الرئيسية » قضايا و تحقيقات » على بوّابة الخروج من نمطية سادت فأربكت وأهدرت المال والأعمال والآمال.. أي سياسات ورؤى وآليات عمل يمكن لمجلس الشعب اعتمادها لاستعادة الدور والحضور؟

على بوّابة الخروج من نمطية سادت فأربكت وأهدرت المال والأعمال والآمال.. أي سياسات ورؤى وآليات عمل يمكن لمجلس الشعب اعتمادها لاستعادة الدور والحضور؟

يفخر السوريون بأن كان لديهم قصب السبق برلمانياً بين الدول العربية، فقد كان لهم برلمانٌ (مجلس شعب) منذ عام 1920 بعد هزيمة الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى (1914-1918).. وبأن كان لهم برلمانٌ تجاوز دوره التشريعي إلى دور سياسي شكل ركيزة أساسية نحو انجاز الاستقلال عن المحتل الفرنسي في عام 1946.. ثم في بناء الدولة في أهم وأخطر المراحل بهدف تحصين الاستقلال وتعزيز مسيرة التطوير والنهضة.
وإن كان مجلس الشعب السوري تخلى بعدها عن دوره السياسي فهذا لأن موجبات الدور وضروراته لم تعد قائمة في ظل استقرار البناء الداخلي (دون أن يعني ذلك انتفاء التهديدات الخارجية التي ظلت قائمة والتي برعت القيادة السورية على مدى عقود في التعامل معها ودرء أخطارها) وكان التركيز كاملاً على الدور التشريعي (والرقابي) في سبيل تنظيم الحياة المؤسساتية، الاقتصادية والاجتماعية والإدارية، وفق قوانين وتشريعات، من جهة، ووفق تنظيم العلاقة القائمة بين مجلس الشعب وباقي السلطات، وعلى رأسها السلطة التنفيذية (الحكومة) من جهة ثانية.
بالعموم، لا نستطيع القول إن المسيرة التشريعية (والرقابية) كانت كاملة، لا تشوبها شائية، علماً أنه ليس المطلوب أن تكون كاملة بقدر ما هو مطلوب أن تكون الممارسة صحيحة أو لنقل تصحيحية في ظل وجود ثغرات لا يمكن تلافيها في أحيان كثيرة إذا ما افترضنا أن أي عمل إنساني لا يستطيع تحقيق الكمال بصورة ناجزة، وهذا ليس لنقص فيه بصورة أساسية، وإنما أمر يفرضه مسار التطور ومسيرة النهوض وتغير الاحتياجات (وحتى متطلبات الدفاع، ليس الخارجي فقط، بل الداخلي اقتصادياً واجتماعياً) والتي تفرض أن تكون القوانين والتشريعات مرنة من جهة، وقابلة للتعديل، أو الالغاء كلياً إذا ما اقتضى الأمر، من جهة ثانية.. وعموماً فإن الكثير من القوانين والتشريعات خضعت للتعديل، والتوسيع بمعنى التطوير. إضافة إلى قوانين وتشريعات جديدة.

– النمطية والدور
تعديل التشريعات والقوانين، أو إصدار أخرى جديدة لا شك هو أساس عمل مجلس الشعب، لكن جوهر هذا العمل يتعلق تحديداً بدوره الرقابي على الممارسة والتنفيذ، وتالياً المساءلة والمحاسبة، وهذا ما هو غائب بصورة تكاد تكون كلية، وبما وضع مجلس الشعب في صورة نمطية/ خدمية، تكرست تباعاً لتتحول إلى ثقافة عامة دفعته نحو الصفوف الخلفية مقارنة مع باقي السلطات، رغم أن الدستور السوري أعطى الأولوية (باختصاصات سيادية) لمجلس الشعب على السلطات الأخرى بما فيها السلطة التنفيذية، لكن الثغرة الأساس هنا- حسب القانونيين والمشرعين- تمثلت في أن الدستور لم يتبن صراحة مبدأ الفصل بين السلطات، بين مجلس الشعب كسلطة تشريعية وبين السلطتين التنفيذية والقضائية بالمفهوم التقليدي للكلمة، لتكون النتيجة في نهاية المطاف أن الكفة تميل بشكل واضح (إن لم يكن كلياُ) لمصلحة السلطة التنفيذية (الحكومة) ولهذا الميل مسببات وخلفيات بعضها مفهوم لناحية ما تستدعيه الضرورات، وبعضها الآخر لا يمكن فهمه ولا تبريره، خصوصاً فيما يتعلق بالدور الرقابي.

