آخر الأخبار
الرئيسية » إقتصاد و صناعة » على «المركزي» إلزامهم بتسديد الودائع فوراً: خطيئة التعامل مع فروع المصارف الأجنبية

على «المركزي» إلزامهم بتسديد الودائع فوراً: خطيئة التعامل مع فروع المصارف الأجنبية

 

محمد وهبة

 

 

 

تعامل مشروع قانون المعالجة لأوضاع المصارف مع فروع المصارف الأجنبية باعتبارها مصارف محلية ابتداء بالتقييم وصولاً إلى الاستمرار أو التصفية.

 

هذا ليس مجرّد خطأ عادي، بل خطيئة ترتكب بحق مودعي هذه الفئة من المصارف العاملة في لبنان والتي يتوجب على مصرف لبنان إلزامها مباشرة وفوراً بتسديد كل الودائع بدلاً من ربطها بمشروع لا علاقة لها به نهائياً ولا ينطبق عليها ولا يمكن تطبيقه عليها أصلاً. فهذه الفروع ليست كياناً اقتصادياً مستقلّاً، بل تتبع للشركة الأم خارج لبنان وهي جزء صغير منه، وهي لا تملك أصولاً بل يملكها الكيان الأم، وتطبّق عليها معايير مصرفية يطبّقها المصرف الأم ما دامت لا تتعارض مع المعايير التي يفرضها الناظم للقطاع في لبنان، أي مصرف لبنان.

 

لبننة الفروع الأجنبية

في نهاية عام 2019، كان فرع البنك العربي في لبنان ش.م.ع (شركة مساهمة عامة) يحمل في ميزانيته نحو 1 مليار دولار من الودائع ولديه مطلوبات على القطاع العام اللبناني بقيمة 120 مليون دولار، وتبلغ قيمة موجوداته 1.3 مليار دولار. هو مصرف مسجّل في الأردن منذ عام 1948 ولديه فروع مختلفة منها فرع حيفا الذي انتقل إلى بيروت، بحسب رواية المصرف على موقعه الإلكتروني.

 

وعلى لائحة مصرف لبنان هو مسجّل تحت الرقم 5 ولديه سجلّ تجاري رقمه 329 بجنسية أردنية.

 

بمعنى أكثر وضوحاً، هو ليس شركة لبنانية، بل شركة أردنية لديها فرع في لبنان. ومثله، هناك ثمانية فروع مصرفية تعمل في لبنان، وهي: مصرف الرافدين، البنك العربي الأفريقي، شركة مصرف بغداد، بنك قطر الوطني، بنك الاستثمار، سيتي بنك، حبيب بنك، بنك صادرات إيران.

 

ورغم كيانه الأردني، فإن البنك العربي وسائر الفروع الأجنبية للمصارف العاملة في لبنان، ومن أبرزها «سيتي بنك» الأميركي، وبنك قطر الوطني، تعاملوا مع المودعين مثل أي مصرف لبناني.

 

أي إنهم امتنعوا عن تسديد ودائع الزبائن، ثم التزموا بتعاميم مصرف لبنان التي تمنح المودعين جزءاً لا يُذكر من هذه الودائع بقيمة 400 دولار نقداً أو 150 دولاراً نقداً.

 

وفي النسخة التي أقرّها مجلس الوزراء من مشروع معالجة المصارف، شُمِلت هذه المصارف بالإجراءات نفسها الرامية إلى تصنيف المصارف اللبنانية بين قادر على الاستمرار أو سيكون قيد المتابعة أو قيد التصفية.

 

كيف يمكن إجراء تقييم لفرع مصرف أجنبي من دون إجراء التقييم للشركة الأم؟

 

لكنْ لدى المطلعين، شكوك قويّة بأن فروع المصارف الأجنبية يجب ألا تُعامل مثل المصارف اللبنانية المؤسّسة في لبنان باعتبار كونها فروعاً لمصارف أجنبية لا ينطبق عليها الإفلاس الحاصل في لبنان، ولا آليات التعامل معه.

