آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » عقدةُ تآكلُ الردع

عقدةُ تآكلُ الردع

 

كتب د.المختار

 

مهما كتبَ المشككون، ومهما شكّكَ المحللون أصبحَ هناك حقائقُ على الأرضِ عن تآكل الردع لا يمكنُ لذي عقلٍ تجاهلُها.

 

ولكي يتضحَ المشهدُ في صيرورةِ الص.ر.اعِ العربي الص.هيو.ني سنعودُ للوراءِ قليلاً لنرى المسار التراجعي للردعِ الإ.سر.ائي.لي لكي تتضحَ الصورةَ بشكلٍ واضحٍ وجلي.

 

فبالعودةِ إلى العامِ 1996م وعمليةُ عناقيدِ الغضبِ وبعد مجز.رةِ قانا التي ضجَّ العالمُ بها والمأزق ا.لإ.سر.ائيلي وحاجتها لإيقافِ الحر.بِ كان التفاوضُ يتمُّ في دمشقَ مع القائِد الخالدِ حافظ الأسد والذي استطاعَ أن يفرضَ شروطَه على إ.سر.ائيلَ فيما سُمّي “تفاهم نيسان 26 نيسان/أبريل 1996” فمن حيث أرادت إ.سر.ائيلُ عزلَ سوريةَ اضطرّت إلى التفاوضِ معها عبرَ (وزيرِ الخارجيةِ الأمريكي وارن كريستوفر 1993 — 1997)، واضطرّت إلى قبولِ سوريةَ بأن تكونَ مشرفةً على الاتفاقِ إلى جانبِ أمريكا، وفرنسا التي أصرَّ الرئيس حافظ الأسد على وجودها في لجنة المراقبة، وتمَّ تثبيتُ حقِّ الم.قا.ومةِ عبرَ بندٍ في التفاهمِ ينصُّ على أنّه: “يحقُ للم.قا.و.مةِ اللبنانيةِ أن تضربَ جنو.دَ الا.حتلا.لِ على الأرضِ اللبنانيةِ الم.حتلةِ، وبالتالي أصبحَ هذا الحقُّ قانونياً وشرعياً وفقَ تفاهمٍ دولي وهذا ما أعطى الحريةَ للم.قا.و.مةِ لتصعِّدَ من وتيرةِ ا.لعمليا.تِ النو.عيةِ والتي أدّت إلى طردِ قو.اتِ الا.حتلا.لِ الإ.سر.ائيلي وتحر.يرِ الجنوبِ اللبناني عام 25 أيار/مايو 2000م.

 

شعرَ قادةُ الكيانِ بالإهانة والانكسارِ بعد الانسحاب المذل، وبدأوا التخطيطَ لعمليةٍ تعيدُ لهم حالةَ الردعِ وترمّمُ الحالةَ المعنويةَ، فاتخذوا من عمليةِ خ.طفِ ثلاثةِ ج.نودٍ ذريعةً لشنِّ عد.وانِ 12 تموز/يوليو حتى 14آب/ أغسطس 2006م . لكن الذي حصلَ هزيمةٌ نكراءُ مدويةٌ ومقبرةٌ لدباباتِ المير.كا.فا فخرِ الصناعةِ ا.لإ.سر.ائيل.يةِ والتي كان يروَّجُ على أنّها أفضلُ د.با.بة بالعالم، وشُكّلَت لجنةُ فينو.غر.اد للتحقيقِ بالفشلِ المدوي للعمليةِ التي أدانَت جميعَ القا.دةِ، وبدلاً من أن يستعادَ الر.دعُ تدهورَ أكثر.

