عندما يحلّ الليل في إحدى غابات يوكاتان المكسيكية، يستخرج الطبيب البيطري عمر غارسيا، وهو يثبّت مصباحاً فوق رأسه، السوائل من أحد الخفافيش، في إطار برنامج بحثي يتمحور على الأمراض التي تنتقل إلى البشر عن طريق الحيوانات، كالفيروس المسبب لجائحة كوفيد-19 ربما.
ويُعتَبَر الخفاش الذي يُصطاد بواسطة شباك، بمثابة خزّان للفيروسات.
ويشارك غارسيا في برنامج بحث علمي فرنسي مكسيكي يتمحور على العوامل المسببة للأمراض الحيوانية المنشأ (الفيروسات والبكتيريا والطفيليات) والتي تسببت بانتشار أوبئة عدة في المناطق الاستوائية خلال العقود الأخيرة، كإيبولا مثلاً.
أما في ما يخص جائحة كوفيد-19، فيعتقد العلماء أنّ سبب انتشارها يعود إلى فيروس نقله حيوان إلى البشر، ربما في أحد أسواق هوانان في يوهان الصينية.
إلا أنّ عدداً من الباحثين والمسؤولين الأميركيين أيّدوا الفرضية القائلة بأنّ الجائحة ناتجة من تسرّب فيروس من أحد المختبرات، وهو ما دأبت الصين على إنكاره.
وعلى أي حال، لا يزال البشر معرضين لتهديد الفيروسات ومخاطرها، إذ تشير الأرقام التقديرية إلى أنّ 500 إلى 800 ألف فيروس من أصل حيواني قد يطال البشر.
واختار العلماء من معهد البحث والتطوير والجامعة الوطنية المستقلة في المكسيك منطقة يوكاتان الاستوائية المعرضة للخطر على غرار أي مكان آخر في العالم (وسط إفريقيا، جنوب شرق آسيا).
وتواجه يوكاتان التي تبعد ساعتين بالطائرة من مكسيكو سيتي مشكلة إزالة الغابات منها. ويشير مدير معهد البحث والتطوير الباحث بنجامين روش إلى أنّ يوكاتان تُعدّ “منطقة ذات دلالة كبيرة في ما يتعلق بمخاطر ظهور الأمراض الحيوانية المنشأ”، مضيفاً “نحاول في يوكاتان التوصّل إلى استراتيجية وقائية تصلح لأن تكون مثالاً للعالم أجمع”.
وروش هو المدير المشارك للمختبر الفرنسي المكسيكي “إلدورادو” الذي يتّخذ من ميريدا مقراً. ومن الناحية النظرية، يمكن للمختبر مشاركة “خبراته وأعماله” مع مراكز أبحاث أخرى في أميركا اللاتينية (كوستاريكا) أو وسط إفريقيا (الغابون، جمهورية الكونغو الديمقراطية) أو جنوب شرق آسيا، وهو ما يمثل هدف المبادرة الفرنسية “بريزود” (اختصاراً لعبارة “تجنّب ظهور الأمراض الحيوانية المنشأ”) التي تُعنَى بها 22 دولة.
ويتمثل هدف المهمة الفرنسية المكسيكية في فهم كيفية تأثير مسببات الأمراض التي تنتشر بين الحيوانات والطيور والقوارض والبعوض على البشر، على ما توضح الباحثة في معهد البحث والتطوير أودري أرنال.
– فيروس غرب النيل-
وتشير أرنال إلى أن من شأن هذه الاستنتاجات أن تساهم في “فهم العواقب التي قد تنجم عن الاحتكاك بين البشر والحيوانات البرية، ومعرفة أي وباء يُحتمل أن يظهر مستقبلاً”.
وتقول عالمة الأحياء ماريا خوسيه تولسا من الجامعة الوطنية المستقلة في المكسيك “لدينا تساؤلات كثيرة”، لافتة إلى أنّ جائحة كوفيد-19 سلّطت الضوء على أبحاث تجريها منذ عشر سنوات.
وينطلق عمل الباحثين في الصباح الباكر مع نشرهم شباكاً لالتقاط الطيور والخفافيش.
ثم يتولون تحديد الحيوانات وتسجيل البيانات المرتبطة بها وسحب عينات دم أو سوائل أخرى منها، قبل أن يطلقوها في الطبيعة.
ثم تلي ذلك مرحلة التحليل التي تُجرى في الموقع مُباشرة داخل المختبر الفرنسي المكسيكي “إلدورادو” في ميريدا أو في مكسيكو سيتي.
وتقول روزا إيلينا سارمينتو من مختبر الفيروسات في كلية الطب البيطري التابعة للجامعة الوطنية المستقلة في المكسيك “من بين الطيور، اكتشفنا أنواعاً حُددت كخزان لفيروس غرب النيل (من الفيروسات المنقولة بالمفصليات، وينتقل بشكل رئيسي عن طريق البعوض ويمكن أن يضرّ بجهاز البشر العصبي).
في مرحلة لاحقة، يعتزم الباحثون أخذ عينات دم من السكان المحليين لتحديد ما إذا كانوا يحملون فيروساً من أصل حيواني.
ويتضمن المشروع زيارات لهذه المجتمعات الريفية وإجراء مقابلات عن مواضيع اجتماعية وبيئية مع أعضائها.
وتقول إريكا مارسي سانتوس من منظمة “كالانكاب” غير الحكومية “لا يمكننا الوصول إلى هذه المجتمعات وفرض أنفسنا على أفرادها، بل ينبغي أن نتبادل المعارف معهم”.
وفي نهاية كانون الأول/ديسمبر ومطلع كانون الثاني/يناير، جرى التخلّص من 1,7 مليون رأس من الدواجن المُصابة بإنفلونزا الطيور في يوكاتان، على ما يشير المسؤول المحلي عن التنمية الريفية خورخي أندريس دياز لويزا، مؤكّداً أنّ الوضع تحت السيطرة.
وفي شبه الجزيرة، قُطعت آلاف الأشجار لبناء قطار مايا الذي يشكل خط سكة حديد يبلغ طوله 1554 كيلومتراً ومن المقرر افتتاحه في كانون الأول/ديسمبر.
وتشير السلطات التي تلقت انتقادات لاذعة من المدافعين عن البيئة، إلى أنّها زرعت كمية من الأشجار تعويضاً عن تلك التي تم اقتلاعها.
سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم