حسين فحص
أُطلقَ سراح جوليان أسانج. المناضل الذي طوّقت جسده سلاسل الاستبداد تعويضاً عن فشل إخفات حنجرته، أصبح حراً من جديد، بعد سنواتٍ من اعتقالٍ قسري ألهم الأقلام الحرة لتكملة المسار.مؤسس موقع «ويكيليكس» المعني بنشر وثائق تخص الشأن العام دون كشف هوية المسرّبين، أضاء مراراً على أهمية شفافية المعلومات وحرية الصحافة الاستقصائية في مختلف الحقول. وعليه، ساهمت تسريبات أسانج ورفاقه في تدعيم كفة الحق مجدداً، وشيّدت جسراً عبره كثيرون، منهم مؤسس موقع «فوتبول ليكس»، الشاب البرتغالي روي بينتو، الذي كرّس نفسه خلال العقد الماضي لكشف الفساد المستور في عالم كرة القدم… وما أكثره
ومنذ إطلاقه عام 2015، تخصص موقع «فوتبول ليكس» بدايةً في نشر خبايا أجور اللاعبين ورسوم الانتقالات غير المعروفة، ليبدأ العمل في غضون عام على نشر فضائح «مدويّة» ضمن عالم «المستديرة» بالتنسيق مع بعض المطبوعات الأوروبية الكبرى، أبرزها مجلة «دير شبيغل» الألمانية.
هكذا، تميّز «فوتبول ليكس» في نشر وثائق متعلقة بمزاعم التهرب الضريبي لكبار نجوم اللعبة، مثل كريستيانو رونالدو، الذي أُجبر عام 2018 على دفع ضرائب متأخرة بقيمة 22 مليون دولار، وانفرد الموقع بتسريباتٍ هزّت عرش كرة القدم عندما أضاء على مزاعم فساد طاولت رأس الهيكل الكروي مروراً ببعض الأندية.
أبرز تلك الفضائح تمثّلت بالتصويب على رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم، جياني إنفانتينو، الذي تم انتخابه رئيساً عام 2016 في أعقاب سقوط سلفه سيب بلاتر بتهم الفساد، بالإضافة إلى تسريب خطط عدد من أكبر الأندية الأوروبية للانفصال عن بطولاتها الوطنية وتشكيل «سوبر ليغ».
وبالعودة إلى الهيئة الحاكمة، كشف «فوتبول ليكس» أن إنفانتينو تجاهلَ، بصفته أمين سر الاتحاد الأوروبي لكرة القدم حينها، المخالفات التي ارتكبها مانشستر سيتي وباريس سان جيرمان، عندما حام شبح انتهاك قواعد اللعب المالي النظيف حول الناديين.
وتعلّق الجزء الأكبر من الوثائق المسرّبة بنادي مانشستر سيتي تحديداً، حيث قال الموقع إن النادي المملوك إماراتياً ضخَّ ما يقرب من 3 مليارات دولار في خزائنه خلال سبع سنوات، ما يعدّ انتهاكاً واضحاً لقواعد اللعب المالي النظيف.
هدد بينتو في الأيام الماضية بنشر المزيد من رسائل البريد الإلكتروني والوثائق المتعلقة بخرق مانشستر سيتي للقواعد
بموجب اللوائح، كان من المفترض أن يواجه مانشستر سيتي عقوبات وخيمة، لكن يبدو، بحسب «فوتبول ليكس»، أن الاتحاد الأوروبي لكرة القدم «أخفى المعلومات» عبر إنفانتينو الذي التقى سراً بمسؤولين من النادي الإنكليزي، بالإضافة إلى مسؤولين في باريس سان جيرمان المملوك قطرياً، وتحايل بشكل منهجي على القواعد من أجل حمايتهما من العقاب.
هذه الوثائق سُرّبت سابقاً عبر مؤسس موقع «فوتبول ليكس»، البرتغالي روي بينتو، الذي ظلّت هويته مجهولة لسنوات تحت الاسم المستعار «جون». وساهمت التسريبات في فتح تحقيقات رسمية، أدّت إلى حصول مانشستر سيتي عام 2020 على حظر أوروبي لمدة عامين من قبل الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، بعد اتهامه بانتهاك اللعب المالي النظيف بين عامي 2012 و2016، لكن في النهاية ألغت محكمة التحكيم الرياضية (كاس) قرار الإيقاف.
تم بعدها توجيه 115 تهمة انتهاك وتلاعب من قبل الدوري الإنكليزي تجاه مانشستر سيتي، الذي أكد مراراً براءته علماً أن القضية لا تزال جارية.
وبفعل ضغوط ضخمة من جهاتٍ عديدة، أُدين بينتو عام 2023 بتهم مختلفة من قبل محكمة في لشبونة مثل محاولة الابتزاز والوصول غير القانوني إلى البيانات وخرق المراسلات، وحُكم عليه بالسجن لمدة أربع سنوات مع وقف التنفيذ. من جهته، ندد بينتو بجميع التهم وأكد أن أفعاله كانت في المصلحة العامة من أجل كشف الفساد في كرة القدم، وتم وضعه في حماية الشهود منذ عام 2020.
وبعد انقضاء سنوات «ضبابية» على ملف مانشستر سيتي، أُزيل عنه الغبار في الأيام القليلة الماضية عندما هدد بينتو بنشر المزيد من رسائل البريد الإلكتروني والوثائق المتعلقة بخرق النادي الإنكليزي المزعوم للقواعد، على ضوء إطلاق «السيتيزينز» في وقتٍ سابق من هذا الشهر إجراءات قانونية ضد «بريميرليغ» للرد على التهم المتعلقة بانتهاكات مزعومة لقواعد الربح والاستدامة (PSR) الخاصة بالدوري.
وبحسب صحيفة «ديلي ميل» الإنكليزية، صرّح بينتو بأنه زوّد السلطات في فرنسا وألمانيا بملايين الوثائق «ذات صلة جنائية»، مؤكداً: «هذه الوثائق جزء من تحقيق الدوري الإنكليزي الممتاز بشأن مانشستر سيتي. أنا واثق من أنهم سيجدون صلة إجرامية».
تجدر الإشارة إلى أن بطل الدوري الإنكليزي الممتاز كان شاهداً في الموسم الماضي على مواجهة إيفرتون ونوتنغهام فورست عقوبات متفاوتة بسبب خرق قواعد الربح والاستدامة في «بريمييرليغ». وفي حال ثبت تورّط مانشستر سيتي، يمكن أن يواجه النادي، تبعاً للوسط الكروي الإنكليزي، خصم نقاط قد يصل إلى حد 30 نقطة أو هبوط إلى الدرجة الأولى «تشامبيونشيب».
وتكثر التقارير حول تحديد موعد جلسة استماع في خريف عام 2024 بما يخص قضية مانشستر سيتي، بينما تشير أخرى إلى اتخاذ قرار بحلول صيف عام 2025. المرجّح، أن تسريبات بينتو سوف يكون لها وقع كبير في كشف الخبايا بين أسوار ملعب الاتحاد وغيرها من الجهات الكروية. أمّا الأكيد، كما قال أسانج مرةً: «إذا كان من الممكن أن تبدأ الحروب بالأكاذيب، فيمكن إيقافها بالحقيقة».
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية