د.عبد الكريم بكار
من أكثر ما لاحظته في حياة كثير من الناس، أن أعمارهم تذوب في مطاردة صور الآخرين.
رأيت شاباً لا يفرح براتبه؛ لأنه يقيسه بما في يد زميله.
ورأيت امرأةً لا تهنأ ببيتها؛ لأنها تزن حياتها بما تُشاهده على الشاشات.
ورأيت من يسافر إلى بلاد بعيدة، ثم لا يلتفت إلى جمال ما بين يديه، بل ينشغل بتصوير رحلته ليُثبت للناس أنه أفضل حالاً.
هؤلاء جميعاً يشتركون في شيء واحد: أنهم لم يعرفوا طعم الراحة يوماً.
فالذي يقارن نفسه بالآخرين لا يهنأ بنعمة، ولا يشكر على عطية، ولا يتذوّق لذة إنجازٍ مهما كان عظيماً.
كل فرحٍ لديهم قصير العمر؛ لأنه يُقاس دوماً بمقياسٍ خارجيّ، وبحياةٍ ليست حياتهم.
إنّ المقارنة المستمرة مرضٌ صامت، يسرق العمر في صراعٍ وهميّ لا ينتهي.
فلكل إنسانٍ رحلته، ولكل واحدٍ ابتلاؤه ونعمته، ومهما بدا ما عند غيرك كاملاً، ففيه من النقص ما لا تراه.
الحقيقة أن الحرية الحقيقية ليست في كثرة المال، ولا في كثرة الشهرة، بل في أن يتحرر المرء من عقدة المقارنة.
حين يتوقف الإنسان عن قياس نفسه بالآخرين، يبدأ لأول مرة أن يرى نفسه كما هي: نعمة فريدة، ورسالة خاصة، وطريق لا يشبهه أحد.
الراحة لا تُنال بكثرة المكاسب، وإنما بالرضا، والرضا لا يسكن قلباً مشغولاً بمقارنة دائمة.
(أخبار سوريا الوطن1-صفحة الكاتب)