آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » عدد خاص بغزّة صادر عن مجلة «الدراسات الفلسطينية»: شعرٌ مكتوب بالدم… باللحم الحيّ

عدد خاص بغزّة صادر عن مجلة «الدراسات الفلسطينية»: شعرٌ مكتوب بالدم… باللحم الحيّ

محمد ناصر الدين

 

إنّه شعرٌ مكتوب بالدم: كتبه بعضهم حين كان الموت يمشي نحو البيت، وأوقدوا حروفهم حين أطفأهم الصاروخ، قالوا كلمتهم ومشوا نحو المنايا، واختلطت الطائرات على أحلام أطفالهم… ظنوها طائرات ورقية كتلك التي يربطون براءتهم بخيطانها لتأخذهم خلف ذلك السجن الكبير نحو الحرية التي لا تكون إلا مصبوغة بالنجيع… أما من لم يموتوا، فمنهم من ينتظر، كتبوا من تحت النار والحصار أشعارهم باللحم الحيّ، والغول الذي يغذيه ويشدّ على يده كل سفلة الدنيا وشذّاذ الآفاق لم يرتوِ بعد من جثث أهلهم وأحبّتهم، ومن أنقاض بيوتهم وذكرياتهم: في عدد ممتاز (رقم 137) خصّصته «مجلة الدراسات الفلسطينية» بالكامل لغزّة (شتاء 2024) حضرت الملحمة الفلسطينية بكل تفاصيلها: من حوارية بعنوان «فلسطين من القدس إلى غزة»، إلى محور الأسرى والحرية، ومحور الإعلام والسردية، ومحور الإعمار والعمارة، ومحور الاجتماع والثقافة، وشاركت فيه أسماء بارزة مثل الياس خوري، وعبد الرحيم الشيخ، وسيف دعنا، وخالدة جرار، وخالد عود الله، ونصوص للراحلَين معين بسيسو وحسين البرغوثي وغيرهما. وكان مسك ختامه كلمة للقائد الجهادي محمد الضيف. إلا أن الأبرز هو محور الشعر الذي جمع قصائد للشهداء والأحياء اخترنا باقة منها في «كلمات» كتحية لغزة: هذا شعرٌ لا يمكننا إلا أن نصدّقه لأنه كلمة الحياة الأولى والأخيرة في وجه الموت، وصرخة الكرامة في وجه آلة الموت التي تغرز نصالها في لحمنا وتطحن عظامنا منذ زرع ذلك الغرب المستعمر والمستكبر تلك الغدة السرطانية بين ظهرانينا. لكن الشعر باقٍ كزيتون الأرض وتينها وبياراتها، ولا بد من أن ينجلي ذلك الليل في غزة الذي لا يشبه ليل الناس، ولا بدّ من أن نواصل الصعود يوماً نحو يافا كما تقول القصيدة، نحو التراب كلّه، من البحر إلى النهر، ولا بدّ من أن يرحل أولئك المارّون بين الكلمات العابرة.

 

1- روح مجرّة ـــــ هبة أبو ندى (1991 – 2023) استشهدت في 20 تشرين الأول (أكتوبر) 2023.

إِنْ كنتَ تحسبُني ذكرتُكَ

لو لمرّة

فلقد نسيتك في القصيدة

ألف مرّة

 

في المقطع الصوتيّ

للصمت الطويل

وحيثُ لا تَجِدُ الحواسُّ

فماً ونظرة

 

وهناك في كوخ الغياب

على شُعَيْراتِ الحصير المُقْشَعِرّة

 

في غرفة النسيان

حيثُ الشمس لا تدنو

إلى صدأ الأسرِّة

 

وعلى النواعير المقامة

فوق أنهار التلاشي

المستمرّة

 

وكأنّهم مسحوا بساتين

النخيل وما تبقّى في

الغياهب روح تمرة

 

قد مرَّ طوفان الأسامي

تحت أقلامي ولَمْ تَعْلَقْ

به في شبهِ

قطرة

 

بزغت مراعي الشوق

لَمْ تومِض لثانيةٍ

ولم يصهل عليك

خيال مُهْرَة

 

أطوي دروب الغائبين

ولا أفتّش عنك فيها

لَوْ كَعَثْرَة

 

في شارع التَّحْنان، أبداً

لا تمدّ الذكريات يداً

لماء أو لكسرة

 

خبز الكلام هناك أمسى

يابساً

والحبُّ في غميضة الذكرى

تَعُدُّ لَهُ لعشرة

 

قشّرتُ ذاكرتي

وسرتُ أحيك مِنَ البداية

للفؤاد الطفل

سترة

 

وسلخت حنّاء الحنين

فلي يدانِ ستنجبان

الضوء بكرة

 

مِنْ بعدِ ما نضجت جروحي

دهشة، والورد مثل الجمر عندي

محضُ حُمْرَة

 

من بعد ما اكتملت مقاساتي

بها، لا أرتدي حلماً صغيراً

بينما روحي المجرة

 

مِنْ بعدِ ما فهمت مخيلتي

قداسة نفسها

لن تستطيع بها الحلول

ولو كفكرة

 

لا أصنع الحلوى لأنسى

فالطعام المرّ أقوى

والقصيدة

بعد

مُرّة

 

هذا لأنّ نبوءتي قالت: سأدرك

حكمة الصّلصال،

لن أبكي لجرّة

 

ظهري -وإنّي لا أقول كسرته-

لكنّ شيئاً من خلالك

شاءَ كسرَه

 

الآن أجنحتي التي قد آلمتني

في سماء العنفوان

تطير حرّة

 

* أعيذك

 

أعيذُك

في الفروض

والاستخارة

وأرقي كل مئذنة

وحارة

 

من الصاروخ لحظة

كان أمراً

من الجنرال

حتى صار غارة

 

أعيذُكِ، والصغار

قُبَيْلَ يهوي

تغيّر بابتسامتها

مساره

 

 

أعيذك

أعيذك، والصغار هنا

نیامٌ

كما نام الفِراخ بحضن

عشٍّ

 

ولا يمشون للأحلام ليلاً

لأن الموت

نحو البيت

يمشي

ودمعُ الأمهاتِ غدا يماماً

ليتبعَهُمْ بِهِ

في كل نعشِ

 

أعيذُ أبَ الصغار وبعد قصفٍ

يشدّ البرج حتّى لا يميلا

يقول للحظة الموت

ارحميني

فماذا لو تأخّرت

قليلا؟

 

يقول: لأجلهم أحببت

عمري

هبيهمْ مثلَهُمْ

موتاً جميلاً.

 

 

أعيذك أن تصابي

أو تموتي

بعزِّ حصارنا

وببطن حوتِ

 

شوارعنا تسبحُ كلَّ

قصفٍ

وتدعو للمساجد

والبيوتِ

 

فحين القصفُ يبدأ

من شمالٍ

ستبدأُ مِنْ جنوب

بالقنوتِ

 

 

أعيذُك أن تصابي

أو تعاني

فقد حوّطت بالسبع

المثاني

 

من الفسفور طعم البرتقال

وألوان السحاب

من الدخان

 

أعيذك

إِنَّ مَنْ عَشِقا وماتا

سينقشع الغبار

ويضحكانِ.

 

2- «إذا كان لا بد أن أموت» ـــ رفعت العرعير (1979 – 2023) ـــ استشهد في 6 كانون الأول (ديسمبر) 2023.

إذا كان لا بد أن أموت

فلا بد أن تعيش أنت

لتروي حكايتي

لتبيع أشيائي

وتشتري قطعة قماش

وخيوطاً

(فلتكن بيضاء بذيل طويل)

كي يبصر طفل في مكان ما من غزّة

وهو يحدق في السماء

منتظراً أباه الذي رحل فجأة

دون أن يودع أحداً

ولا حتى لحمه

أو ذاته

يبصر الطائرة الورقية

طائرتي الورقية التي صنعتها أنت

تحلّق في الأعالي

ويظنّ للحظة أنّ هناك ملاكاً

يُعيد الحب

إذا كان لا بد أن أموت

فليأتِ موتي بالأمل

فليصبح حكاية.

* ترجمها عن الإنكليزية: سنان أنطون

 

3- «قصص*» ـــ مريم حجازي (1995 – 2023) استشهدت في 18 تشرين الأول (أكتوبر) 2023.

إناث البلاد تجدل قصصها نحو التلفزيون

يقف الصحافي بكاميرته يسرق احمرار

وجنتيها

صفير صوتها، يقول تتواجد معي قطعة

سكاكر

مَن يرغب في علكة

تتحول قصصنا إلى سكاكر يمضغها الناس

يبصقونها في الشارع حينما ينتهون

وهكذا تُروى قصص النساء

بين أرصفة الشوارع والأزقة

قصة ما قبل النوم…

* ينشر هذا النص بإذن من «معهد دراسات المرأة» في «جامعة بيرزيت»، مشروع «شهادات نساء من غزّة».

