أبدأ وأقول إن السيدة الفاضلة «أم محمد» ليست عالمة ولا خبيرة اقتصادية، ولم تسمع بعلماء الاقتصاد من « آدم سميث وريكاردو وماركس وابن خلدون والمقريزي وكيز وغيرهم » ، تاريخها كغيرها من النساء السوريات مثال للفخر والكرامة و الوطنية بعكس من سرق وحرق الوطن . بعد الحرائق التي تعرضت لها سورية.. وفي زيارتي لقريتنا وجدتها جالسة تحت الشجرة ودموعها على وجنتيها فقلت لها رحم الله ابنك الشهيد فقد قدمت ابنك وعرق جبينك وجنى عمرك ، فنظرت إلي بنظرة حيرى متأملة الأشجار المحروقة ، وأعطتني درساً في الاقتصاد وذكرتني بأنه يوجد عيد في سورية هو« عيد الشجرة » نزرع فيه الأشجار التي تعد رئة الوطن ونحتفل به في آخر يوم خميس من كل سنة منذ سنة /1959/ وأضافت قائلة بكلمات مؤثرة وبدموع نقية : «أصبح عمر شجرة الشهيد ثماني سنوات وأزورها كل يوم حتى أتزود بالصبر وأتذكر ولدي الذي استشهد دفاعاً عنا وعن الوطن وسأحرس شجرته كما حرس الوطن بدمائه، وستعود بلدنا أرض سلام ومحبة وخيراً كما كانت من دون إرهاب وإجرام و تدمير وسرقة وحرق الأشجار، فهل نعطي لكل شجرة اسم شهيد أو جريح أو مختطف ؟ ،فالشجرة رمز للعطاء والمحبة والثروة ، وشعاري: إزرع ولا تقطع .
انظر يا جارنا ماذا فعل هؤلاء المجرمون بغاباتنا وأشجارنا ومعاملنا ومساجدنا وكنائسنا ومشاريعنا الريفية في حمص وطرطوس واللاذقية وغيرها من المدن السورية سابقاً ؟!، إنهم ذوو قلوب سوداء سواء كانوا إرهابيين أو انتهازيين وسفلة ؟!، إنهم أساؤوا للبشر والشجر والحجر ولكل شيء جميل، يجب أن يحاكموا أمام محكمة التاريخ وسورية، وإن الله لن يرحمهم .
قلت لها : لقد مات في داخلهم «الإنسان» و لكن يا أم محمد كما قال «محمد الماغوط » -رحمه الله -: « إن الموت ليس هو الخسارة الكبرى بل الخسارة الأكبر هو ما يموت فينا ونحن أحياء »، فقالت ولكننا خسرنا مواسمنا وأشجارنا وكل شجرة هي رواية تاريخية تحمل ذكرى كشجرة ابني الشهيد . قلت لها نعم ولكن كما قال الشاعر الألماني« غوته» :«خسارة المال خسارة طفيفة، خسارة الشرف خسارة عظيمة، أما خسارة الجرأة فلا تعوض» وأنت وأمثالك لم ولن تفقدن الجرأة وستعود بلدنا أجمل وأحلى وأبهى بفضلكنّ ، قالت: لا تقلل من حجم الخسائر وأضافت بلهجتها الفلاحية الجميلة :« غصة كبيرة في القلب »، قلت لها نعم وكما يقول« وليم شكسبير »: « أي خسارة كسبت فيها نفسك إياك أن تسميها خسارة» ، نظرت إليّ وقالت :من هو الشيخ إسبر ؟! قلت لها شكسبير ياسيدتي إنه كاتب إنكليزي عاش بين سنة /1546و 1616/ إنه مع من ذكرتهم لك كأشجارنا يموتون وهم واقفون ويبقون أحياء .
وأضافت : حرق الله قلوبهم كما حرقوا قلوبنا ومواسمنا وأبناءنا ، قلت لها نعم إن الأشجار ثروة وتعطينا الراحة الجسدية و النفسية و منظراً جميلاً وتلطف المناخ بإطلاق الأوكسجين وأخذ ثاني أوكسيد الكربون وهي مصدر الكثير من الأدوية ، وتحافظ على المياه والأمطار وتقلل من التلوث الضوضائي و تتحكم في سرعة الرياح وتقلل من الأعاصير والرياح الشديدة وتمنع انجراف التربة وتقاوم التصحر وتحقق التوازن البيئي وتقاوم الفيروسات وفي حال تنظيم الغابات تصبح مصدراً مهماً لتنمية الثروة الحيوانية وتأمين الأخشاب للصناعة والأثاث المنزلي ، فاستوقفتني قائلة: يا دكتور حدثني عن الخسائر، فقلت لها تتباين من محافظة لأخرى لكن حتى البارحة فقد بلغت في طرطوس التي شهدت /84/ حريقاً و تضررت أكثر من /250/ ألف شجرة ومساحة متضررة تجاوزت /12284/ دونماً وتضرر /3972/ أسرة وتجاوز عدد الأشجار المحترقة /256656/ شجرة ، بينها /181428/ شجرة زيتون و/7/ مداجن و/69/ بيتاً بلاستيكياً و/68/ خلية نحل ومساحة الغطاء الحراجي المتضررة/10778/ دونماً ، وأضرار في الشبكة الكهربائية والهاتف و المياه والاتصالات ومواسم البقوليات والتبغ والخضار وكافة المواسم الزراعية الأخرى وثروة حيوانية من البقر والماعز والأغنام والدجاج والنحل..إلخ، أما في محافظة اللاذقية التي بلغ عدد الحرائق فيها /95/ حريقاً فقد بلغت الخسائر 3,5 ملايين شجرة زيتون وأكثر من /500/ ألف شجرة حمضيات, إضافة إلى الخسائر التي ذكرتها في طرطوس، وكذلك في حمص كنا ننتج بحدود مليون طن من الزيتون و/4,5/ ملايين طن خضار وفواكه ، وأكثر من /90/ مليون شجرة زيتون، وحرق هذه الثروة وغيرها سيزيد من الأضرار الاقتصادية .. ودّعتها وشكرتها وقد أعطتني قيمة مضافة في علم الاقتصاد؟!.
(سيرياهوم نيوز-تشرين)