ثلاثة محددات

الدكتورة لمياء عاصي (التي سبق وكانت وزيرة للاقتصاد عام 2010 ثم للسياحة عام 2011، وقبلهما سفيرة سورية لدى ماليزيا) تعتبر أن استعادة الدور الرقابي أو تطويره أو تفعيله يتطلب توفير ثلاثة محددات:

المطلوب دائماً أن تكون الممارسة صحيحة أو تصحيحية إذا ما افترضنا أن كل عمل انساني لا بد أن يعتريه ثغرات أو نقص يفرضه أو يستدعيه مسار التطور والنهوض وتغير الاحتياجات

أولها تقديم تقارير دورية من مجلس الوزراء – باعتباره رأس السلطة التنفيذية – حول تنفيذ السياسات والبرامج الحكومية ذات الأبعاد التنموية، وكذلك تقديم انجاز الخطط التنموية بشكل دوري. وثانيها هو تطوير قدرة وكفاء أعضاء المجلس على قراءة التقارير وتحليل معطياتها وأرقامها. وثالثها هو تبني السياسات الحكومة على أسس قابلة للقياس والتقييم والمرتبطة بمقياس زمني محدد.

بهذه المحددات الثلاثة يمكن لمجلس الشعب أن تفعيل أدواره الأخرى على مستوى المساءلة والمحاسبة للوزارات والمؤسسات المختلفة، بما فيها مجلس الوزراء وصولاً إلى سحب الثقة من بعض الوزراء أو من الحكومة كاملة.. ما عدا ذلك فإن عمل مجلس الشعب سيبقى نمطياً مقتصراً على مطالبات خدمية، وإقرار للقوانين والتشريعات التي تصدرها السلطة التنفيذية، كما تضيف الدكتورة عاصي.

العودة إلى الأصل
التخلي عن الدور الرقابي، أفقد مجلس الشعب، حضوره على مستويين، على مستوى العلاقة مع السلطة التنفيذية وعلى مستوى الناخبين (ولاحقاً حتى على مستوى التشريع) ولاستعادة الدور (والهيبة) أمام السلطات الأخرى يتوجب العودة إلى الأصل، إلى الدستور، إلى مجلس الشعب كسلطة بحد ذاتها وليس مؤسسة أو مرفقاً أو إدارة من إدارات الدولة.

استعادة الدور الرقابي
ومن وجهة النظر العامة، والمنطقية، فإن استعادة الدور مقترنة باستعادة المهمة الرقابية على تطبيق التشريعات والقوانين التي يقرها المجلس، ومتابعة تنفيذها نحو تحقيق الغاية التي سُنت من أجلها، سواء بالاطلاع على بيان الحكومة ومناقشته والرقابة على تنفيذه، وسواء بصلاحيات السؤال والتحقيق والاستجواب وحجب الثقة.

من هنا ترتفع الأصوات باتجاه استعادة التمكين لمجلس الشعب من خلال تعديل نظامه الداخلي فيما يخص دوره الرقابي تحديداً وتطوير قنوات الاتصال مع المواطنين (تفعيل عمل لجنة الشكاوى) هذا من جهة.. ومن جهة ثانية تطوير الأداء الرقابي من ناحية بنيته التمثيلية والهيكلية بتعديل شروط التمثيل والتمكين، إلى جانب التدريب والتأهيل والدعم المعرفي فيما يخص الأعضاء.

وتقول الدكتورة عاصي: إذا كان الهدف تقوية الدور الرقابي لمجلس الشعب على السلطة التنفيذية فإن ذلك يكون بجعل إجراءات المساءلة والاستجواب أكثر سهولة وخالية من التعقيد، مشيرة إلى أن الخلل الأساسي في عمل المجلس يعود إلى عدم وجود آليات لتمكين الأعضاء وبناء مهاراتهم خصوصاً على مستوى التكنولوجيا الحديثة من جهة، وعلى مستوى القطاعات التي يمثلها الأعضاء، كما أن عدم وجود مكاتب استشارية تكون بمثابة الذراع المعرفي والتقني، والرافد بالبيانات والخيارات المتاحة، يؤثر بشكل سلبي، فمن غير المنطقي أن يكون عضو مجلس الشعب ملماً بكل القضايا التي تطرح أمام المجلس.