 

4- «ليلٌ لا يُشبه ليل الناس» ـ سليم النفّار (1963 – 2023) استشهد في 7 كانون الأول (ديسمبر) 2023.

الليل هنا، لا يُشبه ليل الناس

نحن الآن بلا نوم

يا أسياد النوم العربي؛

فالنَّارُ هنا من أخمص أرضي حتى الرأس

الوقت يمر ثقيلاً

محقوناً بدمي

برحيق الأنفاس

وأنا أركب خيل الحلمِ

وأفتش عن نرجسة في حقل الآسْ

الليل هنا، لا يُشبه ليل الناسْ

في شرفتهم أكواب مختلفة؛

ومساقات لحديث مشغول بمسرة؛

وقصير ذاك الليلُ، فليس به حرّاسْ

لكن:

الليلُ هنا مخطوف من ليل

لا يزرع فينا غير الخوف وغير الوسواسْ

لا شرفة في بيتي تفتح ضوء الشمس

مسروق صبح مدينتنا

فرح الأطفال، ونومي مسروق

تعبٌ من نار تطفح بالحقد

لكن:

ما زلتُ على أمل

لا أظْهِرُ عندي فزعاً للأولاد

رغم الأوجاع المدفونة في صدري

أو أصداء الخنّاس

حين يجن القصفُ المجنون

لا أعرفُ إِنْ سقطت نافذة

أو أن يدي ضربت رمل الوقت بلا أجراسْ

فالليل هنا، لا يُشبه ليل الناسْ

الناس تنام وتصحو، على وقت في حبر

أجندتها

لا ضير بأن تعبث: في هامش جدولها

تلهو من كدر، فتؤجل ضحكتها

لكن:

في غزّة لا تأمن أنْ تلهو بالوقت وبالإحساس

هزّات الأرض قوية،

نكسر ريختر لو حاول أي قياس

وحش منفلت من عصر حضارتنا

لا يُشبه أي الأجناس

موهوم بالقتل،

وكأنَّ دم الأطفالِ يُديمُ خرافاتِ العرشِ

في الخوذات الفاسدة

أي سماء ترجو

أي فضاء تعلو

أي موات تدنو؟؟

 

– لماذا تذهبين الآن؟

 

وحيداً أقود الوقت

إلى راية في الأعالي

لماذا تركت يدي الآن

ألَم نتفق يا حبيبة: معاً

أن نواصل قتال الليالي؟

ألم نتفق أن نواصل نشيد الصعود

نحو يافا

وأحلام الفتى

ذاك الذي تعشقين؟

أيا مصطفى قلبها:

لم ينم نبض قلبك في وريد الزمان

كلَّما هبَّ الحنين

تناديك ليلى بكلِّ الصِّفات،

تلك التي لم تغب،

عن سماء الذكريات

صاحياً صوتها لا ينام

يُداري هبوب الصَّدى صورةً

يلمعها الندى، يُعطِّرُها الأرجوان

لماذا إذا ترحلين الآن؟

تعبت تُرى،

أم جدالٌ عقيمٌ

على درب حلم بنا،

لم يعد يكفي شروحاً

على ما مضى من حنين هنا

في سجلات الخوالي؟

وحيداً

تركت الفتى يا معلمتي

يواصل عتمة في الطريق

عقود مضت من تفاصيل المسيرة

وكنّا على مهل تُضيء الفوانيس

على كل مُفترق،

نرى فيه حلماً عتيق

أعيدُ الآن من شاشة التذكار،

شكل عينيك، حينما أيقنت دربي إلى غزّة

تداعت إليكِ تفاصيل يوم قديم

قلت في حينها: أن المرايا تعود الآن

إلى نهرها؛

تشطف الصبح المخبأ في الغمام العميق

تُعلي بيارق من تنادوا في الزمان

لكنّهم رحلوا… فهل يأتون من وجع نُسمّيهِ

السلام

وأردفت دمعاً ساخناً في يَدِي

وأطلقت موجاً من كلام:

اذهب بنيّ

إلى ما نشتهي من حلمنا

في حيّز في المكان

ربّما نصطفي ساعة في طريق المنام

ربّما

ربَّما يفرح القلب

ولو بعد حين من ظلام

ربَّما نسوق جيش الأماني

على موج تداعى في ضلوعِ الزَّمانُ

لكنّها قالت:

