بأكثر القنابل والصواريخ طاقة تدميرية…

وتطل صورة سيد شهداء المقاومة سماحة السيد حسن نصر الله بابتسامةٍ تعلو وجهاَ سموحاً حيناً، وبحاجبين مقطبين وسبابة مرفوعة تارة أخرى، ويتوارى طيفه الطهور وهو يوقع بأنامله الكريمة تحت جملة كتبها وقال فيها: “قطعاً سننتصر”…

في الحقيبة الخضراء ما لا يعد ولا يحصى من صور الكرامة والعزة والثقة بالله وبالنفس والقدرة على اجتراح النصر، وصور كثيرة من المظاهرات الإسرائيلية في تل أبيب وهي تطالب بوقف إطلاق النار ورحيل حكومة نتنياهو، وفي الحقيبة السوداء الكثير من الوجع إزاء الصمت العربي والإسلامي والدولي تجاه أبشع المجازر التي ترتكب على مدار الساعة…

نعم مضى عام كامل على انطلاقة طوفان الأقصى وبعدها قرر نتنياهو استبدال تسمية حرب الإبادة التي يشنها على كل من يرفض الإذعان لنزعة القتل والتدمير والإبادة المتأصلة في الكيان الغاصب… قرر نتنياهو استبدال تسمية “السيوف الحديدية” لتصبح “حرب النهضة” وحرب “يوم القيامة”، فهل تيقن النتن أن الطوفان يجرف السيوف، وما يبقى منها يعلوه الصدأ، وهل غاب عن ذهن النتن أن “حرب يوم القيامة” تعني فناء الجميع بمن فيهم من أطلق التسمية؟ وأن “النهضة” إن كان يقصد بها الانبعاث قبل الحشر فهي محكومة بالموت السابق لها، والمكوث في ظلمات القبور إلى أن يأتي الله بأمر كان مفعولا…

(موقع سيرياهوم نيوز-١)