| حاورته: سهيلة إسماعيل
لن يطيل الشاعر عبد الكريم الناعم الشرح خلال رده على أي سؤال يُوجه له. وسيكون جوابه مُختصراً وحاسماً وكافياً؛ لأنه شق لنفسه طريقاً معبدة بمبادئ لا تتغير حتى غدت ثوابت في حياته، سواء في نظرته لكتابة الشعر وحال الثقافة اليوم، أو في رأي النقاد بكتاباته الشعرية، ولا غرابة في الأمر وهو الذي خبِر الحياة بكل جوانبها فظهرت خبرته في مجال الثقافة من خلال كتاباته الشعرية العميقة منذ صدور كتابه الشعري الأول «زهرة النار» عام 1965حتى أصبح عدد الكتب الشعرية 30 كتاباً، ودراساته النقدية للشعر «أربعة كتب». والكثير من الزوايا والمقالات في الصحف المحلية. بالإضافة إلى كتاب بعنوان «حمأة الإخوان والوهابية» يبين فيه حقيقة الإخوان وعلاقتهم بالوهابية، وكتاب»مدارات رقم 1» وهو عبارة عن سيرة زمن من الطفولة حتى عام 1963 ، وكتاب آخر قيد الطبع يحمل عنوان «مدارات 3» سيرة رجال.
وعن مسيرته الحافلة في حقل الكتابة المتنوعة بين الشعر والنثر والنقد كان لنا معه الحوار التالي:
– بين الشعر والنثر والدراسات النقدية والمقالات أين يجد عبد الكريم الناعم نفسه؟
– أجد نفسي في كل واحدة من هذه الأنواع لأنني أجد شيئاً من حضوري الخاص بحسب نوعية الموضوع المكتوب وما أتطرق إليه.
– هناك مَنْ يعتبر أن شعرك مليء بالألفاظ الصعبة فما رأيك؟
– أستغرب مثل هذا الرأي فأنا لست عويصاً لا في مفرداتي ولا في صياغتي للجملة الشعرية أو للبناء، ولا تحتاج قصائدي إلى قواميس، بل تحتاج إلى نصف مثقف إن صحّتِ التسمية، أما من أجل فهمها فتحتاج إلى شاعر أو إلى من يمتلك موهبة قراءة الشعر. وأنا وغيري لسنا معنيين بجهل الآخرين فهم المسؤولون عن جهلهم. وهل يمكن أن يكتبَ الشعرَ شاعر يجسِّد مزاج من لا يليقون لا بقراءة الشعر ولا بفهمه.
– لمن تتوجه بكتاباتك ؟
– أتوجه بكتاباتي إلى الشرائح التي تهتم بالثقافة وتدرك معنى الثقافة ولو إدراكاً أولياً وهي وإن كانت تحمل هموم الشرائح الاجتماعية بجدارة فإنها لا تطلب من هذه الشرائح أن تستوعب كلها مضامين الكتابة؛ لأن للكتابة مناخها وتحتاج إلى قارىء يتمتع بحساسية تؤهله لدخول عالم الثقافة، فأنا على سبيل المثال وإن كنت قد كتبت الكثير عن العمال والفلاحين وصغار الكسبة فإنني لا أطالب هؤلاء بأن يفهموني كما يجب لأنهم لم يُؤهلوا ولو بأشكال مبدئية لمسألة القراءة.
– عبّرت غير مرة عن انحيازك للشعر الموزون بشكليه العمودي والتفعيلة فما رأيك بقصيدة النثر؟
– لقد خصصت مساحة واسعة من كتابي النقدي «في أقانيم الشعر» لموضوعة قصيدة النثر. وأنا لا أطالب بإلغائها ولا بمصادرتها وليس من حق أحدٍ هذا. لكن أطالب ألا ينسى الناس أن الإيقاع»الوزن» يعتبر شرطاً نهائياً في الشعر، أعني الشعر الجدير بالتسمية، وفي قصيدة النثر كتاب مبدعون ويقرؤون باحترام . لكنها تظل في التقييم قصيدة نثر لا قصيدة شعر.
– في الكثير من كتاباتك الشعرية يبدو تأثرك بالطبيعة. فما علاقتك بها؟
– هي عنصر أساسي وغني في شعري ولعلني اخترت ذلك منذ الطفولة حيث عشت في الريف حتى الثانية عشرة من عمري، وعرفت تنوع الطبيعة وأزهارها وأعشابها ولمست نداها وتفيأت ظلال أشجارها وراقبت تبدل الفصول. فأنا مسكون بالطبيعة ولا أعتقد أن شعراً يخلو من جمال الطبيعة إلا وفيه نقصٌ ما بذلك المقدار. والطبيعة كما هو معروف منبع من منابع الرومانسية. والرومانسية وتر شفاف في الآلة التي نعزف عليها.
– يرى الكثيرون أن أشعارك فيها جانب من الصوفية فهل لك أن تشرح لنا هذا الجانب؟
– هذا ملمح بيِّن واضح في معظم قصائدي وصوفيتي صزفية فكرية وجدانية ولا تعني المظاهر الرثة من تصوف الأزمنة التي مرّت وأعتقد أن الشعر العميق الأصيل ما يكاد يخلو من هذا الملمح.
– ما نصيب المقاومة في شعرك؟
– لديَّ أكثر من ديوان همّه عوالم المقاومة وتثمينها وضرورتها والتأكيد عليها كخيار أساسي للخروج من النفق. ولا يفوتني أن أذكر أنني عبّرت شعرا عما واجهته هذه البلاد في عشرية الخراب وقد صدر ذلك في مجموعة شعرية بعنوان «لأقمار الوقت» وهو أول ديوان ليس فيه شيء إلا له علاقة بالخراب الذي ضرب البلد، وقد أشار الناقد إياد فايز مرشد إلى هذا الأمر في كتب نقدي وقدم دراسة عن الديوان.
– من المعروف أنك تهتم بالموسيقا فما علاقة الشعر بالموسيقا؟
– الشعر الخالي من الموسيقا شعر يفتقر إلى سحر هذا العنصر وما من كتابة لافتة تخلو من موسيقا الإيقاع «الوزن» حتى في النثريات التي نتلمس قيها شيئاً من الموسيقا كما تابعت لا تخرج عن حد السبب والوتد والفاصلة.
سهيلة اسماعيل, [١٥/٠٧/٢٠٢٢ ١١:٥٣ ص.
– ثمة حزن في بعض القصائد. فما علاقة الشعر بالحزن؟
– وهل يمكن فصل الحزن عن الشعر أو عن التفكير العميق؟ الحزن جزء أساسي بل لعّلّه الجزء الأكبر من حياتنا، وقد قلت شطرة شعرية: «الحزن ليس طارئاً، الطارىء هو الفرح» فالأفراح قليلة في حياتنا . لستُ متشائماً ولا أدعو للحزن وأتمنى الفرح والمسرّة للجميع .
– هل نالت كتاباتك حقها من النقد والدراسة ؟
– كُتبت عشرات الدراسات عن بعض دواويني الشعرية وصدر كتاب نقدي بعنوان «رؤى جمالية في شعر عبد الكريم الناعم» لعصام شرتح. كما قُدمت رسالة ماجستير في كلية الآداب بجامعة البعث تتناول شيئا من تجربتي الشعرية. كُتب الكثير، لكن كل شاعر – كي أكون صادقاً- يتمنى لو كُتب عنه أكثر.
– قلت في لقاء سابق بما معناه أن حمص مدينة الشعر. فهل ما زالت كذلك؟
– قلت كما قال غيري أنَّ الأجيال الشعرية التي أبعت شعراً حقيقياً لم تنقط في مدينة حمص فهي متواصلة منذ عشرينيات القرن الماضي. ولو يتسع المجال لعددت أسماء الشعراء وهم كثر. نستطيع أن نقول إن حمص مدينة الشعر قياساً لم سبق لأن بعض المحافظات تفتقر إلى هذا التتابع الجيلي.
– هل يمتلك الشعر القدرة على إحداث نغيير في المجتمع؟
– الشعر وحده لا يستطيع القيام بذلك؛ بل هو جزء أساسي في البناء الثقافي المعرفي، والثقافة والمعرفة ضروريتان للوعي الذي يمكن أن يتحول إلى طاقة قادرة على التغيير.
(سيرياهوم نيوز 3-الثورة الثقافي24-7-2022)