تمهّل حبيبي

فإنّي أرى ما لا يُرى في هشيم السنين

يا رفيق الزمان الجميل

أرى الآن أفراحي

يُغالبها وجيع الوقت مُنثالاً على لهب الحريق

لا يُطامنني سؤال

هنا… في انزياح المعاني

على رسلها موجاً يُضاهي الكبرياء

كاذب هذا المهرّج

فلا بحر من خلفنا، لا

ولا فرسان في قمم الضّياء

وجوقات الأغاني هنا،

ليست سوى ذاك النعيق

وحيداً

تركت الحلم يا قلبي

لماذا الآن،

وأنتِ التي كاسرت أعباء الطريق

لمْ تُهزمي ذات درب؛

لكن: تنامين الآن من وجع عميق

لا يستوي حلمنا في شقاق الرفاق

هكذا قلت ذات صبح،

حينما ضجَّ الكلام،

هارباً من نُسغه ذاك البريق

وحيداً

أعاني ندوباً على سطح حلمي

أعرّي جروحي لملح الليالي

أضيء الوقتَ في شمسنا الخافتة

لعل الحبَّ يُسعفنا

لعل الشعر ينقذنا

في انفضاض القافلة

وحيداً

تركت الفتى في الليالي الباردة.

 

5- «أَجُرُّها معي أينما حللت» ـــ يحيى عاشور

ما الذي سيعوّضني

لقاء كل صاروخ سمعته ينفجر

لقاء كل مرّة دفعتني الحرب

إلى حافة الموت

ولم أمت؟

 

ما زال دمي يغلي

سلام لغزة

كل مرّة أتذكَّر فيها أنَّ حروباً

حاصرتني في البيت

بطحتني على الأرض

قيّدتني بالقلق.

 

ما زال دمي يتبخّر

كل مرّة أتذكَّر فيها عدد الصواريخ

التي سقطت قرب بيتي الليلة «الماضية»

رحمتك يا إلهي…

كلّما حاولت عدّ الصواريخ لا أحصيها!

 

يقهرني ضيق معنى النجاة

لأنّي لم أنجُ بعدُ مِنْ أَوَّل حرب شهدتها

وها أنا «أنجو» مِنْ أوَّل حرب لا أشهدها.

 

كل مرَّة أكتب عن الحرب

أكتب الكلام ذاته

مع قليل من التدوير والتبديل

ولا أكاد أصيب جسد الحرب أرضاً.

 

جسد الحرب ملتصق بجسدي

أَجُرُّها معي أينما حللت

أمّا روحها

فأخشى أنَّها أمستْ روحي.

 

أيّها العالم

حين تنتهي الحرب وتكون لنا فرصة لقاء

اسمح لي بالصراخ في وجهك

كلما أدنيتُ يدك تربتُ على كتفي

اسمح لي بالبكاء رعباً منك

كلّما حاولت أن تبكي من أجلي.

 

اسمح لي بالجلوس صامتاً أمامك

في غرفة المؤتمر

وفي غرفة التحقيق وفي غرفة النوم

ولا تسألني عن أي شيء.

أما أنت أيها الاحتلال

فما تزال نكاتك سخيفةً وغير مضحكة

لا أعرف كيف تدسها حقائق في حليب العالم

العالم الذي يفرح بانتهاء الحرب كأنها فيلم

ناسياً أنك تعيدنا كل مرّةٍ إلى مسلسل

الحصار.

 

لم أصدق نجاتي يوماً

اليوم فقط أظنّني تأكدتُ

أنني نجوتُ فعلاً مِنْ كل الحروب السابقة

ولم أصدق نجاتي يوماً

حتى توقدت هذه الإبادة وأنا خارج غزّة.

 

كل حرب عشتها

كنتُ أظنُّها آخر حرب أعيشها

ليس لأن الحياة كانت تأسف على شيء

بل لأن الموت كان الفكرة الوحيدة

التي يمكن أن تدور في رأسي

الموت كان الفكرة الوحيدة

التي اتَّخَذَتْ مِنْ رأسي ملجاً

ولم أكن ألجأ في نجاتي

إلّا للموت.

 

كنتُ أفكر دائماً:

سينهال السقف على جسدي في أيّ لحظة

ويغرسني في جوف الأرض أيما غرس

أو ربّما ستصيبني قذيفة

تقطع أوصالي وتفحّمها

حتّى قبل أن تتمكن روحي من مفارقتي

فلا يسعني أن أحلّق في السماء

ولن تنفعني يومئذ عرجتي.

