| وائل العدس
قبل عشرة أعوام، شكّل رحيل الشاعر السوري الكبير سليمان العيسى خسارة كبيرة للمشهد الشعري بعدما قدّم على امتداد ثمانية عقود ونيف عشرات العناوين للمكتبة العربية، هكذا فارق الحياة عن عمر 92 في دمشق.
آثر صديق طفولتنا الرحيل ونحن بأمس الحاجة لقصيدة دعائه لسورية «يا إلهي يا إلهي يا مجيب الدعوات احمني واحم بلادي من شرور الحادثات».
كبر معنا، وكبرنا به وعلى أناشيده.. وملأت مفردات لغته العربية أسماعنا وصافحت أعيننا، بعدما نذر شعره لوجدان الإنسان وخاطب بقيثارة شعره براءة الأطفال.
الإحاطة بالموضوعات القومية والوطنية والإنسانية والوجدانية التي كتبها خلال ثمانية عقود ونيف من تجربته الكتابية تجعله إلى جانب الجواهري أكثر شعراء العربية الذين كتبوا على امتداد أطول شريط زماني، وهي سمة من الممكن دراستها على صعُد كثيرة، ولعل الكتابة عن قضية فلسطين قد أخذت جزءاً مهماً من اهتمامه وعنايته، إلى جانب قضية مسقط رأسه الذي سرق من أهله، والكتابة عن الشهداء والبؤساء وغير ذلك من أمات الموضوعات المهمة، لتصلح تجربته الحياتية والإبداعية، كي تؤهله ليكون شاهد عصر كامل حافل بالأحداث الكبرى.
مسيرة حياته
ولد الشاعر سليمان العيسى عام 1921، في حارة بساتين العاصي في قرية النعيرية الواقعة غربي مدينة أنطاكية في لواء إسكندرون المحتل.
تلقى ثقافته الأولى على يد أبيه المرحوم الشيخ أحمد العيسى في القرية، وتحت شجرة التوت التي تظلل باحة الدار، حفظ القرآن الكريم والمعلقات وديوان المتنبي وآلاف الأبيات من الشعر العربي، ولم يكن في القرية مدرسة غير الكُتَّاب الذي كان في الواقع بيت الشاعر الصغير، والذي كان والده الشيخ أحمد يسكنه، ويعلِّم فيه.
بدأ كتابة الشعر في التاسعة أو العاشرة، حيث كتب أول ديوان من شعره في القرية، تحدث فيه عن هموم الفلاحين وبؤسهم.
دخل المدرسة الابتدائية في مدينة أنطاكية، ووضعه المدير في الصف الرابع مباشرة، وكانت ثورة اللواء العربية قد اشتعلت عندما أحس عرب اللواء بمؤامرة فصله عن الوطن الأم سورية.
شارك بقصائده القومية في التظاهرات والنضال القومي الذي خاضه أبناء اللواء ضد الاغتصاب وهو في الصفين الخامس والسادس الابتدائي.
غادر لواء الإسكندرون بعد سلخه ليتابع مع رفاقه الكفاح ضد الانتداب الفرنسي، وواصل دراسته الثانوية في ثانويات حماة واللاذقية ودمشق. وفي هذه الفترة ذاق مرارة التشرد وعرف قيمة الكفاح في سبيل الأمة العربية ووحدتها وحريتها.
شارك في النشاط السياسي منذ البدايات وهو طالب في ثانوية جودت الهاشمي في دمشق أوائل الأربعينيات، وأتم تحصيله العالي في دار المعلمين العالي في بغداد، بمساعدة من العراق.
عاد من بغداد وعُيِّن مدرساً للغة والأدب العربي في ثانويات حلب، وبقي فيها من سنة 1947 وحتى 1967 يدرّس ويتابع الكتابة والنضال القومي، ثم انتقل إلى دمشق موجهاً أول للغة العربية في وزارة التربية.
كان من مؤسسي «اتحاد الكتّاب العرب» في سورية عام 1969، يحسن الفرنسية والإنكليزية إلى جانب لغته العربية، وزار معظم أقطار الوطن العربي وعدداً من البلدان الأجنبية.
اتجه إلى كتابة شعر الأطفال بعد نكسة حزيران عام 1967، وشارك مع زوجته الدكتورة ملكة أبيض في ترجمة عدد من الآثار الأدبية، كما شاركا في ترجمة قصص ومسرحيات من روائع الأدب العالمي للأطفال.
في عام 1990 انتخب عضواً في مجمع اللغة العربية في دمشق، وفي عام 1997 مُنح الدكتوراه الفخرية من جامعة صنعاء، وفي عام 2000 حصل على جائزة الإبداع الشعري من مؤسسة البابطين.
