كان التكتيك الروسي متوقعاً. التصعيد ثم التصعيد، إلى أن يغضب الرئيس دونالد ترامب. بعدها، يحين دور التنازل. تنازل ظاهري بالتأكيد. وليس أن ترامب من الرؤساء الذين يصعب إرضاؤهم أو تهدئتهم. للأضواء تأثير شبه سحري عليه. وهذا ما تؤكده التحضيرات لقمة ألاسكا المرتقبة بين ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين. فقد بدأت القمة تؤتي “ثمارها” حتى قبل موعد الانطلاق. الرئيس الأميركي متفائل بشكل ملحوظ: “الوضع في أوكرانيا قد يجد طريقه إلى الحل عما قريب”.
قد يعزو ترامب انعقاد القمة إلى فاعلية تهديداته. ليس ذلك بعيداً من الواقع. لكنه، في الوقت نفسه، لا يمثل كل الواقع. تخاف روسيا من العقوبات الأميركية، وثمة الكثير في جعبة واشنطن مما هو غير مستخدم حتى اللحظة، سياسياً وعسكرياً. كذلك، يبدي الاقتصاد الروسي مؤخراً علامات إجهاد. غير أن الكرملين يدرك، بالتوازي، “ضعف” ترامب تجاه روسيا ورئيسها، أو بالحد الأدنى عدم مبالاته بأوكرانيا. غضب ترامب الأخير لم ينبع من مواصلة القصف، بمقدار ما نبع من شعوره الشخصي بالإهانة من الروس.
بين ما يحلم به ترامب وبوتين
ليست ألاسكا سوى محاولة لإعادة تمديد لفترة السماح الأميركية. تحتاج روسيا إلى مواصلة القتال لفترة طويلة، لأنها لم تحقق كل أهدافها في شرق أوكرانيا. بناء على ذلك، إن الأسباب التي منعت بوتين من وقف الحرب طوال الأشهر الماضية لا تزال حاضرة. يحلم ترامب بالسلام، بينما يحلم بوتين بالأرض. يريد ترامب إثبات براعته في عقد الصفقات، بينما يريد بوتين إثبات أنه سليل بطرس الأكبر وكاثرين العظيمة. بين الرئيسين طموحات متباعدة لا تكفي عشرات القمم لتقريبها، ناهيكم عن قمة واحدة تم إعدادها على عجل.
وبمزيد من التفاؤل من جانب الروس، قد تمثل القمة تكراراً ديبلوماسياً غير مباشر لمقولة: “أنتَ لا تملك الأوراق!”، وهي الجملة الشهيرة التي وجهها ترامب للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال القمة العاصفة في البيت الأبيض الشتاء الماضي.
الخوف في كلام زيلينسكي عن أن كل “قرارات متخذة بدون أوكرانيا هي في الوقت نفسه قرارات ضد السلام” واضح وجليّ. تحدث ترامب عن “بعض التبادل لأراضٍ” من أجل تحقيق السلام. رفض زيلينسكي التبادل بصفته “مدفوعاً” من الروس. سيقول بوتين إن زيلينسكي هو من يعرقل السلام الآن.
رهان فاشل
يتوجه بوتين إلى ألاسكا بعيداً من أن يكون الرئيس المعزول غربياً، أو حتى المهدد بعقوبات وشيكة. وهذا وحده مكسب كبير بالنسبة إلى الرئيس الروسي. صورته وهو مجتمع مع الرئيس الأميركي، على أرض أميركية، تمنح تهديده السياسي والأمني لأوروبا صدقية أكبر، إلى جانب تحقيق هدفه باستعادةٍ، ولو أولية، لدور روسيا كقطب عالمي. حصل بوتين على كل ذلك من دون أن يقدّم حتى أي تنازل في المضمون. على العكس، يبدو أنه لا يزال يشترط حصول موسكو في السياسة، على ما لم تحصل عليه في الميدان، وخلاصته سيطرة كاملة على منطقة دونباس (دونيتسك ولوغانسك) بالحد الأدنى، للقبول بهدنة أولية.
صحيح أنه لا يزال من المبكر الجزم بمخرجات القمة. لكن في الشكل على الأقل، يبدو موقف بوتين قوياً. ربما راهن زيلينسكي والقادة الأوروبيون على نقطة لا عودة في علاقة ترامب مع بوتين. لكنّ رهاناً كهذا كان محكوماً بالفشل. في تلك العلاقة، يدرك بوتين متى يتراجع عن الهاوية، وكيف. وفي حال أخفق، سيلقى مساعدة من ترامب نفسه.
أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار