*ابراهيم علوش
في البداية، الحمدلله على سلامة السيد الرئيس، وقد كان توقفه هنيهةً بسبب هبوط ضعطٍ طفيف وعارضٍ عابر عاد بعده أكثر حيويةً ونشاطاً، وهذا طبيعي بالنسبة لأسد.. ولنعتبر ما جرى تطبيقاً عملياً حياً لما تحدث عنه الرئيس الأسد عن ثقافة المقاومة: ربما نجلس قليلاً، لكن نعود لننهض ونواصل ونكمل حتى النهاية..
أما بعد، فإن بعض الرسائل التي تمكن قراءتها في ثنايا الخطاب الأخير للرئيس الأسد هي:
1) النقطة الأولى جاءت في السطور الأولى من الكلمة الرئاسية، وهي الأكثر راهنيةً: لا تلاعب بقضية الدستور ومحاولة تمرير دستور يفرض على سورية ما عجز أعداؤها عن تمريره في الميدان، وهذا مهم على خلفية عودة انعقاد اللجنة الدستورية، ومن هنا الحديث عن “الدفاع عن الدستور وما يرمز إليه”… وهي نقطة من المهم عدم التعامل معها كديباجة إنشائية أو كمقدمة، لا سيما أنه شدد عليها في خطاباتٍ سابقة. وهذه رسالة لمن يظنون اللجنة الدستورية مدخلاً التفافياً لتقويض سورية.
2) لا تهرّب أبداً من مناقشة الانتقادات التي وجِهت للعملية الانتخابية، من حصول تدخلات أو تأثير مال سياسي إلخ…، وهو ما لا يغير من حقيقة كون الانتخابات التشريعية التزاماً باستحقاق دستوري، تثبت مصداقية الدستور ذاته في الممارسة، ومن وجود لوائح وتنافس حقيقي فيها، ولا بد من بلورة ضوابط قانونية تسد الثغرات حيث توجد من خلال المناقشة والحوار. وهذه رسالة شفافه لمنتقدي انتخابات المجلس التشريعي من الوطنيين السوريين.
3) إصرار الرئيس الأسد المتواصل على أهمية الإصلاح التشريعي وضرورة مواصلة الإصلاح الإداري، الذي تبلور في برنامج إصلاحي شامل عابر لخطاباته رغم ظروف الحرب والعدوان والحصار، يؤكد على سعي سيادته لمأسسة العمل الحكومي وعلاقة الدولة بالمواطنين، وهو مسعىً يستند إلى رؤى منهجية معمقة تجعل من الرئيس الأسد بحق رائد الإصلاح الأول في سورية اليوم لمن يملك قدراً من الإنصاف والموضوعية، والأمل هو أن ترتفع الهيئات الحكومية والتشريعية والحزبية إلى مستوى تلك الرؤى الإصلاحية التي لا يمكن أن يحققها شخص بمفرده ولو كان الرئيس الأسد ذاته، كما قال سيادته في خطابٍ سابق. وهذه رسالة لكل السوريين ومن يعنيه أمر سورية، ولكن بمقدار ما هي شأن تشريعي وإصلاحي، فإنها رسالة للمجلس التشريعي بالأخص.
4) لا حيز للطروحات الانهزامية، لدى من يملك حداً أدنى من الوطنية، لا سيما بعد كل التضحيات التي قدمت.. وهذا يمثل رداً مباشراً على كل من يطرحون مشاريع “حلولٍ” سياسية يمكن أن تنال من سيادة سورية واستقلالها ووحدة أراضيها، كما أنها رسالة لتصليب الداخل والحلفاء بمعنى: ثابتون على الخط. إنها رسالة وطنية مقاوِمة باختصار.
5) قانون قيصر تتمة للحصار الاقتصادي على سورية الذي بدأ قبله بكثير، وهو يمثل تصعيداً للإرهاب الاقتصادي، ولكن فيه جانباً نفسياً أيضاً يستهدف إحداث الذعر. وقد برز العنوان الاقتصادي من خلال قانون قيصر بالذات، لا سيما بعد تحرير غرب حلب وجنوب إدلب، كمحاولة تعويض عن هزائم الإرهابيين، فالذعر ذعرهم، ولا يجوز أن ينتقل إلينا، والمقاومة هي طريق الحياة، لمن يبحث عن الحياة، لا الاستسلام الذي يمثل طريقاً للانتحار. وقد قدم الرئيس الأسد هنا شرحاً لفكرة ثقافة المقاومة من دون التقييد بالمفردات التقليدية المتداولة حول ثقافة المقاومة، وهذا بحد ذاته تجاوزٌ للخطاب التقليدي الذي ملّ منه بعض السوريين بصراحة، مع تثبيت المضمون. وهذه رسالة للشعب السوري وحلفائه.