 

ثمة الكثير من الاعتبارات التي تحتّم التعامل مع فروع المصارف الأجنبية العاملة في لبنان، بشكل مختلف. في التعليق الذي أعدّته دائرة الشؤون القانونية على مشروع قانون المعالجة لأوضاع المصارف، ورد في المادة الرابعة أن نطاق تطبيق القانون يشمل المصارف الأجنبية وفروع المصارف الأجنبية العاملة في لبنان «وذلك مخالف لمبدأ وحدة الإفلاس». المقصود بهذه العبارة، أن الفروع لا تُفلس بشكل مستقلّ عن الشركة الأُم.

 

فالفرع ليس لديه شخصية قانونية مستقلّة، وليس لديه ذمّة مالية مستقلّة عن الشركة الأم، بل هو يمثّل جزءاً من الشركة الأم إلى جانب أجزاء عدّة منها فروع في دول أخرى والمقرّ الرئيسي للشركة الأم.

 

وبكونه امتداداً للشركة الأم، فإن تطبيق المادة السابعة من مشروع قانون معالجة أوضاع المصارف يصبح أمراً مستحيلاً. فقد نصّت هذه المادة على أنه «يُتّخذ قرار إصلاح الوضع أو قرار الشطب بالاستناد إلى تقرير تقييمي نهائي ترسله لجنة الرقابة على المصارف إلى الهيئة المصرفية العليا حول وجوب تصفية المصرف أو إعادة تأهيله عبر إجراءات إصلاح الوضع بعد تعليل الأسباب التي أدّت إلى اتخاذ القرار».

 

وبالتالي، ثمة سؤال يفترض أن يجيب عنه جهابذة الحكومة والمشرّعون الذين يجلسون على مقاعد مجلس النواب: كيف يمكن إجراء تقييم لفرع مصرف أجنبي من دون إجراء التقييم للشركة الأم؟ هل هناك إمكانية لذلك؟

 

الواقع، إن آلية التعامل مع الفروع الأجنبية أجابت عنها دائرة الشؤون القانونية في مصرف لبنان: «الأنظمة القائمة تنص على أن فروع المصارف الأجنبية العاملة في لبنان يجب أن تعاد رسملتها من مصارفها الأم… وإذا توقفت هذه الفروع عن تسديد الدفعات أو جرت تصفيتها، أو حتى في حال تمت تصفية المصرف الأم وأوقفت دفعاته، فإنه يترتب للدائنين (المودعين) أولوية الحق في أصول المصرف الأم».

 

باختصار، الفرع لا يمكن تصفية موجوداته لأنها مملوكة من الشركة الأم، ولا يمكن إعلان إفلاسه وتصفيته إلا إذا أفلست الشركة الأم وقرّرت ألا تضخّ رساميل جديدة فيه والانسحاب من لبنان، وعندها يكون للدائنين امتياز على موجودات الشركة الأم. ويستدلّ على ذلك أيضاً من أنه بموجب نصوص القانون 28/67 الذي استندت إليه دائرة الشؤون القانونية، فإن الالتزامات على الفرع الأجنبي هي التزامات على الشركة الأم لأنه وحدة متصلة بكيان أساسي. وبالتالي لا يمكن إدراجه بتصنيف «الأزمة النظامية» التي يتعامل معها هذا القانون.

 

أرباح هائلة رغم الخسائر

في الواقع، الأولى بهذه المصارف أن تسدّد ودائع الزبائن فوراً. ولمصرف لبنان أن يلزمها بذلك. وهذا الأمر لا ينطوي فقط على مبرّرات قانونية متصلة بوحدة الكيان، بل يتعلق بالمنطق الذي كان على أساسه يعمل في لبنان.

 

فقد لجأ عدد من المودعين إلى فروع المصارف الأجنبية العاملة في لبنان لأنهم يدركون الأمر بشكل واضح، ما دفعهم إلى تقليص المخاطر التي ضجّت بها السوق المصرفية اعتباراً من 2016 حتى التوقف عن الدفع في منتصف 2019. نقل الودائع إلى فروع المصارف الأجنبية، كان هدفه تجنّب أي حالة إفلاس في المصارف اللبنانية.

 

فهذه الفروع لم تكن تدفع فوائد كبيرة على الودائع انسجاماً مع سياسات الشركة الأم المسجلة في الخارج. لنأخذ سيتي بنك مثلاً؛ كان يدفع فوائد تصل في حدّها الأقصى إلى 1% على ودائع الدولار انسجاماً مع معدلات الفوائد العالمية.

 

بينما كانت المصارف اللبنانية تدفع فوائد بلغت في حدّها الأقصى 30% على ودائع الدولار. الهروب من الجشع بالفوائد المرتفعة كان هدفه الحفاظ على أصل الوديعة من الإفلاس.

 

بالنسبة إلى بعض المودعين، كان المشهد واضحاً عند رفع معدلات الفوائد في لبنان مقارنة بانخفاضها في الخارج. رغم ذلك، انقلب تقليص المخاطر إلى امتناع الفروع الأجنبية عن تسديد الودائع بحجّة أنها مشمولة بالأزمة النظامية. بدا لوهلة كأن بنك قطر الوطني، أو البنك العربي أو سيتي بنك مفلسة! الواقع غير ذلك تماماً.

 

لنأخذ البنك العربي على سبيل المثال: ففي السنة الماضية سجّل البنك العربي الأردني أرباحاً بقيمة 1 مليار دولار أميركي. أما بنك قطر الوطني، فقد حقّق أرباحاً بقيمة 4 مليارات دولار.

 

هذه أرقام معلنة على المواقع الإلكترونية لهذه المصارف، لذا من الواضح أنه يجب سؤال معدّي مشروع قانون معالجة أوضاع المصارف الآتي: كيف يتم تقييم مصرف يربح 4 مليارات دولار؟ أصلاً هل يعرف هؤلاء كيف تحتسب الأرباح؟

 

ببساطة هي تحتسب عبر احتساب حركة كل الفروع والشركة الأم، فإذا أصيب أي فرع بخسائر ما، يترتب على الشركة الأم أن تأخذ مؤونات على هذه الخسائر.

 

وتقتطع المؤونات من الأرباح الإجمالية وتوضع في بند خاص في رأس المال، وعند تحقق الخسائر بشكل نهائي تشطب، وإذا لم تتحقق يعاد تدويرها إلى بند الأرباح. بمعنى أوضح، إذا كانت الودائع في فرع المصرف الأجنبية مسجّلة كخسائر محتملة وفقاً لمعايير الـ IFRS9 الدولية، فإنها مغطاة بمؤونات يدفعها الكيان الأم بكاملها من الأرباح الإجمالية.

 

بحماية معايير الامتثال والمحاسبة

تقول مصادر مطلعة إن الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة لم يتمكن من إجبار فروع المصارف الأجنبية على توظيف الأموال لديه، كما فعل مع المصارف اللبنانية، إذ إن معايير توظيف الأموال لدى الشركات الأم تفرض عليها الامتناع عن توظيف الأموال في مجالات ذات مخاطر مرتفعة إلا بمبالغ قليلة نسبياً، ولذا إن بعض المصارف كانت لديها مساهمات زهيدة جداً في شهادات إيداع صادرة عن مصرف لبنان أو في سندات الخزينة اللبنانية الصادرة بالليرة أو بالدولار. معايير المحاسبة والامتثال لم تسمح لهؤلاء بالانخراط في الهندسات المالية، وفي «سعدنات» رياض سلامة.

 

 

 

 

أخبار سوريا الوطن١-الأخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

وصول باخرة تحمل 3200 سيارة إلى مرفأ طرطوس

وصلت اليوم إلى مرفأ طرطوس باخرة محملة بنحو 3200 سيارة، وهي الأولى من نوعها، التي تصل إلى المرفأ منذ سقوط النظام البائد. وفي تصريحات للصحفيين، بين ...