 

وبما أنَّ الكيانَ هو قاعدةٌ ع.سكريةٌ متقدمةٌ للغربِ في المنطقةِ فقد حصلت اجتماعاتٌ ونقاشاتٌ وتحليلاتٌ على أعلى مستوياتِ الأركانات الغربيةِ كانت خلاصتُها إنّكم أخطأتُم الهدفَ، وكان يجبُ تصفيةُ الم.قا.ومةِ في غ.زّ.ةَ أولاً، وفعلاً تمَّ التحضيرُ لعمليةِ “الر.صا.صِ المصبوب” على غ.زِّ.ة ( 27 كانون الأول/ديسمبر 2008 حتى 18 كانون الثاني/يناير 2009 ).

 

لكن الذي حصلَ كان فشلاً آخرَ، وأكثرَ خذلاناً، وأيضاً شُكّلَت اللجانُ وعُقدَت الندواتُ والاجتماعاتُ لتقييمِ العمليةِ وتحديدِ أسبابِ فشلِها، وكانت الخلاصةُ إنّكم أيضاً أخطأتُم الهدفَ فكان عليكم أن تضر.بوا الرأسَ، والرأسُ في هذا الم.حورِ هو سورية، اضر.بوا سوريةَ ينهارُ الم.حورُ كاملاً، وتمَّ ابتداعُ فكرةِ الربيعِ العربي بالتعاونِ مع بعضِ الأ.نظمةِ العربية والإقليميةِ وبدأوا ببعضِ الأنظمةِ العربيةِ الهشةِ التي لم تكن سوى مقدمةٍ لتحضيرِ البيئةِ المواتيةِ للشارعِ السوري، ثم انتقلوا إلى سورية.

 

وللتذكيرِ وللتأكيدِ أنَّ المأجورين الذي بدأوا العملَ الم.سلحَ في الجنوبِ السوري كانوا ينفذون الأ.جندةَ المعا.ديةَ بدقة فقد اعتمدوا سلّمَ الأهد.افِ كما كان يريدُها العد.و الص.هيو.ني تماماً، فكان تسلسلُ الأ.هدافِ كالآتي:

أولاً: – حر.قُ مقراتِ حزبِ البعثِ، والمقراتِ الإعلامية.

ثانياً: – انتقلوا إلى حر.قِ المقراتِ الأ.منيةِ والشرطية.

ثالثاً: – انتقلوا تحديداً إلى مها.جمة مقراتِ الرادارِ وأنظمة السطع الجوي، وبعدها إلى مقر.اتِ الد.فاعِ الجو.ي وا.لصو.ار.يخِ.

 

هكذا كان التسلسلُ وللعلمِ خلال هذه المرحلةِ كانت قطعانُ الم.سلحين تمرُّ من أمام الت.شكيلاتِ الع.سكريةِ البر.ية مثل مقراتِ الفر.قِ أو الأ.لو.يةِ ولم يكونوا يهاجمونها في تلك المرحلة.

 

إلى أن تمَّ الانتهاءُ من جميعِ المقراتِ السابقةِ فبعضُها دُمِّرَ وبعضُها نقل خارجَ المنطقةِ الجنوبيةِ، وعند ذلك أتت الأوامرُ بمها.جمةِ مع.سكراتِ القو.ات البر.ية بهدفِ إخراجِ الج.يشِ خارجَ أراضي درعا إلى شمال الصنمين. (40 كم شمال درعا) وكان المخططُ إبعادَ الجيشِ العربي السوري إلى شمال الخطٍ الممتد من جبلِ الشيخِ “حرمون” في الجنوب الغربي مروراً بغباغبَ شمالَ الصنمين إلى شرق بلدةِ خلخلة وإلى شرق محافظةِ السويداء في الجنوب الشرقي لتصبحَ هذه المنطقةُ خاليةً من الج.يشِ العربي السوري كمنطقةٍ عازلةٍ تحمي الك.يان.

 

ولكنْ كلُّ ذلك فشلَ بسببِ صمودِ الج.يشِ العربي السوري، وتوسعَت دائرةُ العد.وانِ بعد ذلك لتشملَ معظمَ المحافظاتِ السوريةِ، وفشلَ العد.وانُ في تحقيقِ الأهدافِ الص.هيو.نيةِ المرجوةِ منه كما أصبحَ معروفاً للجميع.