6) قضية الصراع مع العدو الصهيوني تجلت أولويتها في عدة مفاصل في كلمة الرئيس الأسد، منذ الحديث عن الأسرى في سجون الاحتلال وصمودهم، صدقي المقت أنموذجاً، إلى ربط الضربات “الإسرائيلية” في منطقة دير الزور والبادية بالحاجة لإعطاء حيز لحركة الإرهابيين التكفيريين، إلى وضع كلمة صهيوني أولاً كلما ورد الحديث عن الاحتلال أو الجندي أو المخطط الصهيوني أو التركي أو الأمريكي في سورية (والتي تكررت عدة مرات)، إلى التأكيد على الالتزام بقضية فلسطين كما هو العهد دوماً، والتأكيد على أن “إسرائيل” عدو وهي أصل الإرهاب ومنشؤه، وأن الجولان لا يغير من وضعه (العربي السوري) قرار ضم من حكومة كيان غير شرعي (ولننتبه لـ”غير شرعي” جيداً)، مع التأكيد “على استعادة أراضينا كاملة”. وقد كان موضوع الجولان فعلياً هو مسك الختام. وهذه رسالة سورية وجولانية وفلسطينية وعربية ومقاوِمة ولكل شرفاء الأرض.
7) مجدداً يُظهر الرئيس الأسد مدى تمثله للأبعاد الاقتصادية للحرب على سورية، إلى جانب كل أبعادها الأخرى، عند حديثه عن العوامل الموضوعية التي أضعفت الليرة السورية من الحرب للحصار للمضاربة، والتي ركز على أن مواجهتها تكون بالعامل الذاتي، وهو يتلخص بنقطتين: أولاً، التمسك بالليرة السورية، وعدم السقوط في فخ الهلع الذي يدفع من يملك أن يدخرها للتخلي عنها واستبدالها، مما يسبب ارتفاعاً عاماً في الأسعار يجعلها “تجرة فاشلة” من منظور كلي وطويل المدى بالنسبة له وبالنسبة للوطن، وهذه رسالة لأصحاب رؤوس الأموال، وثانياً، زيادة الإنتاج، اعتماداً على الإمكانيات الذاتية، كترياق يتطلب معالجة العوائق والتحديات التي تعيق زيادة الإنتاج، وهو ما يتطلب خطة إنتاجية بحد ذاته، وهذه رسالة لأصحاب القرار الاقتصادي في القطاعين العام والخاص.
8) تم التركيز هنا بالأخص على أهمية تحقيق الأمن الغذائي، من دون استخدام ذلك التعبير بالذات، بما يحمله من التزامات شاملة قد لا تسعف الظروف الموضوعية والإمكانيات الذاتية بتحقيقها فوراً، وقد جاء التركيز على القطاع الزراعي تحديداً، وقطاع الإنتاج الصغير والمتناهي الصغر عموماً، وهو ما يمثل برنامج مقاومة اقتصادية شعبية لا بد من تسهيل شروط نجاحها، ويلمس المرء في هذا السياق مدى عناية الرئيس الأسد بالتفاصيل، والشروط التفصيلية لإنجاح مشروع المقاومة الاقتصادية الشعبية، عسى أن تتلقف الجهات المعنية بالشأن الاقتصادي بالصمود تحت الحصار الرسالة لتحولها إلى خطط ملموسة قابلة للتنفيذ.
9) في مجال محاربة الفساد، أكد الرئيس الأسد على أنه جهدٌ مستمر، وإن كان قد تصاعد مؤخراً، لكنه ركز على أن الدولة تنطلق في محاربته من زاوية القانون والأدلة والإثباتات والوثائق، لا من زاوية الأقاويل والإشاعات، رابطاً بين موضوعة الإصلاح وموضوعة محاربة الفساد، وضرورة اتباع الإجراءات القانونية والنظامية، وهذه تأتي رداً على مطالبات شعبوية في الشارع السوري باتباع سياسة “تعليق المشانق” للفاسدين، فالقضية أكبر من بضعة أشخاص، بل تتعلق باجتثاث ظاهرة بأكملها ذات أبعاد ثقافية واجتماعية.. وهي رسالة تثقيفية كما هي سياسية، ولا يعني ذلك عدم وجود محاسبة طبعاً، إنما تحت مظلة القانون.
10) ربط الرئيس الأسد على أن الحرب على سورية هي جزء من سياق عالمي يحاول فيه الغرب أن يبقي سيطرته على العالم نتيجة صعود قوى دولية ترفض القطب الواحد، مما يعني أننا “أمام حرب طويلة زمنياً وواسعة جغرافياً”، فاستعدوا. ويبقى محور السياسة السورية هو ضرب الإرهاب وتحرير ما تبقى من الأراضي، بحسب توقيت تحدده جاهزية القوات المسلحة لخوض المعارك المخططة، “وعندما نخوضها لا فرق عندنا بين إرهابي محلي ومستورد ولا بين إرهابي وجندي محتل ولا بين صهيوني وتركي وأمريكي فعلى أرضنا كلهم أعداؤنا.” وهذه رسالة واضحة لا تحتاج إلى تفسير.
فإلى قلب سورية وعقلها وضمير العرب، الرئيس بشار الأسد، تحية نابعة من القلب ….
(سيرياهوم نيوز-موقع إضاءات 13-8-2020)