في وقت تستمرّ فيه تل أبيب في مناكفة الوجود الأردني في القدس المحتلّة، لم يجد عبدالله الثاني بدّاً من التَوجّه إلى واشنطن، حيث وضع شكواه في يد جو بايدن، متأمّلاً انتزاع ضمانات أميركية بعدم المساس بالوضع التاريخي في الحرم القدسي. وفي انتظار ما يمكن أن تقوم به الولايات المتحدة في هذا الإطار تلبيةً للرغبة الأردنية، يبدو أن العلاقات بين المملكة وإسرائيل عادت إلى دائرة التأزّم، خصوصاً في ظلّ ميل الأخيرة إلى موقف أكثر تطرّفاً بخصوص المسجد الأقصى
عمّان | قبيل تَوجّهه إلى الولايات المتحدة في «زيارة خاصة تسبق زيارة عمل»، التقى الملك الأردني، عبدالله الثاني، رئيس «القائمة العربية الموحّدة» في «الكنيست» الإسرائيلي، منصور عباس، الذي كان أبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، برحلته إلى عمّان، من دون أن يعترض الأخير عليها، ومن غير أن يحمّله في الوقت نفسه أيّ رسالة إلى عبدالله. أكد عباس، خلال الزيارة، وفقاً لما نقل عنه موقع «والا» العبري أن «الملك لا يريد تصعيداً، وعلينا أن نرى ما يمكن فعله، حتى لا يحدث ما حدث هذا العام مرّة أخرى العام المقبل»، مشدّداً على أن الوضع في المسجد الأقصى يحدّده عبدالله بوصْفه صاحب الوصاية على المقدّسات، في ما بدا محاولة من قِبَل الأخير لاستخدام «القائمة العربية» في معركة الوصاية، والتي يبدو اليوم أنها تعود إلى المربّع الأوّل، في ظلّ التصعيد الإسرائيلي ضدّ الأردن، وتأكيد تل أبيب أنها «حرّة التصرّف» في الحرم القدسي. على خلفية كلّ ما تَقدّم، يمكن فهم استعجال الملك التوجّه إلى الولايات المتحدة، متأبّطاً ملفّ الوصاية، إذ يَظهر أن عبدالله أراد انتزاع ضمانات أميركية بعدم المساس بالوضع التاريخي في الحرم القدسي، خصوصاً بالنظر إلى خطورة ما أقدمت عليه إسرائيل، بسماحها للمستوطنين بالصلاة في المسجد.
بدأ عبدالله زيارة العمل تلك، بلقاءات عسكرية في مدينة تامبا في ولاية فلوريدا، حيث اجتمع بقائد القيادة المركزية الأميركية الفريق أول مايكل كوريلا، وقائد قيادة العمليات الخاصة الأميركية الفريق أول ريتشارد كلارك. وتكتسب هذه اللقاءات أهميتها من واقع اضطرار الأردن لإجراء مناورات مشتركة مع الولايات المتحدة، بحضور إسرائيل التي أصبحت منذ أكثر نحو عام تحت مظلّة القيادة المركزية الأميركية، وهو ما يَصعب تمريره داخل المملكة – التي سيكون عليها والحال هذه استضافة قوات إسرائيلية -، أقلّه على الصعيد الشعبي، في الوقت الذي تسحب فيه تل أبيب البساط في القدس من تحت أقدام الهاشميين. ولا يمكن، في هذا السياق، تجاوز دلالات الجلسة المغلقة التي عقدها مركز دراسات أسّسه مدير مكتب الملك الحالي جعفر حسان، في نيسان الماضي، حيث تحدّثت شخصيات عديدة بعضها محسوبة على حسان عن آفاق العلاقات الأردنية – الإسرائيلية، وبعثت برسائل واضحة بانزعاج عمّان من المساس بمسألة الوصاية. يُضاف إلى ما تَقدّم أن السلطات الأردنية سمحت بتحرّكات لـ«الإخوان المسلمين» تحت عنوان نصرة الأقصى، بعدما أتاح الخطّ الذي انفتح بين غزة وعمّان منذ معركة «سيف القدس» بتحسين العلاقة مع حركة «حماس»، وهو ما ظهر في تشديد الأخيرة على أهمّية الدور الأردني في ما يتّصل بالمقدّسات. ويَظهر، في خلفيّة ذلك، اعتقاد الأردن بأن خطاب «حماس» يمكن احتواؤه قُطرياً بأقلّ تقدير، فيما الخشية هي من منافسة سُنّية دولتية على الوصاية (خصوصاً من السعودية والإمارات والمغرب وتركيا)، وأيضاً من انفتاح الباب لدخول إيران و«حزب الله» على الخطّ.