يا لحسرتي هذه المرّة

يا لحسرتي في نجاتي

الموت أبعد ما يكون عنّي

لكنّه يعانق بحرارته رفاقي

ويلاحق أطفالهم دون حلوى.

 

لستُ في غزّة هذه المرّة

كي تسجّل الحرب حضوري

أو حتّى نجاتي مِنْ عدمها.

 

6- «في جنازة» ـ مصعب أبو توهة

في الحرب تحتاج أن تغير ملابسك في كل

جنازة تخرج بها،

فأنت لا تريد أن يقول الناس أنك لا تملك غير

هندام واحد فقط

يحدث أن تغير ملابسك أربع مرات خلال ساعات

كل هذا يعتمد على عدد الجنازات في المنطقة.

 

حدث أن بحثت عن ملابس تحت ركام بيوت

الجيران

ملابس أصدقاء من مثل سنّي. كنت أعتذر وأقول:

«آسف، يا فلان، فربما اشتريت هذا القميص أو

السروال قبل أيام

ولم تلبس أياً منها. لكن ها أنا ألبسها في

جنازتك أو جنازة جارك.

أليس هذا جيداً؟»

أمّا بالنسبة إلى النعال، فمَن ينظر إليها؟

فقط الموتى تحت الأرض يمكنهم تمييزها من

الأسفل.

هم فقط من سيلاحظون ماذا سأرتدي.

 

7- «صعدنا للحياة» ـ وضاح أبو جامع

صعدنا للحياة

كمَن يصعد سيارة فارهة

إلى نزهة قصيرة

واختلفنا كثيراً مَنْ فينا يجلس عند النافذة

أوهمنا الدفع الرباعي

وسرقنا الوقت

لنتلصّص على المناظر الخلابة

ونندهش من السرعة الفائقة

وتلك المركبات

التي حاولت الاصطدام بنا

وتجاوزناها

حتى نسينا تماماً

أنّ السيارة مفخخة

وكل المركبات التي سبقناها

جاءت

لإسعافنا

 

في مدينتك البعيدة

تتراقص الحرب على جثث

الموتى

وغبار البيوت

وحين تقفزين من صوت القصف

أستيقظ

في مدينة أُخرى

وعلى جسدي

آثار

تعذيب

■ ■ ■

لدي ابنة عمّ

جاءت إلى الحياة

بعد سنوات من زراعة النُّطف

في أوردة القحط.

توفيت إثر شظية طائشة اخترقت رأسها.

لم يخطر لذهني قبل الحرب

بأن الورود الاصطناعية

قد تذبل.

■ ■ ■

في عام 2008 حين بدأ وحش الحرب بالنهوض، كنتُ أُحضّر نفسي لاختبار التاريخ المعقد في اليوم التالي، ولم تمر سوى لحظات لأسمع للمرة الأولى في حياتي أول صاروخ لطائرة من طراز F16 ولم تغفل عيني حتى شاهدتُ أول رأس مُلقى بعيداً عن جسد وبلا أي تقديم للاختبار. احتسبوا علامة شبه كاملة لكل الطلاب الذين شاركوا في التأريخ.

■ ■ ■

يقف الجميع في حيرة من أمره

بينما يُشاهد الفلسطيني يبتسم أمام ركام منزله

أو مكبل الأيدي

في لحظة اعتقاله

وفي المرة التي يحملُ بها نعش ابنه في

جنازة، وحدَه مَن يُدرك

بأن الموت

هو الذي يطلب منه أن يبتسم

ليأخذ له صورةً

جيدة.

 

8- «رثاء» ـ بيسان عبد الرحيم

أخذوا دمك

غسلوا به الطريق

ماء يسقي عطش المغتربين

عنبر يعطرُ خطانا

يمسح خطايانا

 

مَن باع اسمك يا رفيقي؟

كفكفنا الأيادي

وتصافحوا

 

وحدي

أرش الحنة على أعتاب الغياب

أجدل خصل العتاب

خطواتك زالت على الباب

وما زلت أمشّط رمل الخيام

أفرك يدي بالريحان

أيّوب أعرني القميص

فما بال عيني

 

ما كنت أعرف أن الطريق

طويل

طويل

طويل

من كان يعرف الطريق غيرك

فاختصرته بالغياب

تصافحوا…

 

9- «شبعت موتاً» ـــ عثمان حسين

شبعت موتاً،

حتى امتلأت أنقاضاً ومفقودين

وحكايات لا تصلح للأحفاد الثكالى.