المطلوب والمتاح

ما سبق يقودنا إلى سؤال مركزي: هل المطلوب أن يكون لدينا مجلس شعب ميزته فقط التمثيل الواسع، أم مجلس شعب يحقق إلى جانب التمثيل.. كفاءة التشريع والرقابة؟.. خصوصاً وأن سورية تخوض منذ 14 عاماً تقريباً حرباً عالمية شرسة على كل المستويات، عسكرياً واقتصادياً، وحتى على مجلس الشعب نفسه الذي يدخل ضمن الضغوط التي تتعرض لها القيادة السورية في سبيل التدخل بشؤونه وتغيير بنيته وهيكليته بما يتناسب وأهداف القائمين والداعمين للحرب الإرهابية على سورية منذ عام 211.
والأخطر اليوم أن الوقت بات عاملاً قاتلاً، فكل تأخير أو تباطؤ أو تلكؤ، في انجاز المطلوب، سينعكس عواقب على المستوى الوطني، وبما يؤخر عملية النجاة والتعافي من تداعيات الحرب.

د. عاصي: العلاقة بين مجلس الشعب والحكومة كانت دائماً محل جدل ولتصحيح العلاقة بينهما لا بد من سياسات حكومية مبنية على أهداف محددة ورؤى واضحة قابلة للقياس والتقييم

السؤال الثاني، المركزي أيضاً، أي سياسات ورؤى يمكن لمجلس الشعب أن يقدمها، ومن أين يبداً، وعلى من تقع مهمة التمكين واستعادة الدور، وهل هذه المهمة متعلقة به حصراً.. ماذا عن دور السلطة التنفيذية وتنظيم العلاقة بينها وبين السلطة التشريعية، أو لنقل وضع محددات شبة ثابتة لهذه العلاقة، ونقول شبه ثابتة لضرورة ضمان حرية الحركة في بعض المنعرجات والزوايا التي تحتاج إلى مرونة ومواءمة،وأحياناً سرعة في التدبير والتنفيذ؟
تقول الدكتور عاصي: العلاقة بين مجلس الشعب والحكومة هي محل جدل واسع مستمر منذ أعوام طويلة، فأعضاء المجلس هم ممثلون للشعب ويحملون قضاياه وهمومه، بينما مجلس الوزراء(الحكومة) يسعى لبناء سياسات واتخاذ قرارات تفرضها في أحيان كثيرة عملية موءمة الموارد المتوفرة والمتطلبات المتعلقة بقيام الدولة بوظائفها الرئيسية، ولتحقيق نوع من العلاقة الصحيحة بين الجانبين لا بد أن تكون السياسات الحكومية مبنية على أهداف محددة مرتكزة على رؤية اقتصادية واجتماعية وسياسية واضحة، إضافة إلى تبني سياسات قابلة للتقييم والقياس بحصب مقياس زمني محدد، أما السياسات أوالبيانات الإنشائية الفضفاضة فلن تؤدي إلى أي تمكين أو تغيير، وسيبقى مجلس الشعب غير قادر على ممارسة دوره بفعالية وكفاءة.

وتتطرق الدكتورة عاصي إلى مسألة أخرى تتعلق بالحوكمة المتمثلة بالشفافية والمحاسبة والمساءلة والمشاركة، باعتبارها الوحيدة القادرة على انضاح العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية على أسس ومبادئ صحيحة سواء من خلال الحوار أو من المتابعة والرصد.

تصحيح على مستويين

هنا قد يتبادر إلى الذهن تساؤل أواستفسار حول أنه رغم التجربة البرلمانية المتقدمة والعريقة تاريخياً في سورية، والمشهود لها وبدورها السياسي الوطني الريادي، إلا أن مجلس الشعب يقف في موقع متأخر أو لنقل غير مكافئ للسلطة التنفيذية التي لا تبدو متقدمة فقط بل مهيمنة.
في التفسير العام، هذا يعود إلى الثقافة السياسية العامة السائدة التي تنظر بعين الهيبة إلى من يملك السلطة على الأرض بين الناس، وهي بالتأكيد السلطة التنفيذية وليس التشريعية، هذا من جهة.. ومن جهة ثانية، يعود إلى عراقة وخبرة أجهزة الحكومة وما تبديه من كفاءة كبيرة، وحسن تدبير في دعم قراراتها ونشاطاتها في مختلف الميادين بكل ما يلزم.
المسألة لا تتوقف عند هذه النقطة الثانية فقط، بل تتعداها إلى ما هو أخطر(فيما يتعلق بالعلاقة بين السلطتين) وتتركز هنا في أن أعضاء مجلس الشعب أنفسهم تأثروا بهاتين النقطتين فيما يخص نظرتهم الشخصية للحكومة وبما يدفعهم للانكفاء والاكتفاء بمواجهة الحكومة فيما يخص الدور المطلبي وتجاوز الدور الرقابي.

د. عاصي: أهم معوقات تفعيل أداء المجلس هي المصالح الشخصية وغياب مراكز البحث والمساندة التي يمكن أن يكون لها دورٌ جوهريٌ في تقديم المعلومات والبيانات والخيارات المتاحة أو الممكنة

وهذه مسألة خطيرة للغاية عندما يتم النظر إلى مجلس الشعب (حتى من قبل أعضائه) باعتباره أحد أجهزة الدولة التي يتناوب في عضويتها عدد من الأشخاص كل أربع سنوات، وليس النظر إليه كجزء حيوي من نظام بناء الدولة. عندما نصحح هذه النظرة الذاتية (وليس فقط تصحيح العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية) عندها يمكن الانطلاق إلى بحث عوامل الخلل والضعف وصولاً إلى تحقيق أفضل تمكين وتفعيل لأداء مجلس الشعب، على المستوى الداخلي وعلى المستوى الوطني.
في التفسير المحدد أكثر، فإن الحديث يتوسع باتجاه غياب الثقة والشفافية. تقول الدكتور عاصي إن عملية بناء الثقة العامة لا بد أن تكون على رأس الأهداف، حيث تطرق السيد الرئيس بشار الأسد في خطابه أمام مجلس الشعب الجديد إلى مسألة إعادة بناء الثقة العامة، وأن ذلك يحتاج إلى عمل دؤوب.
وتضيف: عندما نبحث بالعوامل والمحددات الأساسية لعملية بناء الثقة، نجد أن أهمها الشفافية وبناء القدرات ثم المساءلة والمحاسبة وممارسة الدور الرقابي بكفاءة وفعالية. وفي سياق ذلك لا بد أن تحاط أعماله بقدر كبير من الشفافة، كحضور الإعلام مثلاً للجلسات، باستنثاء السرية التي تفرضها ضرورات المصلحة العامة، إضافة إلى إصدار التقارير الدورية عن أعمال المجلس المنجزة، أو المخطط لها، وأن تكون متاحة للعموم، وهذا بالطبع يجب أن يرافقه بناء قدرات وتطوير مهارات اعضاء المجلس.

معوقات
وترى الدكتور عاصي أن أهم المعوقات أمام تفعيل أداء مجلس الشعب أو استعادة دوره أو تمكينه على مستوى المساءلة والمحاسبة، هي المصالح الشخصية للبعض الذين يحاربون لبقاء الوضع الراهن، إضافة إن نقص الموارد، وغياب مراكز البحث والمساندة التي مهمتها تقديم المعرفة بما توفره من معلومات وبيانات وسيناريوهات حلول وخيارات ممكنة، فإذا ما كان مجلس الشعب مسلحاً بالمعرفة فسيكون حينها قادراً على ممارسة دوره الرقابي والتشريعي بشكل صحيح.
وبخصوص أن ما سبق يستدعي حتماً تغيير النظام الداخلي للمجلس وعلى من تقع المهمة، تقول الدكتورة عاصي: هذه المهمة يتولاها مكتب مجلس الشعب الذي يتألف من رئيس المجلس ونوابه وأعضاء آخرين يجري انتخابهم لهذه المهمة، إلى جانب استشارة خبراء ومختصين.
وفيما يخص نسب التمثيل والانتخابات- تضيف د. عاصي- فهذه مسألة لها علاقة بقانون الانتخابات العامة لعام 2014 فهو الذي ينظم العملية الانتخابية لمجلس الشعب ومجالس الإدارة المحلية (والانتخابات الرئاسية).. وتغيير قانون الانتخابات العامة يحتاج إلى حوار سياسي عام.
بالمحصلة النهائية، فإن مهمة التشريع مرتبطة جذرياً/كلياً بالمهمة الرقابية، ونجاح الأولى مرتبط بنجاح الثانية حكماً.

 

 

 

 

سيرياهوم نيوز 2_تشرين

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الرئيس الأسد يتقبل أوراق اعتماد سفير جنوب إفريقيا لدى سورية

    تقبل السيد الرئيس بشار الأسد أوراق اعتماد، أشرف يوسف سليمان سفيراً مفوضاً فوق العادة لدولة جنوب إفريقيا لدى الجمهورية العربية السورية.     ...