يَظهر أن عبدالله أراد انتزاع ضمانات أميركية بعدم المساس بالوضع التاريخي في الحرم القدسي
واستبق نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، لقاء عبدالله بالرئيس الأميركي جو بايدن، بإجراء مقابلات تلفزيونية، أعلن فيها أن «ما نريده الآن هو الحفاظ على التهدئة، وهذا يبدأ باحترام إسرائيل للوضع التاريخي والقانوني في المقدّسات». وبالتوازي مع ذلك، سرت أنباء عن إعداد الأردن وثيقة حول المحافظة على الوصاية الهاشمية، سيجري عرضها على الأميركيين، تتضمّن مرافعة تاريخية وسياسية بخصوص جملة القرارات والاتفاقيات التي تؤكد أن «الحرم القدسي بكامل مساحته هو مكان عبادة خالص للمسلمين، وأن إدارة المقدّسات الإسلامية التابعة لوزارة الأوقاف الأردنية هي صاحبة الصلاحية الحصرية في إدارة كلّ شؤونه». كما تتضمّن الوثيقة المطالبة بإعادة ترتيب التدابير الأمنية، لجهة سحب السيطرة على الحرم القدسي وأبوابه من الأمن الإسرائيلي، وإحالة تنظيم أيّ زيارات لغير المسلمين إلى دائرة الأوقاف التابعة لوزارة الأوقاف الأردنية. لكنّ صحيفة «معاريف» العبرية نفت، من جهتها، أن تكون هناك أيّ مطالب بهذا الخصوص. ومع بداية الأسبوع الماضي، وخلال 24 ساعة، نفى الأردن، مرّتَين، عبر وزارتَي الأوقاف والخارجية، ما تناقله عدد من وسائل الإعلام حول موافقة الحكومة الإسرائيلية على طلب أردني بزيادة عدد حراس المسجد الأقصى، مؤكداً أن مسؤولية تعيينهم تعود إليه حصراً، لافتاً إلى أنه عيّن أكثر من 70 حارساً منذ عام 2016، إلّا أن إجراءات التعسّف الإسرائيلية تحول دون التحاقهم بعملهم.
وبالعودة إلى جولة عبدالله، فقد استبق الأخير لقاءه بايدن، بلقاء عدد من القيادات المسيحية في نيويورك، حيث تطرّق إلى أهمّية العمل بشكل جماعي للحفاظ على الوجود المسيحي في المنطقة، محذّراً من التضييق المستمرّ الذي يطاول المسيحيين في الأراضي الفلسطينية وبخاصة في مدينة القدس، مشيراً إلى أن بعض ممتلكات هؤلاء صادرتها منظمات متطرّفة، فيما أخرى تخضع لضرائب عالية. كذلك، اجتمع الملك برئيس أساقفة أبرشية الروم الأرثوذكس في أميركا إلبيدوفوروس، وبحث معه سبل دعم جهود الأردن في تعزيز الوجود المسيحي في الشرق الأوسط. وشملت جولة الملك أيضاً لقاءات مع عدد من أعضاء الكونغرس، ورئيس وأعضاء اللجنة الفرعية لمخصّصات وزارة الخارجية والعمليات الخارجية والبرامج ذات الصلة في مجلس النواب، فضلاً عن مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، ومنسّق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي بريت ماكغورك، ووزير الدفاع لويد أوستن. وفي نهاية جولته، التقى عبدالله الرئيس الأميركي، في اجتماع لم يخرج في الظاهر عن نطاق البروتوكولات، لكنّه بدا فعلياً محاولة لوضع كُرة الوصاية في ملعب إدارة بايدن، في وقت تخوض فيه عمّان مواجهة صعبة مع تل أبيب، يبدو أن مَن يقودها فعلياً هو مجلس الأمن القومي الجديد، ولا سيما في ظلّ حضور رئيس المخابرات الأردنية، أحمد حسني حاتوقاي، الاجتماعات الخاصة بالشأن الفلسطيني، إضافة إلى دخول رئيس الوزراء، بشر الخصاونة، على خطّها، بعدما جرى تغييب شاغل هذا المنصب لسنوات عن اللقاءات المتّصلة بالسياسة الخارجية، والتي تولّاها الملك ووزير خارجيته وحدهما. والظاهر أن التصعيد الأردني في قضية اغتيال الصحافية الشهيدة، شيرين أبو عاقلة، ليس منفصلاً عن سياقات تلك المعركة وأدواتها.
سيرياهوم نيوز3 – الأخبار