 

وأنا هنا لا أتحدّثُ عن الدمارِ والخرابِ الكبير الذي حصل للبنية التحية في سورية بل أتحدثُ عن فشل الأهدافِ السياسيةِ والاستراتيجية وهي:

— إسقاطِ الدولةِ السوريةِ وتغييرِ عقيدتِها القتاليةِ.

— تغيير خطِّها العروبي.

— إسقاطِ مطالبتِها بالأراضي العربيةِ المحتلة السوريةِ والفلسطينية.

— تحويلها إلى دولة إخوان مسلمين يقودها السلطان العثماني الحالم تحت المظلة الأمريكية الإ.سر.ائيلية، توقع على التنازل عن الأراضي السورية المحتلة.

 

فكان للصمودِ السوري والاستعصاء الذي سببه للمتآمرين أثرُه العميقُ بالمتغيراتِ على الساحةِ الإقليمية والدوليةِ، ومن هذا الصمودِ انطلقَت الخطوةُ الأولى في تشكّلِ عالمٍ متعددِ الأقطابِ، وبالاتكاءِ عليه عادَت روسيا والصبن إلى الساحةِ الدوليةِ كلاعبين يفرضان رؤيتَهُما.

فقد قال الرئيس الروسي بوتين في بدايات الأزمة السورية: ” من دمشق ينبثق النظام الدولي الجديد”

وبالتزامنِ مع فشلِ المؤامرةِ في تحقيقِ أهدافِها الاستراتيجيةِ في سوريةَ والتي استمرت مايزيد على 12 عاماً.

 

انطلقَت عمليةُ 7 أ.كتو.بر التي هدّدَت الك.يانَ كوجودٍ، فصبَّ جامَ غضبِه على غ.زَّ.ة تقتيلاً وتدميراً بحثاً عن الر.دعِ والهيبةِ المفقودين ووضعَ لنفسِه أهدافاً، القضاءُ على الم.قا.ومةِ وتد.ميرُ بنيتِها في غ.زّ.ةَ، واستعادةُ المخطوفين بالقوةِ، لكن أيّاً من تلك الأهدافِ لم يتحقّق، والشيءُ الوحيدُ الذي تحقّقَ ق.تلُ عشراتِ الآلافِ من الأبرياءِ وتد.ميرُ أكثرَ من 70% من المنشآتِ والمنازلِ في غ.زّ.ةَ والتي لم يسلم منها لا المدارسُ ولا الجوامعُ والكنائسُ، ولا مقراتُ الإغاثةِ الدولية.

 

والآن وبعد تسعةِ أشهرٍ من الصمودِ فشلَ العدوانُ في تحقيقِ أيّ هدفٍ وخسرَ عاملَ الردعِ المنهارَ أساساً وانكشفَ التناحرُ الداخلي وتبادلُ التهمِ مما يهددُ الك.يانَ في بنيتِه بطريقةٍ فقدَ فيها عاملَ الأمانِ على مستقبلِ المواطنِ وهي قضيةٌ قد تؤسّسُ للهجرةِ إلى خارجِ الك.يانِ مستقبلاً بشكلٍ يهددُ المشروعَ الص.هيو.ني برمتِه.

 

أمامَ هذه الحالةِ المستعصيةِ الآن وفي خضمِّ هذه المعمعةِ يخرجُ وزيرُ الأ.منِ الإ.سر.ائيلي سمو.تر.تش ويقترحُ القيامَ بضر.بةٍ .نو.و يةٍ لإ.يرانَ، وهذا ما يؤكد أنَّ قادةَ الكيانِ أضحوا على قناعةٍ تامةٍ بفقدانِ كلِّ وسائلِ الر.دعِ، فلم يبقَ إلا التهديد با.لس.لا.حِ ا.لنو.و.ي. فقد سبق أن دعا وزيرُ التر.اثِ الإ.سر.ائيلي اليميني المتطر.ف “عميحا.ي اليا.هو” وهو أحدُ قادةِ حزبِ “القوة الي.هو.دية” الذي يرأسه بن غفير إلى استخدامِ ق.نب.لةٍ نو.و.يةٍ لتدميرِ غ.زَّ.ةَ ومن فيها بالكامل.