يا موت انتظر،

أحتاج أن أبلع ريقي،

أو حتى ينتهي الجلاد من أشغاله.

يا موت أيها المنادى

لا تليق بنا.

***

أعزل وفي عزلة،

أطل من نافذتي على بقاياي، أرى من يدفنون

رؤوسهم في رمال تتحرك رافعين مؤخراتهم

شارات نصر مقلوبة، أراهم زرافات

زرافات.

وفي عزلتي يكذب المنجمون دائماً، أو يجهلون

غايتي، لذا، أفاجئ العزلة أحياناً، فأترجل

خارج كهفي أركل علبة كولا فارغة عدة أمتار

إلى الأمام، وأواصل الطريق إلى ساحة الجندي

المجهول، كي أحتار وأرتبك أمام خليط

العابرين الذين تجمعهم عيونهم المطفأة،

وتفرقهم خصومات وقصائد جائعة، لا شعر

فيها ولا كلاماً يُشبع جائعاً ملقى، لا يرى إلّا

أحذية بالية وسيقاناً أنهكها المسير.

أنساب في الزحام كأفعى، معتقداً أنني

لا مرئي، وأن عزلتي تغلفني.

فاجأتها وترجلت خارج كهفها، حاملاً

حلماً يتشكل في كل حين، يصطدم في رؤوس

الناس، تتكسر الرؤوس، وتتوزع أشلاء الحلم

أفكاراً وحكايات موت ليلاً وكوابيس،

وسحابات جوفاء تتجول مثلي

■ ■ ■

عاد جدي ليطعم الطير، ويغلق الباب المفتوح،

أعزل، يحمل رأساً محشواً بحكايات خرساء.

اصطاد رأسه جندي جاء للتو من بلاد بعيدة.

أبي لم يعد، ولم يصطده الجنود، لكنه

ساقني إلى مصير ما زال منتصباً في وجهي،

تُحلّق الكوابيس في فضائه المجهول.

عاد جدي ولم يصل.

 

10- «اليراعات» ـ وليد الهليس

لا أتعوّد غيابهم؛

غيّرتُ غبار أقدامي

وأقمت في لغات بعيدة…

أنزلت براويز وسامتهم عن الجدران

حاولت

لكنهم لا يستأذنون بالدخول..

يعبرون حديد السماء بلا ألم،

ينظرون إلى فراغ الجدار

لا يقولون شيئاً

ثم، دون سلام، يغادرون

أسماؤهم تغيب عن الحفل

ووجوههم عن الكلمات

عن زوال السحر

عن الأوسمة

لكنهم لا يغيبون

لا أتذكر الآن، غيرهم…

لا أفتح الباب لطارق،

ولا أجالس أحداً، سامراً،

سواهم

 

في ضوء أسمائهم أسوق عتمتي إلى وكرها،

وألمّ حجارة البيت

وأحمل آخر وردة في حديقتي

إليك

 

العتم يوسع الخطو والطريق تضيق

ولا شيء يضيء للسراة

لا شيء

سوى يراعات تنوس وهي تبتعد

 

مديح الشوكة

الشوكة، لا غيرها؛

حارس الضوع

واضحة، لا تثرثر، لا تتلعثم

لا شيء يملكها

غير شوق لا يروي

لا شيء

غير مجد العناد، بسالة اليأس، ووقفة

المحارب

 

الشوكة، لا غيرها، تكتفي بالقرب؛

لا تذل ولا ترغب

لا تعرف الانحناء

لا وهم يأخذها

لا رجاء

 

الشوكة لا تريد شيئاً، يا أصدقائي،

ومثلها نحن أيضاً

لا نريد سوى أن نظل هنا، أو هناك

يعذبنا اللون، وهو يحول،

معاً،

ورويداً نجف،

رويداً

ونحن نرى العطر يرحل

 

لا ننحني،

ونموت

شوكة لا تخون وردتها

 

سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية

x

‎قد يُعجبك أيضاً

المؤسسة العامة للسينما تعيد تأهيل صالات الكندي

تماشياً مع رغبة المؤسسة العامة للسينما في تقديم أفضل ما يمكن من أساليب العمل السينمائي، وتأكيداً لضرورة تأمين حالة عرض متقدمة ومتميزة لجمهورها، فإنها عملت ...