- علي دربج
- الخميس 22 تشرين الأول 2020
يراهن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، على قاعدته اليمينية المتطرّفة والميليشيات العنصرية البيضاء، إيماناً منه بأنّها تشكّل حصاناً رابحاً سيعيده إلى البيت البيض لولاية رئاسية ثانية. في أعقاب موجة الاحتجاجات التي شهدتها الولايات المتحدة، الصيف الماضي، على خلفية مقتل جورج فلويد على يد الشرطة الأميركية، استخدم ترامب ورقة المتطرّفين البيض، لخلق حالة من الذعر في صفوف خصومه، خصوصاً بعد العراضة المسلّحة التي نفّذها هؤلاء، وهم يرتدون قمصاناً عليها صورته. تلقّف الأميركيون الرسالة التي أراد الرئيس إيصالها، وبات بعضهم على قناعة بأنه مقبل على أزمة، ربّما تتّخذ شكل الفوضى المناطقية، في حال لم يحالف الرئيس الجمهوري الحالي الحظّ.
يعزّز هذا التوجّه واقع أنّ الإرهاب المرتبط باليمين المتطرّف في الولايات المتحدة، تفوّق بشكل كبير على أيّ إرهاب آخر. بلغة الأرقام، «ارتكب المتطرّفون اليمينيون ثلثَي الهجمات ذات النوايا الإرهابية في الولايات المتحدة، في عام 2019، وأكثر من 90% بين الأول من كانون الثاني/ يناير و8 أيار/ مايو 2020»، وفقاً لتقرير صادر عن «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية» الذي كشف أيضاً، أنه بين عامَي 1994 و2020، كان هناك 893 هجوماً ومؤامرة داخل الولايات المتحدة. في هذا الإطار، يمكن الإشارة – استناداً إلى أرقام المركز – إلى أنّ اليمينيين ارتكبوا غالبية هذه الهجمات (57%)، خلال الفترة المذكورة، مقارنة بـ25% ارتكبها يساريون، و15% على خلفية دينية، و3% نفّذها قوميّون عرقيّون. بناءً على ذلك، يضع بعض المراقبين احتمال أن يلجأ بعض المتطرّفين البيض إلى العنف في حالة خسارة ترامب أمام منافسه جو بايدن.
لا يفوّت ترامب فرصة أو مناسبة إلّا ويعلن خلالها انحيازه إلى المتطرّفين البيض
واقعاً، لا يفوّت الرئيس الأميركي فرصةً أو مناسبة، إلّا ويعلن في خلالها انحيازه إلى اليمين الأبيض، إذ قام بانتظام، طوال موسم حملته الانتخابية الحالية، بإعادة تغريد ادّعاءات عن تفوّق العرق الأبيض، في حين تشير التقديرات إلى أنّ أكثر من 60% من الحسابات التي كان يعيد تغريد ما يصدر عنها، لها صلات مع هؤلاء المتطرفين. كذلك، لم يتوانَ ترامب، في خلال التجمّعات الانتخابية التي أقامها، عن تشجيع أنصاره على استخدام العنف ضدّ المتظاهرين. يعزّز فرضيّة اهتمامه بالحفاظ على قاعدته من المتطرّفين البيض، رفضه التنديد بتجمّع «النازيين الجُدد» في شارلوتسفيل، في آب/ أغسطس 2017، وإشادته بالمتظاهرين المسلّحين، الذين طالبوا بإعادة تشغيل الاقتصاد خلال الربيع الوبائي. كذلك، دافع الرئيس الأميركي عن الفتى كايل ريتنهاوس (17 عاماً)، بعدما قَتل اثنين من المتظاهرين السود، في كينوشا/ ويسكونسن. وما يدخل في إطار مقاربته للعلاقة مع المتطرّفين البيض، أيضاً، دفاعه عن علم الكونفدراليّة وتماثيلها، وتشديده على الحفاظ على أسماء الجنرالات الكونفدراليين في القواعد العسكرية الأميركية.
عملياً، لا يرى ترامب نفسه خارج هذه المنظومة العقائديّة، وإن كان لا ينتمي إليها رسمياً. بل إنّ كثيرين ذهبوا إلى حدّ التأكيد أنّه لم يعمَد على المواربة، في هذا المجال، ولا سيما أن إدارته أقامت روابط مباشرة مع القوميين البيض، عبر شخصيات مثل ستيف بانون وسيباستيان غوركا، فضلاً عن المستشارين الحاليين، مثل ستيفن ميللر.
يتخوّف كثيرون من عودة «الصيف الأحمر»، والفوضى التي يُحتمل أن تُطلقها خسارة ترامب منصبه. المعروف أن العنصرية متجذّرة في التاريخ الأميركي، وأنّ التعاليم العنصرية والعنف المتوحّش تبلورا خصوصاً، في أوائل القرن الماضي، حين كان المتطرّفون البيض يقتلون السود في الأماكن العامّة، بالبنادق والحجارة، ويشعلون النار في منازلهم. هذه الأعمال الوحشية كانت مقدّمة لما سيطلِق عليه ناشط الحقوق المدنية، جيمس ويلدون جونسون، «الصيف الأحمر». يشير اللون الأحمر إلى الدماء التي كانت تسيل في الشوارع، فيما يدلّ فصل الصيف على الأشهر، من نيسان/ أبريل إلى تشرين الأول/ أكتوبر 1919، عندما بلغ العنف ضدّ السود ذروته في الولايات المتحدة.
حالياً، ومع اقتراب يوم الانتخابات، تطفو ذكريات ذلك «الصيف الأحمر» على السطح، لسبب آخر أكثر خطورة، فـ«الغوغائيون البيض» عادوا إلى الظهور من جديد، مستغلّين تربّع ترامب على كرسي البيت الأبيض. ليس هذا فحسب، إذ إنّ حركات هؤلاء، بدأت تظهر بقوّة لترهيب المتظاهرين المناهضين لترامب، عبر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، لتهديدهم. احتمال نزول «حرّاس اليمين المتطرّف» إلى الشوارع، للاعتراض على نتائج انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر، يشكّل قلقاً للمؤسّسات الأميركية، إذ إنّ عنف هؤلاء كان قد صاحَب انتخابات عدّة في الماضي، حين تقاتلت الفصائل المتنافسة على النتائج. وما لا يعرفه البعض أن هؤلاء العنصريين، الذين يحملون السلاح حالياً دفاعاً عن ترامب، هم جزء من تقليد طويل، يلجؤون إليه عندما يعتقدون بأنّ القانون لا يحمي مصالحهم. ومن هذا المنطلق، يتحيّن الكثير من الأميركيين الفوضى التي ستعقب الانتخابات، في حال خسارة ترامب أمام بايدن، لأنّ المتطرّفين البيض يتوقون إلى تطبيق القانون بأيديهم، من أجل حماية مصالحهم.
(سيرياهوم نيوز-الاخبار-وكالات)