شعر الطفولة
من خلال متابعة العوالم التي كتب فيها، نجد أنه اتجه إلى عالم الطفولة، حيث كتب فيها على نحو بارز، ولعل لذلك أسباباً كثيرة، ومنها فيما يتعلق بطفولته أو من خلال فهمه إلى أن بناء المجتمع يبدأ من عالم الطفولة، ما جعله يغني للطفل، يبثه رؤيته فيما يتعلق بالوطن والقومية والأخلاق، وغير ذلك من الركائز والعلامات الرئيسة التي تسم إبداعه الطفلي، ولعل دارس شعره هذا يجد بساطة المفردة، ورشاقتها وعذوبتها، ناهيك عن قصر الجملة، وجلاء الصورة، حيث من السهولة أن تعلق القصيدة بذهن الطفل، كي يرددها بعفوية.
وإذا عرفنا أن قصائد الشاعر كانت تدرّس في المناهج المدرسية حيث كان موجهاً أول للغة العربية في وزارة التربية، فإن الأجيال السورية منذ خمسينيات وستينيات القرن الماضي وحتى هذه اللحظة تستظهر قصائده، وتشكل جزءاً من الذاكرة السورية، ناهيك عن أن قصائده كانت تتردد على ألسنة الأطفال العرب، على اعتبار أن العيسى أقرب إلى لقبه شاعر الأطفال الأول وإن كان يحلو لبعضهم إطلاق تسميات أخرى عليه.
في «ديوان الأطفال» يخاطب الطفولة بقيثارة الطهر والبراءة، وهمسات الوفاء والحب. كما أنه حرص فيه على استخدام اللفظة الرشيقة والسهلة، والموحية الخفيفة، ذات الإيقاع السريع الذي جعل من تلك القصائد أناشيد: «أنتِ نشيدي عيدكِ عيدي.. بسمـة أمّي سرُّ وجودي».
وإضافة إلى ذلك، أعطى في قصائده اهتماماً بالصورة الشعرية الجميلة التي يسهل ترسيخها في ذهن الطفل، والتي يستقيها الشاعر عادة من واقع الأطفال، أو من أحلامهم وآمالهم: «أنا عصفور مـلء الدار.. قبـلة ماما ضوء نهاري».
سيمفونية الكبار
وكما غنى للعرب الصغار بقيثارة الطهر والبراءة والأمل، عزف للكبار سيمفونية البطولة والكفاح والفداء، وذكرهم بما حققه أجدادهم من تضحيات وانتصارات، ودعاهم إلى المقاومة والانتفاضة ورفض الاستعمار والهزيمة واليأس والتطبيع.
كان سليمان العيسى الذي سجنته سلطات الاحتلال الفرنسي في شبابه بسبب مواقفه المعادية للانتداب، يناضل بالكلمة من أجل تحقيق الوحدة العربية، وكتب عدداً من القصائد التي تجسد معاناة الشعب الفلسطيني ومقاومته وانتفاضته ضد الأطماع الصهيونية والعنصرية التي لم تكف عن الفتك بأرواح الأبرياء وتدنيس الأراضي والمقدسات العربية والإسلامية.
أهم أعماله
المرأة في شعري، موجز ديوان المتنبي عام 1980، حب وبطولة «مختارات» عام 1980، الديوان الضاحك عام 1982، باقة نثر عام 1983، الأعمال الشعرية «في أربعة أجزاء» عام 1995، على طريق العمر.. معالم سيرة ذاتية عام 1996، الثمالات عام 2001، الحنين (شعر ونثر) عام 2004.
ومن أهم أعماله للأطفال: شعراؤنا يقدمون أنفسهم للأطفال عام 1978، مسرحيات غنائية للأطفال عام 1980، ديوان الأطفال عام 2000، أغاني الحكايات عام 2002.
ما ترجم له: «الفراشة» وقصائد أخرى، نقلتها إلى الإنكليزية الشاعرة برندا ووكر عام 1984، «الشجرة» ديوان شعر للأطفال، ترجم إلى الروسية وصدر في موسكو عام 1984، «رائحة الأرض» نقله إلى الفرنسية الشاعر اتاناز فانشيف دو تراسي عام 1987، «أحكي لكم طفولتي يا صغار» نقله إلى الإنكليزية عبد اللـه كامل وصلاح مقداد عام 1992، ونقلته إلى الفرنسية الدكتورة ملكة أبيض عام 2001، «قصائد مختارة» نقلتها إلى الفرنسية الدكتورة ملكة أبيض بالتعاون مع مبروك مبارك عام 2004.
من أشعاره
«فلسطين داري»
فلسطين داري ودرب انتصاري
تظل بلادي هوى في فؤادي
ولحناً أبياً على شفتيا
وجوه غريبة بأرضي السليبة
تبيع ثماري وتحتل داري
وأعرف دربي ويرجع شعبي
إلى بيت جدي إلى دفء مهدي
سيرياهوم نيوز3 – الوطن