لكن الجديدَ في هذا المجالِ أنَّ “أف.يغدور لي.بر.مان” في مقابلةٍ صحفيةٍ أعلنَها صراحةً، نحن فقدَنا الر.دعَ والأ.منَ بعد 7 أ.كتو.بر وعلينا أن نستعيدَهما بأسرعِ ما يمكنُ وباستخدامِ كلِّ الوسائلِ، ونحن تمَّ جرُّنا إلى حربِ استنزافٍ لانعرفُ كيفيةَ الخروجِ منها ولن نستطيعَ أن نهزمَ “ح..ما..سَ”، ولا “ح..ز.بَ” اللهِ، لذلك يجبُ أن نشنَّ هج.و.ماً نو.و.ياً على إير.انَ، وأنَّ إيرانَ هي الأساسُ، وهي الرأس وعلينا أن نضرب الرأس.

 

إذاً هذه القناعةُ بعد كلِّ تلك المحطاتِ من عام 1996، والتخبط في اختيار الأهداف والفشل بعد كل عملية من الجنوب اللبناني غ.زَّ.ة 2009 إلى سورية والآن إير.ان وفي كل يقولون هذا الهدف هو الرأسُ وعلينا أن نذهبَ للرأسِ، هذا يعني فعلاً تآكل الردع.

فاستعادة الردع لو تمت منذ العام 2000م لكانت حققت أهداف المشروعُ التوسعي ومنها:

 

— الحفاظُ على الأراضي المحتلةِ واحتلالَ أراضٍ جديدةٍ عبر تحقيقُ يهوديةِ الدولةِ والتخلصَ من سكانِ غزّةَ إلى مصرَ وسكانِ الضفةِ إلى الأردنِ.

— السيطرةُ التامة على القدس وتهجير سكانها ومحاصرة الأقصى.

— تحقيقُ اتفاقاتِ إبراهام لطمسِ القضيةِ وشطبُ حقِّ العودةِ واختراقُ الدولِ العربيةِ اقتصادياً.

 

— فرضُ السيطرةِ والهيمنةُ على المنطقةِ.

 

لكنَّ الواقعَ يبينُ أنَّ الذي حصلَ عكسَ ذلك فقدانَ الردعِ والهيبةِ والأمنِ والاستقرارِ، وخسارةِ الرأي العامِّ العالمي، مما جعل اليسارُ يكسبُ الانتخابات في بريطانيا وفرنسا بسببِ الموقفِ من غ.زّ.ة، وهو ما جعل رئيسُ الوزراء البريطاني الجديد “كيرستارمر” ( رئيسُ حزب العمال ) يقولُ يجبُ أن نعترفَ بدولةٍ فلسطينيةٍ

هذه التحولاتُ جميعُها أسّسَ لها الصمودُ السوري والدور السوري، وصمود في جنوب لبنان وتحولها إلى قوة رادعة، وصمود الم.قا.ومة بغ.زَّ.ة التي دخلَت شهرَها العاشرَ وقيادتها التي لم تتنازل عن مطالبِها، وتضافرُ كل تلك الجبهاتِ أُثبتَ بالقولِ والفعلِ، فاعليته التي أربكَت الغربَ.

(سيرياهوم نيوز ١-صفحة الكاتب)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هل يعلن ترامب الحرب على الصين؟

نور ملحم في وقت يستعد فيه الجيش الأمريكي لحرب محتملة ضد الصين، ويجري تدريبات متعددة لمواجهة ما سُمي بـ«حرب القوى العظمى»، بدأت بكين في بناء ...